لم تكد تمر ساعات على تبني مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وللمرة الأولى قرارا تاريخيا يقضي بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول تأثيرات المستوطنات على حقوق الفلسطينيين وحياتهم في الأراضي المحتلة بما فيها القدسالشرقية، إلا وفوجئ الجميع بتطورات مؤسفة جدا على صعيد المصالحة بين حركتي فتح وحماس. ففي 23 مارس، اتهمت حركة حماس السلطة الفلسطينية وأطرافا عربية وإسرائيلية وأمريكية بإعداد مؤامرة لخنق قطاع غزة وإعادة تشديد الحصار عليه والرهان على دفعه لتقديم تنازلات لإسرائيل والاعتراف بها. جاء ذلك خلال مسيرات حاشدة نظمتها حماس في مختلف مدن ومخيمات قطاع غزة بعنوان "مسيرات إنارة غزة وانكشاف المؤامرة". ورفع المشاركون في المسيرات شعارات ولافتات تدعو الحكومات العربية وخاصة الحكومة المصرية إلى التدخل السريع لإنقاذ القطاع من الكارثة الصحية والبيئة المنتظرة في ظل تفاقم أزمة الوقود وانقطاع الكهرباء 18 ساعة يوميا. وكشف القيادي البارز وعضو المكتب السياسي لحماس خليل الحية خلال المسيرات عن حصول حركته على محاضر اجتماعات تثبت إعداد قيادات أمريكية وعربية وإسرائيلية ومن السلطة الفلسطينية لمؤامرة ترمي إلى تشديد الحصار على غزة. وقال الحية إن هذه الأطراف تدارست واقع غزة الآمن والمستقر، ولم يعجبهم هذا الالتفاف حول حماس والمقاومة وحكومتها بغزة ولم تعجبهم صور التضامن مع غزة، فأرادوا الإيقاع بين حماس وشعبها. وتعهد بأن تكشف حماس يوما ما المؤامرة بأسماء الدول والمشاركين في إعدادها، وخاطب في هذا الصدد المتآمرين، قائلا :" انكشفت مؤامراتكم وبانت حقيقتكم يا من تتباكون على المصالحة الفلسطينية، أنتم تظنون أن حماس ضعيفة لذلك ذهبت للمصالحة، لكنكم لا تعلمون أننا في أوج قوتنا والتفات الناس حولنا". وعدد القيادي البارز في حماس عناوين للمؤامرة التي تحدث عنها والتي تنص على تشديد الحصار على حماس في غزة لإجبارها على الإقرار بالاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى قطع طرق الإمداد عن المقاومة لمنع تزويدها بالسلاح وخنق غزة بشكل كامل وواسع. واتهم الحية قيادات في حركة فتح بالمشاركة في المؤامرة، وقال إن الحركة وزعت تعميمًا داخليا في غزة تدعو فيه إلى إثارة أزمة الوقود في السيارات العمومية ومجالس العائلات وتحريض الناس على حماس. وفي السياق ذاته، تحدث عضو كتلة حماس البرلمانية مشير المصري عن المؤامرة نفسها، قائلا:" إن السلطة الفسطينية وبالوثائق التي حصلت عليها حماس متورطة مع الاحتلال في أزمتي الوقود والكهرباء". واتهم المصري الحكومة الفلسطينية برئاسة سلام فياض باستغلال الأموال المقدمة من الاتحاد الأوروبي الموجهة لشراء الأدوية والوقود لمحطة توليد الكهرباء في غزة في دفع رواتب موظفيها ومنع المساعدات عن القطاع في إجراء مقصود. ومن جانبه، دعا النائب عن حماس السلطات المصرية إلى تحمل مسئولياتها الأخلاقية والقومية تجاه القطاع وإعادة ضخ الوقود إلى غزة، بوصفها المنفذ العربي الوحيد على القطاع الذي يدافع عن شرف الأمة في كل يوم ولا يطلب من إخوانه إلا إمداده بمقومات الحياة. وذكرت قناة "الجزيرة" أن المصري حمل الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقيادات أمنية عربية المسئولية عن