إن التحدث عن فكرة التوافق، ما هى إلا محاولة لزيادة الفرقة بين أبناء الشعب الواحدة بحيث تكون كل طائفة ممثلة بهوية مختلفة عن غيرها، وبهذا يرسخ الدستور لتفتيت البلاد تماماً، مثلما فعلت أمريكا فى العراق، لهذا لا يمكن أن يقف وراء فكرة التوافق هذه سوى المتآمرين مع أعداء الأمة كى يعطونهم المبرر فى التدخل فى شئوننا فى أى وقت بحجة حماية الأقليات التى يعمل الدستور التآمرى الذى يطالبون به الآن على خلقها دستورياً. إن الدستور هو التعبير الحقيقى عن هوية أى أمة وهو مكنون فى صدور أبنائها ويعكس وجهة نظرها فى الحياة، وهو لا يحتاج فى الأساس إلى صياغة، لأن من البديهى أن تسير الأمة حسب قناعاتها، وإذا تمت صياغته فيكون هو القانون الأساسى المنبثق عن عقيدة الأمة، والأمة قد ارتضت الإسلام عقيدة لها، فيجب أن يكون الدستور الذى تختاره الأمة معبراً عن هذه العقيدة، وبذلك تكون كل أنظمة الحياة من اقتصاد واجتماع وسياسة خارجية وتعليم وعقوبات وغيرها هى التطبيق الحقيقى لهذه العقيدة فى الأرض، وبالتالى تستطيع الأمة أن تحقق نهضتها الصحيحة بانطباق سلوكها فى الحياة مع وجهة نظرها عنها. إن وجود مادة فى الدستور تنص على أن دين الدولة هو الإسلام لا تعنى بأى حال من الأحوال أن الدستور يعبر عن هوية الأمة لأن كل الدساتير فى العالم الإسلامى تنص على هذه المادة، ومع ذلك فإن هذه الدول جميعها تُحكم بأنظمة علمانية، واعتبار الدفاع عن هذه المادة قضية مصيرية تهون الحياة من أجلها فيه كثير من المبالغة، لأن الدستور الذى يعبر عن هوية الأمة يجب أن تنص أول مادة فيه على أن "العقيدة الإسلامية هى أساس الدولة، بحيث لا يتأتّى وجود شىء فى كيانها أو جهازها أو محاسبتها أو كل ما يتعلق بها، إلاّ بجعل العقيدة الإسلامية أساسًا له". هذا مايجب أن تكون عليه المادة الأولى فى الدستور حتى يكون الدستور معبراً عن هوية الأمة، وتكون الدولة تجسيداً حقيقياً لهذه الهوية. إن الدستور المطلوب يجب أن يكون دستوراً لدولة مبدئية صاحبة رسالة، حتى نتخلص من التبعية للغرب، وهذا لن يحدث إلا إذا كان أساس الاقتصاد والحكم وغيره من أنظمة الحياة منبثقاً عن العقيدة الإسلامية، وبالتالى نستعيد عوامل قوتنا الحقيقية التى تنازلنا عنها حين لهثنا خلف الغرب نستورد منه أنظمة حياة تتناقض مع عقيدتنا فكان مصيرنا التخلف والتبعية. إن صياغة الدستور تعتبر مصيرية الآن، لأنها تمثل صراعاً بيينا وبين الغرب، فإما أن نستعيد سلطاننا الذى سُلب منا أو نُبقى عليه بيد الغرب يتحكم فينا كيف يشاء، وبعد الثورات التى قام بها أبناء الأمة بسواعدهم وضحوا فيها بحياتهم لا يجوز بأى حال من الأحوال أن تذهب هذه التضحيات سُدى، ليقطف الغرب هو الثمرة ونشكو نحن ضعف قوتنا وقلة حيلتنا، لأن الأمة الآن فى مرحلة التمكين وليست فى مرحلة الاستضعاف. إن الإسلاميين جميعًا بمختلف مدارسهم الإخوانية والسلفية والجماعة الإسلامية والأزهرية والصوفية والمستقلين أمام تحدٍّ تاريخى الآن.. نعم هم لا يملكون عصا سحرية للخروج من عنق الزجاجة.. لكن حركة الشعوب والثورات فى أيامنا تحسب بالساعات والأيام وأكثرها بالشهور وليس بالسنين والقرون كما كان فى الماضى، وكون الحركات الإسلامية تحمل تفويضًا شعبيًا الآن، بصرف النظر عما نراه فى الشارع من قلة يزعجها عودة الأمة إلى رشدها ودستورها الحقيقى الذى يرفعها فوق الأمم ويخلصها من مستنقعات أمريكا والغرب، والأهم من ذلك هو الخطر والمؤامرة التى تحاك ضدها، إذن فهى أمام مسئولية تاريخية مفصلية وشعب فوضها لتحقيق حلمه بنهضة تعود به إلى سالف عهده لأنه يعلم "أنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها"، فإذا لم يتحرك الإسلاميون فعلينا أن ننتظر 100 عام آخرى أو يزيد!! [email protected]