التصريحات التى صدرت عن الدكتور محمد بديع، المرشد العام للإخوان، والتى تكشف عن غضبه من الحملات الصحفية والإعلامية على الجماعة وحزب الحرية والعدالة ووصفه قطاعًا من الإعلاميين بأنهم سحرة فرعون تؤكد أن الإسلاميين فى حاجة لإعادة صياغة خطابهم السياسى واستيعاب المرحلة الجديدة، وأنه لا يصح أن نظل فى مخاوف وهموم وخطابات مرحلة تاريخية انقضت، سحرة فرعون كانوا هناك عندما كان الفرعون موجودًا، أما الآن فلا سحرة ولا فرعون، ولكنه صراع سياسى عنيف يلعبه الجميع بأدواته التى يمتلكها، التيار الإسلامى يخوض صراعه مسلحًا بقوة حضور شعبى طاغية وغالبية برلمانية كانت وستظل لمدة غير قصيرة حتى لو أجريت الانتخابات عشر مرات، وخصوم التيار الإسلامى والكارهين له الذين يدركون أنهم معزولون شعبيًا يخوضون تلك المعركة بسلاحهم الذى يملكونه والذى عمقوا هيمنتهم عليه طوال سنوات، وهو سلاح الصحافة والإعلام، خاصة أن الجزء الأكبر من تلك المساحة هى مملوكة بالفعل للفلول من "يتامى نظام مبارك"، سواء الإعلام الخاص أو الحكومى، والذى يحتاج المرشد وغيره من قيادات العمل الإسلامى لإدراكه أنهم يواجهون حملة من الكراهية الشرسة والتى تتمنى أن تغمض عينها وتفتحها لتجدهم جميعًا معلقين على المشانق أو فى المنافى أو فى أقبية السجون، وكل خطاب "ناعم" أو متزلف للجماعة أو حزبها عندما يصدر عرضًا عن هذا أو ذاك، فهو "غسيل موقف" لا أكثر، لكى يذكرك أنه "يومًا ما" تحدث عنك بإيجابية، وعندما يقول كلمة إنصاف فهو يمهد بها لحملة من ألف كلمة عدوان وكراهية، وهذا الفضاء الإعلامى الواسع الآن فى مصر والذى يتغنى "نفاقًا" بالثورة وشبابها ويزايد على مطالبها، هو فى صميمه إعلام الفلول، وأموال الفلول، ومصالح الفلول، والاستراتيجية الأساسية له أن يثير أكبر قدر من الاضطراب وغياب اليقين فى مصر، وتعطيل أى محاولات لإنجاز مؤسسات ديمقراطية جادة وجديدة تطوى صفحة الماضى وإبقاء الفراغ السياسى والأمنى لأطول فترة ممكنة، لأن أى إنجاز لبنية ديمقراطية جديدة يعنى الاقتراب من "تطهير" مصر وفتح كل ملفات العفن التى لم تفتح حتى الآن، والتى أؤكد لكم أن بعض من يملكون "مفاتيح" هذا الإرث الإجرامى من الفساد الاقتصادى وخراب مصر ما زالوا طلقاء ويتآمرون على الثورة وأحزابها وقواها الرئيسية، ويحاولون بكل السبل مد حبال الإنقاذ لمن وقعوا فى مصيدة طرة أو حماية الهاربين فى الخارج. أعجبنى الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل عندما سألوه عن ما يتم الترويج له من أن والدته تحمل الجنسية الأمريكية وبالتالى لا يحق له الترشح للانتخابات الرئاسية، إذ علق بقوله: المعركة الانتخابية بدأت.. وخلوا الصحف تبيع اليومين دول!، وهو ذكاء سياسى وإعلامى لم ينزلق إلى المهاترات، ولكنه فقط وضعها فى سياقها الذى يكشف عن كونها جزءًا من حملة أكاذيب من المألوف أن تشهدها الصراعات الانتخابية، وكنت أتمنى على التيار الإسلامى بدلاً من أن يشتكى من الإعلام وضغطه وتشويهه أن يعمل على تصحيح "خطأه التاريخى" بإهمال الإعلام والاستخفاف بقيمته وتأثيره فى توجيه الواقع، ولعل الدرس الحالى يكون دافعًا لهم أن ينتبهوا إلى أن "أدوات" الصراع السياسى ليست فقط فى الشارع أو صندوق الانتخاب أو مقار الأحزاب والجماعات. [email protected]