المعاناة بغزة عقب ما سماه مؤامرتهم ضد القطاع، التي تهدف إلى خلق أزمات ومنع حلها بالطرق الذي يرضاها المواطنون. وفي المقابل، حمل وزير الأوقاف والشئون الدينية في الحكومة الفلسطينية برام الله محمود الهباش حركة حماس مسئولية أزمة الكهرباء في القطاع، واتهمها بأنها تستغل معاناة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لمكاسبها الخاصة. وقال الهباش في خطبة "الجمعة" بمقر الرئاسة الفلسطينية بحضور عباس وسلام فياض وقيادات أخرى إن حماس تجبي أثمان الكهرباء من المواطنين ولا تحولها إلى السلطة، في الوقت التي تقوم السلطة بدفع ثمنها إلى إسرائيل ومصر. ويبدو أن الحرب الكلامية السابقة لن تنتهي قريبا، حيث أنه رغم إدخال إسرائيل عبر معبر كرم أبوسالم 450 ألف لتر من السولار لمحطة توليد الكهرباء الوحيدة التي توقفت قبل نحو شهر في غزة، إلا أن هذه الكمية التي قالت مصر إنها جاءت بتنسيق مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية لا تكفي إلا ليوم عمل واحد في المحطة. ورغم أن حرب الاتهامات بين حركتي فتح وحماس ليست جديدة، ولكن الجديد هذه المرة أنها تنفجر بعد أسابيع معدودة من توقيع الجانبين اتفاق الدوحة في 6 فبراير الماضي الذي يكرس المصالحة بينهما، وينص على تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة الرئيس محمود عباس. بل إن الحرب الكلامية السابقة جاءت أيضا في أعقاب إنجاز دبلوماسي كبير تحقق للقضية الفلسطينية ألا وهو تبنى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارا في 22 مارس يقضي بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق بشأن تأثيرات المستوطنات على حقوق الفلسطينيين وحياتهم في الأراضي المحتلة بما فيها القدسالشرقية، الأمر الذي من شأنه أن يعطي إسرائيل فرصة ذهبية للتغطية على هذا القرار التاريخي الهام. وكان المجلس الذي يضم 47 عضوا تبنى القرار بأغلبية 36 صوتا بينها روسيا والصين مقابل رفض الولاياتالمتحدة وحدها، في حين امتنعت عشر دول عن التصويت بينها إيطاليا وإسبانيا. ودعا قرار مجلس حقوق الإنسان إسرائيل إلى اتخاذ اجراءات جدية للتصدي لعنف المستوطنين بما في ذلك مصادرة الأسلحة وتطبيق عقوبات جنائية، وحماية المدنيين الفلسطينيين والممتلكات في الأراضي المحتلة. وأدان المجلس اعتزام إسرائيل بناء وحدات سكنية جديدة للمستوطنين في الضفة الغربيةوالقدسالشرقية، قائلا إن ذلك يقوض عملية السلام ويشكل تهديدا لحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ومتصلة الأجزاء. وأقر المجلس أربع توصيات بشأن الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة نالت أغلبية أصوات الدول الأعضاء، وتضمنت تأكيد حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. وبالنظر إلى أن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو سارع إلى وصف مجلس حقوق الإنسان بأنه "منافق" و"توجد به أغلبية جاهزة ضد إسرائيل"، فقد رجح كثيرون أن الحرب الكلامية بين فتح وحماس على خلفية أزمة الكهرباء والوقود في غزة جاءت بمثابة صدمة كبيرة للفلسطينيين لأنها خطفت الأضواء من القرار الأممي التاريخي حول الاستيطان، بل ومن شأنها أيضا أن تقدم هدية مجانية لإسرائيل لإجهاض ما تحقق من إنجازات على طريق المصالحة الفلسطينية.