ثار جدل واسع حول مظاهرات يوم الجمعة الماضي، التي سميت ب "جمعة الغضب الثانية" سواء داخل الشارع المصري أو في أوساط النخبة المصرية، من حيث أهميتها ورؤيتها ومطالبها، في وقت يؤكد فيه محللون أنها أظهرت مدى وعي الشعب المصري بمطالب المرحلة الراهنة، وأهمية انتهاج المسار السياسي الذي حدده الإعلان الدستوري الذي اكتسب شرعيته من الشعب من خلال استفتاء حر ونزيه، وأنه ليس هناك قوى سياسية بعينها قادرة على أن تفرض إرادتها على الشارع أيًا كانت. وأكد الدكتور وحيد عبد المجيد، نائب رئيس مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية ب "الأهرام" ل "المصريون"، أنه لا يوجد تيار أيًا كان يستطيع أن يفرض إرادته على الشارع، لكنه رأى أن المشكلة الأساسية في مظاهرات "جمعة الغضب الثانية" تكمن في أن أحد أهم أهداف تلك الثورة هو تغيير المسار الدستوري، والذي تم تحديده بناءً على الاستفتاء الذي جرى في 19 مارس الماضي دون توافق عام على ذلك. واعتبر أنه باستثناء المطلب بصياغة دستور جديد قبل إجراء الانتخابات وتأجيل الاستحقاق الانتخابي، فإن باقي المطالب لا يختلف عليها أحد، إذ أن المطالبة بوضع دستور أولاً من شأنها أن تحدث انقسامًا في المجتمع. وشدد على الحاجة لحوار من أجل بحث هذا المطلب وإذا كان هناك من يخشى إجراء الانتخابات في موعدها، فلابد أن يدخل في حوار من أجل تبديد المخاوف والوصول إلى تفاهم حول صيغة تطمئن المتخوفين بدلا من محاولة فرض إرادتهم بالنزول إلى الشارع. ورأى أن ما يحدث – من جانب تلك القوى المطالبة بتأجيل الانتخابات- هو تعبير عن خوف من الانتخابات القادمة، ويعكس أن تلك القوى ليس لديها ثقة في نفسها أمام الناس، وتتصور أن صدور قرار بتأجيل الانتخابات يمكن أن يجعلها في مركز أقوى، بينما الحقيقة تكمن في أنه من لن يستطيع خوض الانتخابات خلال شهرين فلن يستطيع أن يخوضها خلال سنتين أو حتى 20 سنة. في حين وصف الدكتور كمال حبيب، الباحث السياسي، ورئيس حزب "السلامة والتنمية" اللجوء للتظاهر في ميدان التحرير واعتبار هذا متنفسًا لثورة غضب ثانية يعكس طفولة الاتجاهات العلمانية والليبرالية، حيث أنها تشتكي دائما وتختار الخيار السهل وهو الذهاب إلي ميدان التحرير، وقال إنه يعكف على كتابة مقال بهذا الاسم مستندًا فيه إلى كلام رئيس وفد المفوضية الأوروبية بالقاهرة السفير مارك فرانكو، الذي أكد أنه تعب وملّ من النقاش مع العلمانيين والتيارات الليبرالية حول أن "الإخوان المسلمين" سيسطرون على المشهد في مصر. وأوضح أنه على تلك القوى التي نزلت ميدان التحرير إذا كانت تريد إحداث تغيير حقيقي فلتذهب إلى المناطق المهشمة أو الصعيد أو سيناء والقرى التي يأكلها الفقر، أما استسهال الذهاب إلى ميدان التحرير والحديث عن ثورة أخرى، فهذا نوع من الطفولة السياسية ونوع من شق الصف الوطني وتعويض الفشل في التقارب مع الجماهير والذهاب لحل المشاكل باستسهال الذهاب إلى ميدان التحرير. واتهم هؤلاء الذين تظاهروا للمطالبة بصياغة دستور جديد قبل الانتخابات هي محاولة من جانبهم للالتفاف علي التعديلات الدستورية، لكنه وصفها بأنها "محاولة فاشلة، لأن تلك التعديلات صوت الشعب عليها، بأن يكون هناك انتخابات برلمانية في سبتمبر وأن البرلمان المنتخب سيأتي بجمعية تأسيسية، وتلك الجمعية هي التي ستقوم بعمل دستور ثم تأتي الانتخابات الرئاسية"، مطالبًا هؤلاء باحترام رأي الأغلبية التي صوتت على التعديلات الدستورية في مارس. وتساءل حبيب: كيف تنتهك تلك التيارات الديمقراطية وتحاول القفز على ما يريده الشعب وهي التي لا تهدأ عن الحديث عن الديمقراطية والالتزام بقواعدها؟