* أزمة الاستيطان فضحت غياب الخبرة وسيطرة الهواة على دوائر صنع القرار * رهان القاهرة على علاقات أوثق مع ترامب «خاسر» ومعركة مجلس الأمن أفقدتنا الاحترام دوليًا * مشروعات السيسى لن تحقق نقلة نوعية لمصر.. والشعب دفع فاتورة التعويم *إعلان السيسى عن هوية المتورط فى تفجير البطرسية لحفظ ماء وجه الداخلية * حسابات الرئيس وراء عدم إقالة عبدالغفار * عام 2017 سيكون الأسوأ على المصريين ونهايته ستشهد شبه انفراجة * مبارك استدعى عائلته كاملة من لندن بعد جمعة الغضب ولم يسمع كلمة دعم الشرعية طوال 18 يومًا * مبارك لم يقتنع بمشروع التوريث.. ومدنية جمال جعلت السيناريو مستحيلاً * تراخى مبارك فى لجم صراعات الأجنحة وراء سقوط نظامه * «ترامب» الرئيس الأمريكى الأسوأ.. وشهر العسل القاهرة معه لن يدوم * شهادتى فى الإخوان مجروحة والمصالحة تفقد النظام شرعيته سطر محمد على إبراهيم، رئيس تحرير الجمهورية الأسبق، اسمه فى سجل كبار كتاب المقالات خلال العام الأخير بشكل فاق جهده الصحفى على مدار 25 عامًا كرئيس تحرير لإصدارات مختلفة، إذا نفضت الحرية التى يتمتع بها حاليًا التراب عن موهبة كبيرة عانت طويلاً بسبب فاتورة القرب من السلطة. إبراهيم، الذى تحولت مقالاته خلال العام الحالى كمقصد لملايين القراء الذين أزعجهم سيطرة إعلام الصوت الواحد على المشهد، فتح قلبه ومعه صندوقه الأسود خلال حواره مع "المصريون" الذى تضمن انتقادات لاذعة لتخبط حكومة الرئيس السيسي، مشيرًا إلى أن أزمة سحب مشروع قرار إدانة الاستيطان عكس نوعًا من الارتباك والتخبط، بل قدم الدليل على أن مصر فقدت الاحترام ومعه القدرة على إدارة علاقاتها الدولية. ولم يجد إبراهيم حرجًا من التأكيد على صعوبة الموقف الذى يمر به السيسي، فهو مضطر لاتخاذ قرارات صعبة وفى توقيتات دقيقة، مثل قرار التعويم بأسلوب الصدمة الكهربائية بشكل لا يتوافق مع طبائع الشعب المصري، مؤكدا أن مشروعات السيسى القومية لن تحقق نقلة نوعية لمصر فى ظل افتقاد فريقه الرئاسى للخبرة. وكشف إبراهيم عن عدد من الأسرار الخاصة بحقبة مبارك، الذى وصف عصره رغم أخطائه، بأنه كان عصر المحترفين والمعلمين دون أن ينكر ارتكاب مبارك لأخطاء فادحة أدت لسقوط نظامه مثل عدم لجم صراعات الأجنحة، فضلاً عن زهده فى الحكم بعد وفاة حفيده، وتجاهله للشباب بشكل جعلهم صيدًا سهلا لمؤامرة قوية تعرضت لها مصر. الحوار مع رئيس تحرير الجمهورية الأسبق، تطرق لقضايا عديدة وكشف عديدًا من الأسرار، سنعرضها بالتفصيل خلال السطور التالية.. · نبدأ من النهاية حيث مازالت أصداء قيام مصر بسحب مشروع قرار إدانة الاستيطان مستمرة خصوصًا بعد تقديمه من قبل أربع دول وإقراره من مجلس الأمن بضوء أخضر أمريكي؟ ** هذه الأزمة تعكس تخبطًا أو غيابًا للرؤية وارتباكًا على جميع الأصعدة ولا يمكن لعقلى أن يقبل أن الخطوة المصرية بسحب القرار جاءت أثر الخشية من الفيتو الأمريكي، ورأيى الشخصى أننا ما كان يجب علينا تقديم هذا المشروع حال خشيتنا من الفيتو الأمريكي، ولعل ما أثار البلبلة تقديم المشروع وسحبه وبعدها قدمت 4 دول من المجلس نفس المشروع وجرى إقراره بدعم ساحق وامتناع أمريكي، وهناك تفسيران لدى لهذا الأمر، أن القاهرة كانت تفرش لعلاقة أكثر متانة مع إدارة ترامب القادمة، وتوظيف الأزمة ككارت دبلوماسى فى أى تفاوض مستقبلي، وهو رهان اعتبره خاسرًا, وحال إقرار نقل السفارة الإسرائيلية للقدس سيكون الرئيس الأمريكى الأسوأ، كونها تنهى وإلى الأبد حل الدولتين، وكانت مصر تستطيع المناورة فى هذه الأزمة بشكل أفضل، ولكن ما يؤخذ عليها أن حالة الارتباكات التى سادت موقفها رسخت انطباعا أنها انساقت وراء مكالمة ترامب للسيسي. *ما ذهبت إليه يخالف مساحة المناورة الضيقة التى تتمتع بها مصر؟ **على العكس كنا لدينا مساحة قوية للتحرك خصوصًا فى القضية الفلسطينية، فنحن لا نمتلك إلا ملفًا واحدًا، وكان من يطلقون عليهم معسكر الممانعة يدعون تعاملنا مع القضية الفلسطينية كما لو كانت شخصًا مريضًا فى غرفة الإنعاش تنزع عنه المحاليل، ثم تعيدها، وكان هذا الأمر مثار سخرية البعض، رغم أن مصر فى وقت مبارك كانت تتعامل مع القضية الفلسطينية أفضل مما تتعامل به الآن, فمصر وافقت على القرار الذى سحبته، وبالتالى وقعنا فى ثلاثة مواقف متناقضة بشكل يعكس تضاربًا وارتباكًا يعيدنا لسيناريو الموافقة على قرار روسى بشأن حلب ودعمنا أيضًا قرار فرنسى مناقض له، مما قدم إشارة قوية على افتقادنا الخبرة الدبلوماسية الكافية لإدارة الأزمات الدولية, بل إننا فقدنا الاحترام فى السياسة الخارجية وسمعة مدرسة عريقة فى الدبلوماسية، نتيجة لضغوط خارجية أو تدخلات لا أعلمها. ·غير أن الارتباك لا يتوقف على الملفات الخارجية فقط بل مع الداخلية أيضًا فإعلان السيسى لاسم المتورط فى تفجير البطرسية كان مثار جدل باعتباره اختصارًا لمؤسسات الدولة فى شخص؟ ** الرئيس السيسى لجأ لهذه السابقة الأولى من نوعها بعد أن شعر بأن مصداقية جهاز الأمن صارت على المحك بعد الرواية الغريبة عن تورط سيدة فى إدخال متفجرات تزن 12 كيلو فى حمالة صدر، فضلاً عن أن هذا جاء كحلقة فى مسلسل مواقف مماثلة هزت ثقة الرأى العام فى الداخلية بعد إعلانه بتصفية 5 متورطين فى مقتل ريجيني، فضلاً عن مقتل النائب العام هشام بركات، وقضايا أخرى لم يتم التوصل فيها للفاعل الرئيسي، لذلك كان السيسى مضطرًا لحفظ ماء وجه الداخلية. · غير أن إعلام السلطة واجه انتقادات شديدة لسبل المعالجة تساوت مع السخرية من مسألة حمالة الصدر على شبكات التواصل؟ ** حسب معلوماتى الشخصية كان من الصعوبة اكتشاف هوية القاتل لولا ملاحظة ذكية من أحد خبراء المعمل الجنائى القائمين على تمشيط الكنيسة، عندما لاحظ وجود بقايا أجزاء لرجل موجودة فى الكنيسة، ومن هنا نشأت فكرة الحزام الناسف وبدأوا يركزون على هذه الفرضية بعد ما كان شغلهم الشاغل على المرأة ذات ال12 كيلو متفجرات, فالسيسى كان مضطرًا إلى أن يقول هذا الكلام ويجزم بأن الأدلة سليمة، لأن التصريحات الأولى للداخلية كانت خائبة, والرئيس تبنى هذا الموقف بعدما لاحظ كم السخرية من التخبط الأمني. · قدم التفجير إشارة على تمتع وزير الداخلية بحصانة ضد العزل رغم توالى الأزمات الأمنية التى تعكس قصورًا أمنيًا؟ **عزل وزير الداخلية أو بقاؤه سلطة تقديرية للرئيس، وذلك لحسابات سيادية لا نعرفها لم يتم الإفصاح عنها للرأى العام، ومسالة العزل لا بد أن تكون قرارًا سريعًا وعقب كارثة, لذلك كنت أتصور أن يعزل بعد هذا الحادث، لكن الرئيس له حسابات أخرى, وإحصائيًا حادث البطرسية هو الثانى مصريًا بعد حادث الأقصر عام 1997 فى عدد الضحايا. · فى ظل هذه الأجواء يتبنى النظام ردًا واحدا على كل الانتقادات التى توجه له وهو أننا أفضل من سوريا والعراق؟ **لا أعتقد أن هذا الرد سيستمر طويلاً بل سيجد نفسه مجبرًا على استبداله باعتبار أن المن على الشعب بالأمن غير مقبول، فلا يصح لنظام حكم أن يمن على شعبه بنعمة الأمن، باعتبارها واجبه الأساسى وليس ذنب المصريين, أن أنظمة أخرى فشلت فى الحفاظ على أمن شعوبها، ومن ثم فهذا الكارت محروق ولا يمكن قبوله فى بلد شهد ثورتين ولم يهتز أركانه. · لا يمكن الحديث معك دون التطرق لعصر مبارك بسلبياته وإيجابياته بوصفك شاهدًا مهما على السنوات الأخيرة من عهده؟ ** كنت أتوقع تغيير نظام مبارك سلميًا وليس بثورة تحركها أصابع خارجية, فثورة يناير بذرة جميلة جدًا لكن ثمارها كانت شديدة السوء، حيث طرحت "بلاوى سودا" نتيجة لعبث الجميع بها, الثورة ضد مبارك لا أعتقد أنها "ثورة" بل هى انتفاضة قوية تدخل فيها آخرون لإحراز مكاسب سياسية, بل إننى لا أجد حرجا فى التأكيد على أن مبارك نفسه كان من أهم أسباب نجاح هذه الثورة. · كيف يكون مبارك سبب نجاح الثورة التى اشتعلت ضده؟ ** كان فى منتهى الحكمة فى أثناء تعامله مع ثورة يناير، وما كانت لتنجح لولا مبارك, اللواء محمد نجيب، قائد الحرس الجمهوري، سأل الرئيس ماذا سيكون الموقف لو الثوار اقتحموا القصر الجمهورى ماذا نفعل؟ قال له "لو اقتحموا غرفة نومى وضربونى بالرصاص سيبهم يعملوا كده", بالرغم أنه كان يستطيع أن يكرر ما فعله السادات سنة 1971 وقت أن كانت الدولة كلها ضده وكان معه الفريق الليثى ناصف، قائد الحرس، وقبض على كل رؤوس المؤامرة، وثورة 15 مايو التى ظل يمدد فيها السادات كانت من الممكن أن تنتهى بعزل السادات واعتقاله لولا تدخل اللواء الليثي. ·كأن هناك فارقًا جوهريًا بين ثورتى التصحيح والخامس والعشرين من يناير؟ ** الفارق الجوهرى بينهما أن مبارك لم يسمع طوال 18 يومًا كلمة أن مؤسسات الدولة مع الشرعية، على عكس موقف الليثى ناصف، وغير أن هناك فوارق أخرى أيام السادات كان الشعب "ناصريًا" والوزراء "ناصريين" وكان الطاقم كله "ناصريًا", ومع هذا كان دعم الفريق ناصف مؤثرًا فى المشهد، غير أن ما يحمد لمبارك قوله "لا تضربوا المتظاهرين بالرصاص حقنا للدماء", هو ما يعد دليلا على ثقته فى المصريين، وللأسف ثقته لم تكن فى محلها. · لماذا لم تكن ثقة مبارك فى محلها؟ ** سأنقل لك سرًا حصريًا ويتمثل فى أن عائلة مبارك بأكملها "زوجته ونجليه جمال وعلاء وأحفاده كانوا فى لندن فى زيارة خاصة خلال جمعة الغضب، وطالبهم مبارك بالعودة لمصر واستجابوا لطلبه, وبقوا بالقاهرة حتى تم توفير طائرة لهم للذهاب إلى شرم الشيخ بعد 11 فبراير، بل إن مبارك كان ثابتًا رابط الجأش طوال 18 يومًا حتى ذهابه إلى شرم الشيخ، على الرغم من أنه كان باستطاعته أن يفعل مثلما فعل "بن علي" وأن يستقل طائرة خاصة، فهذا يدل على أنه رجل وطني. · كيف تصفه بالوطنى مع كل الانتقادات التى توجه لنظام حكمه؟ ** الرجل المحارب الحياة عنده رخيصة، ولا يعبأ بها كثيرًا وهذا يختلف مع الرجل الموظف الذى لم يغادر مكتبه، هنا الحياة تبدو غالية مثل "بن علي"، فالفرق فى أن يكون عسكريًا, فالرئيس المحارب يختلف عن الرئيس الموظف, والأخطاء التى تتحدث عنها والانتقادات تبقى محصورة فى الساحة الداخلية. * مادمت تتحدث عن الأخطاء التى ارتكبها مبارك فهل تحدثنا عن الخطأ الأبرز الذى وقع فيه وكان سببًا فى سقوط نظامه؟ *كان هناك عدة صراعات أجنحة داخل النظام ومجلس الوزراء والمؤسسة العسكرية والمخابرات العامة ورجال الأعمال والحزب الوطني، فمثلا داخل مجلس الوزراء كان هناك تيار يقوده فريق جمال مبارك يسعى بقوة لخصخصة البنوك وبيع أراضى الدولة، وتقديم تسهيلات للمستثمرين وبين ما يطلق عليه الحرس القديم أو" الدولجية"، وكان يمثله المشير طنطاوى والفريق شفيق واللواء سيد مشعل وفايزة أبو النجا، وهى خلافات كانت لتحقيق مصالح شخصية أو لدوافع وطنية أو لحجز مكان أو تأمين الحظوة لدى القادم الجديد سواء اللواء عمر سليمان أو جمال مبارك، وعدم تدخل مبارك لحسم هذه الصراعات أدى لسقوط النظام فى النهاية، هذا بالإضافة لتجاهل مبارك للشباب بشكل جعلهم صيدًا سهلا لمجموعات لا تضع مصلحة الوطن فى الحسبان. * كأن مبارك كان عاجزًا تمامًا عن لجم هذا الصراع أو التقليل من تداعياته الكارثية؟ ** لقد تدخل مبارك كثيرًا للجم هذا الصراع، ولكنه زهد فى الحكم كثيرًا بعد وفاة حفيده، حيث حزن بشدة على هذا الأمر بشكل أثار انتباه كثير من المقربين منه. *هل لك أن تضرب لنا مثالاً على تدخل مبارك للجم هذا الصراع؟ ** رغم أن مبارك كان قد تجاوز 83 عامًا، إلا أنه تدخل فى هذا الصراع لصالح الحرس القديم فى كثير من المرات، حيث كانت الحكومة تنوى بيع أراضٍ لوزير الإسكان أحمد المغربى فى ميدان التحرير، إلا أن تدخل مبارك قلب الأمر إلى تخصيص مع احتفاظ الدولة بالملكية، وتكرر الأمر مع فندق "كتراكت" بأسوان، وبل أثبت فى أحيان كثيرة قدرته على لجم هذا الصراع، غير أن هذا الأمر بدا يتكرر كثيرًا خصوصا بعد وفاة حفيده وزهده فى الحكم. · من المؤكد أنه خلال فترة رئاستك لتحرير الجمهورية وقربك من دوائر صنع القرار قد جمعتك بمبارك مواقف ثنائية لا تنسى؟ ** بالفعل وخلال الحرب بين إسرائيل وحزب الله، حيث تصاعدت حدة الانتقادات السورية وما يطلقون عليه محور الممانعة ضد مصر ودورها، وقد حاولت الرد على هذه الانتقادات عبر مقال نشر على صفحة كاملة بجريدة الجمهورية بعنوان "منشار العرب"، فى إشارة إلى الرئيس السورى بشار الأسد، وقد توقعت ثناءً رسميًا من مبارك على المقال، غير أن ما جرى كان على غير هذا النحو. ·ماذا حدث إذن خارج سياق توقعاتك؟ ** خلال وجودى داخل "الجمهورية" أبلغونى أن الرئيس على التليفون، وكنت أتوقع ثناءً منه على مقالى الذى انتقدت فيه الأسد بشدة، لكنه بادرنى قائلا: "كل ما كتبته عن بشار لن أتحدث معك فيه، لكن لا تقترب من الجيش السوري، لأنه كان شريكنا فى المعركة" يقصد "أكتوبر"، ولكنى قلت له, إن بشار خارج من الجيش السوري، فقال لى نصا: "لا ده كان متركب عليه" أى دخيل على الجيش، وهذا يؤكد وجود قناعة لدى مبارك بصعوبة، بل واستحالة أن يقبل بجمال مبارك رئيسًا للجمهورية. ·هل توقفت هذه الرسالة عند هذا الحد؟ ** مبارك كان لديه اعتقاد بأن الجيش السوري، هو جزء من الجيش المصرى أو مكمل له، بل إن الجيش الأول الميدانى المتواجد فى سوريا والثانى والثالث والمنطقة المركزية فى مصر باعتبار أن عدونا واحد ولا يتغير حسب عقيدة العسكريين بعيدًا عن خلافات الساسة. · مادمنا نتحدث عن مبارك فلا بد أن نعرج إلى تصريحات الرئيس السيسى وتأكيده أن حكم مبارك ليس أفضل من حكمه؟ ** لا أحب عقد المقارنات، ولكن حكم السيسى جاء فى فترة شديدة الصعوبة، فالأخير مطالب باتخاذ قرارات متتالية وصعبة ولا تتفق مع إمكانيات الشعب المصري، وقناعتى أنه يبذل جهودًا من أجل مصر، ولكن هناك فارقًا بين عصرى مبارك والسيسي، فالأول كان يعمل معه "معلمين" استطاعوا أن يسوقوا نظامًا عجوزًا وهو يتكأ على عصا.. أما الإعلاميون ورموز النظام الحالى فأخفقوا إخفاقًا تامًا فى تسويق نظام يبدو شابًا وصاحب أطروحات حديثة، لذا فالانطباع عن مبارك كان أفضل كون من أحاطوا به كانوا محترفين بعكس الهواة المحيطين بالسيسي. ·هل توضح لنا الأمر أكثر؟ ** سأضرب لك أمثلة ممن يعتبرهم قطاع من الرأى العام أسوأ رموز لعهد مبارك، فهل فى العصر الحالى أحد مثل صفوت الشريف وفتحى سرور ومفيد شهاب، بل قد يصل الأمر إلى أن الرئيس يفتقد شخصا بحجم أحمد عز، وأذكر فى هذا السياق، قرارًا اتخذه مبارك عام 2007 تقريبا عندما قرار رفع أسعار المحروقات، حيث أقر فى اليوم السابق أكبر علاوة فى تاريخ مصر 30 %، وبعدها بيوم أقر زيادة الأسعار، وهو ما تقبله الشعب بشكل أو بآخر، فى حين أن المقربين من السيسى لم يستطيعوا تسويقه أبدًا حتى خلال اللحظات التى تمتع فيها بدعم شعبي. · ولكن قد يرد عليك أنصار الرئيس بأن هناك نجاحات ومشروعات عملاقة حدثت خلال العامين الماضين بشكل غير مسبوق؟ ** رغم قناعتى بمشاريع الرئيس، إلا أنى أعتقد أنها لا تدفع مصر للتقدم، بل أرى أن التعليم يبقى قاطرة التقدم الأولى، فهو القادر على إحداث نقلة نوعية، وجذب المستثمرين، وتخريج عمالة مدربة وكوادر ماهرة، ولكن من المؤسف أن هذه ليست قناعة النظام، فهو يرى أن الأمن هو الأهم من تعليم أبناء الشعب، بل إنه يرى التعليم بلا جدوى فى بلد ضائع. · حديثك يشعرنا أنك تغمز فى قناة قرار تعويم الجنيه الذى اتخذه السيسى خلال الفترة الأخيرة؟ ** قرار التعويم الغرض منه نظريًا جيدًا لكنه اتخذ فى توقيت بالغ السوء، فمثلا لقد اتخذ النظام السابق قرارًا بشبه تعويم للجنيه، لكنه اختار الوقت المناسب، حيث كانت هناك انتعاشة اقتصادية عبر حجم كبير من الصادرات الزراعية وعشرات الملايين من السياح يزورون مصر، بل أسهم خفض سعر الجنيه فى إقبال السياح على الزيارة، ولكن الآن قرار التعويم له تداعيات كارثية، حيث لا توجد صادرات ولا سياحة ولا موارد، ومن ثم فإن الشعب والطبقات المحدودة هى من غرقت بفضل التعويم. * الإخفاقات المتتالية على الصعيدين السياسى والاقتصادى هل ستدفع الشعب لتكرار سيناريو 25 مجددًا؟ * لا.. الشعب لن يقوم بثورة جديدة كونه عانى الأمرين من يناير، لكن إذا تجاوزت الأمور الخط الأحمر قد يقوم بانتفاضة قوية, ولم تتوافر لها عوامل القيام حتى الآن، وقد تتوافر مستقبلاً إذا عجز النظام عن تلبية احتياجات المصريين من مأكل ومشرب، وهو أمر أعتقد أن النظام لن يفرط فيه، رغم وجود الصعوبات، فهو يدرك الخطوط الحمراء، ولن يستطيع تجاوزها، ومع هذا لدى يقين أن الأشهر العشرة الأولى من عام 2017 ستكون صعبة جدًا على الشعب، ولكن مع بداية أكتوبر، قد نجد شبه انفراجة، نتيجة الرشاوى الانتخابية مع اقتراب موسم الانتخابات. * خلال الفترة الأخيرة علت نبرة المصالحة بين الدولة وجماعة الإخوان وهو ما رفضته عبر قولك "لا سيادة الرئيس ستصالحهم ويقتلونك" بشكل يؤكد معارضتك لهذا النهج؟ ** شهادتى فى الإخوان مجروحة، لذا لا أحب التعليق عليهم ولا الحديث عن مصالحة مرفوضة، خصوصًا أن هذه المصالحة ستقوض شرعية النظام التى اكتسبها فقط من مواجهته مع الجماعة وإسقاط حكمها، ولا أعتقد أنه لا شرعية له إلا من هذا المنطلق. * كأنك لا ترى حلاً مع جماعة الإخوان إلا باجتثاثهم من المشهد وعدم القبول بأى دور لهم مستقبلاً؟ *بالفعل أنا ضدهم لكنى لا أفضل اجتثاثهم، غير أن دمج الإخوان فى المشهد أمر شديد الصعوبة، يتطلب تغييرًا جذريًا فى فكرهم التنظيمي، فهذا الفكر هو العائق الأكبر أمام الاندماج فى المجتمع، إلا إذا كان إسلاميًا ويطبق القواعد الشرعية، من هنا فإن الإخوان لو كانوا نجحوا فى استنساخ التجربة التركية لكانوا قد استمروا فى الحكم ولو مؤقتا. * رغم صعوبة المقارنة بين التجربتين التركية والمصرية إلا أن هذا ينكر وقوع الإخوان فى أخطاء عجلت بسقوط حكمهم؟ ** الرئيس المعزول محمد مرسى جاء فى فترة تتطلب الخبرة، كون المرحلة التى وصل فيها للسلطة انتقالية، بل إن مرسى شعر أن الوصول للرئاسة جاء تعويضا للجماعة عن سنوات القهر والعذاب، وأن 25 يناير جاءت مكافأة للجماعة، ولا بد أن تفتح لهم الطريق للحكم عبر تطبيق شعار رفعوه طوال سنوات عن تداول السلطة. · من الصعيد الداخلى ننتقل إلى الصعيد الإقليمى حيث تبقى قضية صنافير وتيران من أهم الشواغل فى ترتيب علاقات مصر الإقليمية خصوصًا مع المملكة العربية السعودية التى توترت لحد بعيد خلال الفترة الأخيرة؟ **قضية "تيران وصنا فير" إن سلكت طريقها قضائيًا فهى مصرية، والحديث عنها لا بد أن يكون قضائيًا لأنها لم تذهب لمجلس النواب، وهى لأنها محجوزة لحكم قضائى نهائي، وإذا صدر الحكم بمصريتهما فقد قطع الطريق على أى تدخل للرئيس، فلن يستطيع أن يقول إنه أمر سيادى ومجلس النواب لن يطلب الاستفتاء عليها، وحال حدوث هذا السيناريو سنخسر السعودية للأبد، وهذا يأتى بسبب افتقاد الفريق الرئاسى للخبرة. ·هل لو توفرت الخبرة كان يمكن للحكومة تسويق قضية التنازل عن تراب وطني؟ ** لو كانت الجزيرتان سعوديتين كان هناك مليون طريقة لتسليمهما دون اللجوء لهذا الإخراج السيئ، الذى ندفع ثمن تداعياته حاليًا فى التقارب السعودى الإثيوبي، والذى توّج بزيارة مستشار ملكى لسد النهضة، وهنا أتساءل هل كان الملك عبدالله يجرؤ على تمويل سد النهضة إبان حكم مبارك، الذى كان يجلس معه صباح مساء، وهل كانت إثيوبيا تجرؤ على التعامل بهذا الصلف مع احتياجات مصرية إستراتيجية ناهيك عن إعلانها عن بناء السد أصلا. · كيف تصف إذن زيارة المستشار بالديوان الأميرى السعودى أحمد الخطيب للسد؟ ** "كيد نسا" لا تجتاحه علاقات إستراتيجية مثل علاقات "القاهرةالرياض" التى تتطلب وضوحًا ومكاشفة فى جميع الملفات. · من العلاقات الإقليمية ننتقل للصعيد الدولى فى ضوء تهليل المقربين من السيسى دون غيرهم لوصول ترامب لسدة الإدارة الأمريكية.. فهل تتوقع استمرار شهر العسل بين القاهرة وواشنطن خلال حكم ترامب؟ ** لن يستمر شهر العسل طويلاً بين ترامب والنظام، لأن ترامب سيكشف عن وجهه الحقيقي، ومصر ستصل إلى قناعة قريبًا بأن ما سيطلب منها أكثر من قدراتها، خصوصا إذا نفذ تهديده ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهنا سيقع الطلاق بينه وبين النظام. · لكن يبقى التهليل لترامب مثيرًا للجدل فى ضوء تحفظ روسيا وأوروبا والعالم عليه؟ **هذا التهليل جاء كرد فعل انتقامى على مواقف أوباما التى أزعجت النظام فى مصر، خلال حكم مبارك، وبعد وصول السيسى للسلطة.