التعددية التي شهدتها الحالة الإسلامية خلال الأشهر الأخيرة ، وتجلت بوضوح في حراك تشكيل الأحزاب السياسية الجديدة والعديدة وما تلاه من معركة انتخابية طاحنة تصادمت فيها أحزاب إسلامية مع بعضها البعض ، هو مؤشر إيجابي جدا ويخدم الحياة السياسية في مصر ، وهو في البعد الاستراتيجي يعطي طمأنة نسبية للآخرين بأن التيار الإسلامي ليس كتلة واحدة صماء ، ولا لونا واحدا ، وإنما هو تباينات في الفكر والاجتهاد السياسي ، ومن الممكن أن ترى في المستقبل تحالفات سياسية غريبة ، كأن يتحالف حزب إسلامي مع تيار ليبرالي معتدل ضد حزب إسلامي آخر قد يكون وحده أو تكتل هو الآخر في تحالف مغاير ، وأنا على يقين من أن هذه الاحتمالية ستتحقق خلال الحراك الكبير الذي ستشهده مصر خلال الأشهر المقبلة . وقد كانت هناك بدايات واضحة لمثل هذا الحراك ، عندما تحالف الإخوان المسلمون مع قوى وطنية وليبرالية معتدلة في مواجهة أحزاب إسلامية أخرى مثل حزب النور تحديدا ، الذي يمثل القوة الأهم في التيار السلفي ، كما أن معلوماتي أن بعض القوى الليبرالية تحاول الآن خطب ود بعض قوى التيار السلفي وتجس نبضهم في ذلك ، وربما يفضي هذا الجهد إلى ثمرة ملموسة قبل الجولة الثالثة من الانتخابات . كل هذا إيجابي ومفهوم ، ولكني أتمنى أن يبقى في إطار الصراع السياسي المحض ، دون أن يتجاوز إلى صناعة أزمات أو مرارات تنظيمية على النحو الذي حدث فعلا خلال الأيام الماضية ، لم يكن حزب الحرية والعدالة موفقا عندما نشر تقارير جارحة لحزب النور تتهمه بأنه يتعاون مع الفلول في الانتخابات أو أنه يرشح "فلولا" على قوائمه ، أو اتهامه بأنه يشارك في عمليات تزوير أو تأثير على الناخبين ، وهي اتهامات متهافتة ، كما أنه يكون من الغريب جدا أن تصدر من حزب إسلامي في الوقت الذي تحرجت أحزاب علمانية شديدة العداء للإسلاميين عن أن تردده ، هذا كله ضرب تحت الحزام كما يقولون ولا يليق . تعرف المعارك السياسية أحيانا هذا اللون من الاشتباك ، ويتسامح معه الرأي العام ، ولكني لا أتصور أن يتسامح الرأي العام مع مثل هذا "الطعن" بين الإسلاميين ، لأن التيار الإسلامي يتقدم إلى الناس كحزب سياسي ، ولكن أيضا يتقدم كنموذج أخلاقي ، وكثيرا ما كانوا يحدثون الناس عن حزب "الأيدي المتوضئة" ، في إشارة إلى الالتزامات الأخلاقية التي يفرضها انتماؤهم الإسلامي ويفترض أنهم يحترمونها ويلتزمون بها . وإذا صح ما نمى إلى علمي من أن مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان اتخذ قرارا أول أمس بوقف مثل هذه المهاترات غير اللائقة ، والتي تسيء إلى الجماعة وإلى التيار الإسلامي كله فإنه يكون موقفا مسؤولا وأخلاقيا يشكر عليه ، وسيكون من شأنه أن يعزز من مكانة حزب الجماعة بين أبناء التيار الإسلامي ، كما سيكون من شأنه أيضا منع ترسب مرارات سياسية يصعب تفريغها في المستقبل المنظور . [email protected]