، فيما اعتبر أن الإسلاميين هم الأكثر احتراما لإرادة الشعب وسماع صوته واحترامه من تلك الاتجاهات، مدللا في هذا السياق بالتجربة التركية التي كان الإسلاميون فيها أكثر فهما لقواعد اللعبة الديمقراطية من الليبراليين. وأوضح أن الشعب قال كلمته في التعديلات الدستورية بالتصويت ب "نعم"، ولا يجب أن يكون هناك صوت آخر حول مسألة أن يكون هناك مجلس رئاسي مدني أو دستور جديد، واصفًا المطالبة بهذا بأنها "نوع من الشغب العلماني والليبرالي، وذلك لضعف تلك القوى وعدم تجزر وجودها في الشارع"، حسب قوله. من جانبه، أكد الدكتور رفيق حبيب الباحث ونائب رئيس حزب "الحرية والعدالة"، أنه لا توجد قوى سياسية بالمجتمع المصري تعبّر عن أغلبيته، أو يمكن أن تمثل المجتمع ككل، ويجب على كافة القوى أن تدرك أنها طرفًا ضمن أطراف داخل المجتمع. وأضاف: يجب أن نتفق أن هناك فارقًا بين الأهداف المجمع عليها وبين البرامج المختلف عليها، مشيرا إلى أن أهداف الثورة المجمع عليها معروفة وهي محاربة الاستبداد والفساد وتحقيق الحرية والعدل والكرامة، لكن البرامج والرؤى السياسية مختلف عليها، وبالتالي فلا يجب أن يكون مكانها هو الشارع، لكنه يجب أن يكون مكانها التنافس السياسي والعملية السياسية. لذا انتقد الزج بالشارع في تلك الخلافات بوصفه بأنه "اختيار خاطئ، لأن الذي يحكم الاختلافات السياسية هو صندوق الاقتراع، أما الأهداف التي وافق عليها الشعب المصري وخرج من أجلها في ثورته فهذه أهداف جامعة للكل، وعليه فيجب أن تكون المظاهرات وسيلة لضبط المرحلة الانتقالية لتحقيق أهداف الثورة من خلال الأهداف المتفق عليها وألا يكون هناك مجال للرؤى السياسية المختلف عليها في ميدان التحرير". وأوضح أن الشعار الذي رفع قبل "جمعة الغضب الثانية" كان انعكاسًا لوجهة نظر سياسية لفريق معين وهو النخبة العلمانية، معتبرًا أن وجهة النظر هذه لا تتفق مع نتائج التعديلات الدستورية، والقاعدة الديمقراطية تقول إن الاختلاف يكون قبل صناديق الاقتراع، لكن على كل الأطراف أن تلتزم بنتائج صناديق الاقتراع. ووصف الخروج للشارع للاعتراض على نتيجة صناديق الاقتراع بأنه ليس ممارسة ديمقراطية، لأن الشارع لا يمكن أن يكون وسيلة للممارسة العملية الديمقراطية فهي تدار بصناديق الاقتراع، ولا يمكن لمظاهرة أن تهدم الشرعية الدستورية الجديدة وتهدم الإعلان الدستوري الجديد وتهدر نتيجة الاستفتاء وأصوات من قالوا "نعم"، لأن معنى ذلك أن هذه محاولة لهدم شرعية دستورية اختارها الناس بحرية وطبقا لصندوق اقتراع نظيف، وهذا ليس ممكنا لأنه يعني دخول البلاد في نفق مظلم ويصبح الاحتكام للشارع هو القاعدة معربا عن اعتقاده بأن هذا يمكن أن يؤدي إلى انهيار الدولة. فيما رأى المحامي ممدوح إسماعيل عضو مجلس نقابة المحامين، رئيس اللجنة العامة لحقوق الإنسان بالنقابة أن مظاهرات الجمعة تؤكد أن المعارضين الذين حاولوا الالتفاف على إرادة الشعب في استفتاء 19 مارس هي قلة تمتلك ميكروفونات صوتها عال مأجورة وممولة في وسائل الإعلام، سواء عبر صحف مقروءة أو عبر الفضائيات، وقد كشفها الشارع وهم يعلمون ذلك، لذا فإنهم يحاولون إحداث أكبر قدر من الجلبة والضوضاء والتهديد بالفوضى في ظل الاضطراب الأمني في مصر. وأشار إلى أن هذا الفريق يعلم أنهم ليس له تواجد شعبي بالشارع وليس لديه القدرة علي التأثير وتحريك الشارع لكنه يملك القدرة على إحداث الفوضى بالشارع، ويلاعب المجلس الأعلى والسلطة في مصر بذلك، لكنه ظهر على حقيقتهم في مظاهرات الجمعة الماضية وهذا يكشفه أمام المجتمع المصري ويضعه تحت وطأة الحساب السياسي والأمني، ويكشفه إمام الجهات الغربية التي تموله بعد أن أظهرت حجمه الحقيقي. ورأى إسماعيل أن أسلوب الالتفاف على الاستفتاء علي الإعلان الدستوري كان واضحا في تلك المظاهرة، والذي بدا منذ إعلان نتائج الاستفتاء منذ شهرين، فهناك محاولات حثيثة وقوية للالتفاف على إرادة الشعب، منها "الحوار الوطني" و"الوفاق القومي" و"المجلس الوطني" وهي مسميات مختلقة لكن مضمونها واحد إذ تدل على الاستبداد بإرادة الشعب والالتفاف عليها. وطالب الشعب أن يخرج ليس بمليونية واحدة ولكن بعشرين مليونية في الشارع يوم الجمعة القادم، لدعم أمرين وهما مطالب الثورة والاستقرار السياسي والاستجابة للإرادة الشعبية في التأكيد علي الانتخابات البرلمانية في شهر سبتمبر ثم بعدها الانتخابات الرئاسية، والتأكيد علي أن الدستور لن يوضع بدون برلمان منتخب.