لم تنتبه النخبة إلى أهمية "الرئيس التوافقى" إلا بعد أن تلاعب صانع القرار بالجميع.. وضحك على الإخوان ب"الشاطر" وعلى الليبراليين ب"نور".. ثم وضع الجميع أمام تحدِّى "سليمان"..لينتهى المشهد الرئاسى باحتمال عودة رئيس "فلول"؛ ليكون امتدادًا لمبارك الأب والابن معًا. كل النشطاء وأصحاب الصوت الزاعق على الفضائيات، ممن تهكَّموا على الرئيس التوافقى، ووصفوه بالرئيس "التآمرى" أو "التواطُؤى".. عادوا اليوم؛ ليعَضوا أصابعهم على ما فاتهم بعد أن رأوا رأْى العين كيف تلاعبت بهم "البِيَادات" الخشنة. تراجع غالبية ذوى "الرؤوس الصلبة" وتصدَّروا مشهد المطالبة بتوحيد كل القوى خلف مرشح "توافقى" لمواجهة مرشح "الفلول".. لاسيما وأن التجرِبة أثبتت أن "العسكرى" يبحث عن رئيس لا يتصادم مع المؤسسة العسكرية، ويكون مستعدًا للتصالح مع مصالحها والتعاطى معها؛ باعتبارها شريكًا فى الثورة.. وهى الصفات التى أهدرها الخطاب العُدوانى للمرشحين المنتسبين إلى جيل الثورة؛ ليعطوا لمرشحى "الفلول" فرصة التعاطف "المِيرى" معهم، والذى قد يُترجم إلى شكل من أشكال الدعم "اللوجستى" قُبيل الانتخابات. المحنة قد تتفاقم.. بعد التأكيد على أن الدستور ينبغى أن يُكتب قبل الانتخابات الرئاسية.. وهو مطلب موضوعى وعقلانى .. إذ لا يمكن بحال أن ندلى بأصواتنا لرئيس لا نعرف اختصاصاته وحدود صلاحياته وسلطاته على وجه اليقين والقطع. وهى مسؤولية جديدة تُضاف إلى ما قبلها، وتقتضى إحياء روح "التوافق"، على وجه السرعة، لإعادة تشكيل "تأسيسية الدستور" والانتهاء من كتابته قبل الانتخابات. وإلا سنوضع أمام مأزِق موعد الاستحقاق الرئاسى.. ما يعطى فرصة للمجلس العسكرى لتأجيلها ومدّ الفترة الانتقالية وبقاء الجنرالات على مقعد السلطة إلى أن تنتهى القوى السياسية من "تقطيع" ملابس بعضها البعض. لم يعد أمام جميع إلا التوافق: سواء على "التأسيسية" أو على رئيس تجتمع حوله قوى الثورة.. وهى الحالة التى قد تبرق رسائل ارتياح إلى "العسكرى"؛ لأن التوافق هنا لا يعنى اصطفاف القوى السياسية لمعارضة الجيش.. وإنما التوافق أيضًا مع الأخير باستخدام لغة سياسية تحترم مصالح الجميع.. فى هذه الحالة ستتراجع نزعة "التلاعُب" و"التآمر" والانحراف بالسلطة..لصالح التعاطى مع الملفات العالقة كرجال دولة مسؤولين. نأمل من القوى السياسية الأكبر والأكثر تنظيمًا وجماهيرية، أن تتحمل مسؤوليتها إزاء تعزيز الثقة والدفع فى اتجاه التوافق على "مرشح" ينتمى إلى ضمير الثورة، ويكون ذا مواقف "تصالُحية" مع كل أطراف اللعبة السياسية.. وقبل ذلك الانتهاء من إعادة تشكيل "التأسيسية" إنقاذًا للمقعد الرئاسى من هذا التلاعب المهين لجلال المنصب وهيبته. [email protected]