يمكن القول الآن، إن الإسلاميين قد يشكلون الأغلبية فى البرلمان المنتخب.. هذه حقيقة ينبغى التسليم بها من جهة، واحترامها من جهة أخرى، لأنها تمثل "الحقيقة السياسية" الوحيدة الآن فى مصر. وهى ليست "حقيقة موضوعية" تخضع للمقاربات السياسية، وإنما "مطلقة" تقتضى الإذعان لها ولاستحقاقاتها فيما بعد.. وعلى القوى السياسية الأخرى الأخرى، والتى تسمى ب"المدنية" أن تحترمها.. فالغرب "العلمانى"، والذى انقلب على نتائج الانتخابات فى فلسطين عام 2006 لأنها أتت ب"حماس" الإخوانية.. وعلى الديمقراطية الجزائرية عام 1991، لأنها جاءت بالإنقاذ الإسلامية بات أكثر تفهمًا للحالة المصرية، ولم يعد يخفى احترامه للنتائج ولأى حكومة يختارها المصريون. هذه هى الديمقراطية.. فعلى التيار السياسى "المدنى" الكف عن الشكوى وعن تحريض العسكر فى الداخل وواشنطن فى الخارج ضد النتائج.. والتى بلغت بأحدهم حد الاعتراف بأنه توجه إلى السفارة الأمريكية وأكد لها أن الولاياتالمتحدة ستخطئ فى مصر ذات خطئها فى إيران عندما تسامحت مع "الخمينى" ضد الشاه أحد أهم وأقوى حلفائها فى الشرق الأوسط. وفى المقابل فإنه على الإسلاميين أن يتحلوا بمسئولية "رجل الدولة".. وليعلموا أن على "الأغلبية" مسئولية احتواء الأقلية السياسية.. وأن الفوز بالانتخابات لا يعنى تحرير "صك ملكية" للبلد لهم وحدهم.. وأن ثمة فارقًا بين "سن التشريعات" و"كتابة الدستور".. وأن الأولى حق للبرلمان.. والثانية حق الجماعة الوطنية بكافة مكوناتها السياسية والفكرية والدينية.. الأولى تقر ب"التصويت" والثانى يكتب ب"التوافق". وهذه واحدة من أهم المسائل الكبرى التى خلفت لبسًا كبيرًا لدى التيار الإسلامى الفائز بالانتخابات من جهة ولدى الرأى العام والنخبة السياسية من جهة أخرى.. إذ يبدو أن ثمة رأيًا يعتقد أن الإسلاميين من حقهم "كتابة الدستور" منفردين.. وهو الخطأ الذى خلف كل هذا التوتر والاضطرابات الأمنية التى تشهدها البلاد حاليًا. والحال أن البرلمان سيكون له حق اختيار "الجمعية التأسيسية" لكتابة الدستور وفق الشروط التى سيقترحها "المجلس الاستشارى" الجديد.. أى وفق مظلة وطنية تسع التنوع والتعدد السياسى والفكرى والدينى المصرى، لكتابة دستور متوازن وديمقراطى ولا ينتصر لجماعة سياسية على أخرى. هذه هى الحقيقة التى ينبغى أن يتكلم عنها الإسلاميون وبلا ملل حتى تهدأ الخواطر ويطمئن الجميع.. لأن سكوتهم عن هذه الحقيقة وكما يبدو لى يزيد من المخاوف ومن القلق وقد يُساء الظن بهم والاعتقاد بأنهم يتحينون الفرص للانقضاض على البلد: وطنا وبرلمانا وحكومة ورئاسة جمهورية ودستورًا مفصلا على مقاسهم أيضًا. [email protected]