المساس بنتائج استفتاء 19 مارس، هو لعب بالنار، قد يدخل البلاد والعباد في نفق مظلم، لن تخرج منه قبل سنوات طويلة. هذه حقيقة ومسلمة لا يكاد يختلف عليها العقلاء، غير أن فريقا ممن لا رصيد لهم في الشارع، يتبع الآن سياسة "يا فيها لا خفيها".. وطفق يحشد ما بوسعه من آدوات ضغط وابتزاز وشوشرة وبلطجة، للحيلولة دون احترام وتوقير إرادة الشعب واختياره الحر والنزيهة عبر صناديق الاقتراع. ويبدو لي أن المسألة لا تتعلق ب"وجهات نظر" تستند إلى "مثل عليا" محايدة أخلاقيا، لأن هذا الهياج الذي يملأ الفضائيات ليلا، هو خروج لا أخلاقي على الشرعية، التي قررها، اجراء ديمقراطي حقيقي، يوم 19 مارس الماضي، ولو كانت ثمة جماعة سياسية غير راضية على النتائج، فإن المسألة هنا لا تحتكم إلى مدى رضا أو سخط، هذا أو ذاك، وإنما تتعلق باختيار الشعب عبر صناديق الاقتراع، وهي النتائج التي لها سلطة الإلزام وحق الاحترام والنزول عند استحقاقاتها حتى لو كانت لا ترضينا. لقد استغرب المستشار طارق البشري، منذ أيام، أن تقبل قوى سياسية في مصر خوض انتخابات "مزورة" في عهد الرئيس السابق، وترفض الدخول في انتخابات "نزيهة" بعد الثورة. الاستغراب هنا في محله، وربما يكون هذا "التناقض"، كاشفا لعمق الأزمة، باعتبارها "محنة أخلاقية" موروثة من نظام ما قبل 25 يناير، حيث انهارت منظومة القيم وحلت محلها علاقات سياسية واجتماعية تركتز إلى الشللية والفساد، والانتهازية السياسية في أكثر صورها رخصا وابتذالا. الشعب المصري اليوم، يريد من يحترمه، ومن يقدر تضحياته، ويعظم فيه قدرته على الاختيار وفق ما يراه محققا لمصالحه ومثله العليا.. ولا يريد "لصوصا" و"قراصنة" يمثلون عليه دور "الأوصياء" ويطلبون منه أن يسلم لهم عقله وضميره وإرادته، وكأنهم هم أعلى منه منزلة ودرجة في الفهم والوطنية. ما يحدث الآن من تحرش بنتائج استفتاء 19 مارس، هو "قلة الأدب" على المستوى الأخلاقي، و"قلة ضمير" على الصعيد السياسي.. لأن المتحرشين لا يجمعهم إلا مصالحهم المشتركة، وهي مصالح آنية ترتبط بشكل أو بآخر، بمراكز رأس المال الطفيلي والمسروق من البنوك أو بالاستيلاء على أراضي الدولة والذي يمثل امتدادا للفساد المالي والاداري في عصر مبارك، والذي اختزلت تجلياته في احتكار الإعلام الخاص صحفا وفضائيات.. كرأس حربة مسموم في صدر الثورة ومكتسباتها. فشعار "الدستور أولا".. ليس لوجه الله ولا لوجه البلد، وإنما يخفي من ورائه فحوى مغاير ينبغي نقله من داخل الغرف المغلقة والعوالم السرية والسفلية .. إلى دائرة الضوء ولنقول صراحة أنه يعني "مصالح الشللية أولا".. أما مصلحة البلد من وجهة نظرهم فهي "خرافة" أو "أسطورة" من "أساطير" عالم الدروشة السياسية. [email protected]