قال عضو الهيئة السياسية بالائتلاف السوري المعارض نصر الحريري, إنه يجب تغيير الاستراتيجية العسكرية للثوار, لمواجهة "الاحتلال الإيراني - الروسي", وتجنب الأخطاء التي أدت إلى سقوط حلب في يد نظام بشار الأسد وحلفائه. وأضاف الحريري في تصريحات ل"الجزيرة", أن الأمر الذي يجب أن تضعه المعارضة السورية المسلحة في الحسبان هو توصيف المعركة بأنها ليست فقط صراعا مع جيش الأسد المتآكل، وإنما هي أيضا معركة مع قوى كبرى احتلالية متمثلة بإيران وروسيا، وهذا يعني ألا تكون الحرب مفتوحة بين جيشين نظرا لعدم التكافؤ وللفارق الكبير في العدد والتسليح والإمكانات. وتابع " على المعارضة المسلحة أن تقرأ ما حدث في حلب بشكل واقعي، خصوصا فيما يتعلق بحجم قوى الاحتلال التي جلبت أسطولها البحري والجوي وانتهجت أسلوب الأرض المحروقة، واستخدمت كافة أنواع الأسلحة بما فيها المحرمة دوليا". واستطرد " على المعارضة أمام هذا الواقع أن تتوحد سياسيا وعسكريا تحت راية واحدة لحشد الدعم الجماهيري المقاوم، وأن تلجأ إلى الحرب المتحركة أو ما يمكن تسميته حرب العصابات، وأن تبتعد عن احتلال المدن والتمترس بين المدنيين لتجنب سقوط ضحايا بينهم". وقال الحريري أيضا إنه يمكن لقوى المعارضة أن تستهدف خطوط إمداد النظام وشخصياته المهمة أو قطاعات عسكرية بعينها، وذلك من خلال استغلال الريف المفتوح, على عكس المدن. وتضم الميليشيات الطائفية التي تقاتل إلى جانب قوات النظام السوري وحلفائه الروس خليطا من لبنانوالعراق وإيران والبحرين واليمن، وحتى من أفغانستان وباكستان. وتشير تقديرات إلى أن نظام الأسد يستعين بأكثر من ستين ميليشيا جاءوا من دول عدة، أبرزها ميليشيات حزب الله اللبناني، إضافة إلى لواء ذو الفقار وكتائب أبو الفضل العباس وحركة النجباء -التي حضرت في المشهد الحلبي أخيرا- وعصائب أهل الحق وفيلق بدر، وجميعها من العراق, فضلا عن ميليشيا فاطميون الأفغانية وزينبيون الباكستانية. وتخضع هذه الميليشيات بأسمائها المختلفة لقيادة إيرانية تتمثل في قوات من الحرس الثوري وأخرى مما يسمّى الباسيج. وهذه الميليشيات هي التي تقاتل على الأرض، وتدفع بالآلاف من المسلحين إلى قلب حلب منذ بدء المعارك هناك. وفي ظل اتفاق روسي تركي بعد المأساة التي حلت بأحياء حلب المحاصَرة، أخرج مدنيون من هناك ليواجهوا رصاصا حيا من قبل ميليشيا حزب الله اللبناني وحركة النجباء العراقية، وتم اعتراض الطريق الوحيد لخروجهم عند معبر الراموسة. وتعيش حلب وضعا مأساويا وكارثيا يعيد إلى الأذهان ما حدث في مدينتي سراييفو (البوسنة والهرسك) وجروزني (الشيشان) اللتين عاشتا ويلات الحصار والتدمير الوحشي ما خلف مقتل وتشريد مئات الآلاف. وتشير مختلف التقارير الدولية إلى أن ما حصل بالمدن الثلاث يرقى لمستوى الإبادة الجماعية. ومنذ سيطرة الجيش السوري الحر منتصف يوليو 2012 على 70% من حلب، تعرضت الأحياء الشرقية من المدينة لقصف جوي ومدفعي استمر بين عامي 2012 و2014، واستعملت قوات النظام السوري بداية 2014 البراميل المتفجرة، ما دفع حينها نصف مليون من سكانها إلى النزوح. وبعد التدخل العسكري الروسي في سوريا مطلع سبتمبر2015 , تعرضت حلب لحملة عسكرية كبيرة، وإثر سيطرة قوات النظام في يوليو 2016 على طريق الكاستيلو، أصبحت حلب أكثر المناطق المحاصرة من حيث كثافة السكان في مساحة لا تتجاوز الثلاثين كيلومترا مربعا. واشتد الحصار والقصف الجوي العنيف على مدينة "الشهباء" مع تقدم قوات النظام مدعومة بالطائرات الروسية في ديسمبر 2016 في مناطق جديدة شرقي حلب، مما قلص مناطق سيطرة المعارضة إلى جزء صغير من المدينة، وذلك بعد اشتباكات استمرت لأشهر. ووقعت الأحياء المتبقية في يد الفصائل السورية المسلحة، تحت حصار محكم ووابل من الغارات الجوية السورية الروسية وقصف مدفعي بالصواريخ الفراغية والقنابل العنقودية، في حملة شرسة تخللتها مجازر وإعدامات ميدانية بحق المدنيين، وفق مصادر حقوقية. وحسب "الجزيرة", تجمع مختلف التقارير والشهادات على أن حلب تعرضت للإبادة ، وهو ما أشارت إليه أيضا مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، إذ قالت إن حلب تتحول إلى أنقاض، ويفر منها المدنيون أو يموتون تحت جدران منازلهم جراء القصف الجوي المتواصل. وكتب مارك غالوتي أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قصف حلب بالوحشية نفسها التي اتبعها في قصف جروزني. ورأى الكاتب الأمريكي أنه لا فرق بين الإستراتيجية العسكرية الروسية في سوريا وما اعتمدته في جروزني ف "من الحكمة أن يدرس الإنسان الأساليب الخرقاء التي استخدمها بوتين خلال أول حرب يخوضها كرئيس هيئة أركان، وهي الحرب الشيشانية الدموية (19992000), وأكد أن "حربيْ الشيشان وسوريا تدللان على نهج بوتين الوحشي في القتال". وبينما أكد الأمين العام ل الأممالمتحدة بان كي مون أن منظمته تلقت "تقارير فظيعة" عن معاناة المدنيين في حلب، اعتبرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أن حلب تعد بمثابة سراييفو جديدة . وكانت جروزني عاصمة الجمهورية الشيشانية تعرضت للدمار خلال حربيْ الشيشان بين روسيا وبين المقاتلين الشيشان، الأولى بين عامي 1994 و1996، والثانية بين عامي 1999 و2000 . واستخدم الجيش الروسي حينها ترسانته العسكرية، وألحق دمارا هائلا بجروزني التي تحولت إلى مدينة أشباح, مخلفا مئات الآلاف من القتلى والجرحى. كما قامت قوات صرب البوسنة بحصار سراييفو من إبريل 1992 إلى نوفمبر 1995، ما أسفر عن سقوط أكثر من عشرة آلاف قتيل بينهم أكثر ألف وستمائة طفل, كما ارتكب صرب البوسنة أيضا مجزرة سربرينيتشا التي حصدت ثمانية آلاف رجل وشاب مسلم في يوليو 1995، ووصفها القضاء الدولي بأنها إبادة.