الجيش والإخوان

البيان الذى أصدره المجلس العسكرى يوم أمس الأول 25/3/2012.. ردًّا على "تصعيد" الإخوان المسلمين ضده، لا يمكن فصله عن "أزمة" تشكيل "تأسيسية الدستور".
بيان "العسكرى" صدر فى وقت اختُير بعناية؛ إذ صدر والموقف السياسى للإخوان فى وضع بالغ السوء، ولعل "العسكرى" توقع أن "يعاقب" الجماعة "سياسيًّا" فى وقت لن تجد "رأيًا عامًّا" فى المجتمع السياسى متعاطفًا معها، بسبب "الغضب" الواسع الذى خلّفته طريقة إدارتها لاختيار أعضاء الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور.
ليس من المعتاد أن يدخل "العسكرى" فى وصلة "تلاسُن" مع أى من القوى السياسية، مهما كانت قوتها ووزنها الجماهيرى.. ليس فقط بسبب تراث "الخصوصية" و"الغموض" المتراكم للمؤسسة الأقوى والأهم فى مصر.. وإنما أيضًا بسبب اتساع مساحة المعارضة ل"العسكرى"، سواء على مستوى "الطليعة الثورية" أو على صعيد الرأى العام.. واختلال ميزان "الرضا الشعبى" لصالح القوى السياسية الجديدة التى جاءت عبر صناديق الاقتراع.. ما جعل "العسكرى" يؤثر الصمت وتجنّب الدخول فى مواجهات لها ثمن سياسى قد لا يتحمله.
أزمة "التأسيسية".. أضعفت كثيرًا من موقف "الإخوان".. وهى الأزمة التى تلت "فشل" الجماعة فى الإطاحة بحكومة الجنزورى.. فيما كانت فى حقيقتها أزمة "مكتومة" بين الجنرالات و"الحرية والعدالة".. تم "قمعها" خلف "الغرف المغلقة" وب"الهواتف الساخنة" .. بعيدًا عن المواقف الرسمية المعلنة.
الجماعة حاولت اختطاف "ضعف" المجلس العسكرى و"فشله" فى إدارة الأزمات الاجتماعية المتتالية وآخرها أزمة الوقود لانتزاع حقها فى تشكيل الحكومة.. غير أن خطأً اجرائيًّا جسيمًا، أدى إلى "تبادل" المواقف.. وتبوَّأ العسكرى مجددًا موقع الطرف "الأقوى" .. بعد الهزيمة السياسية التى لحقت بالجماعة فى معركة "التأسيسية".. ولتبدو "وحيدة" بدون رأى عام سياسى يتعاطف مع موقفها المتشدد مع المؤسسة العسكرية.
مَن يراجع بيان "العسكرى".. يلحظ أن ثمة تهديدًا واضحًا ومباشرًا وصريحًا.. يذكّر الجماعة ب"محنتها" مع الجيش عام 54.. وهى "جرأة" غير مسبوقة.. كانت تُتداوَل فقط فى التحليلات السياسية "المدنية" ولم يصدر تصريح ولا تلميح من أية قيادة عسكرية رسمية.. ما يعنى استشعار الجيش بعمق الأزمة التى انعطفت إليها الجماعة بعد الإعلان عن الجمعية التأسيسية وما خلفته من توتر وانقسامات حادة داخل الطبقة السياسية.
أعلم أن محنة 54 لن تتكرر..فمصر تغيرت.. والعالم تغير.. ولا أعتقد أن الصدام بين القوتين الرئيسيتين "الجيش والإخوان" قد يصل إلى مشارف مشابهة لعام 54.. غير أن ثمة "مفاصل" لحل معضلة نقل السلطة فى مصر، وبشكل آمن ويحصن النظام السياسى الجديد فى المستقبل من "تلاعب" القوى الصلبة به، وربما الإطاحة به فى المستقبل.. وعلى رأس هذه "المفاصل".. هو وضع الجيش فى الدستور الجديد.. ومصالحه الكبيرة والتى تعاظمت بالتراكم منذ تأسيس "مصر الحديثة" عام 1805.
almesryoonmahmod@gmail.com