تتعارض التصريحات التي يدلي بها المسئولون الحكوميون حول طبيعة عمل منظمات المجتمع المدني، والواقع الذي تعيشه تلك المنظمات، ما دفع إلى انتكاسة محلية للجمعيات العاملة في حقوق الإنسان. أخر تلك التصريحات، ما أكده وزير الخارجية، سامح شكري خلال لقائه، أمس الجمعة، السيناتور أورين هاتش، الرئيس المناوب لمجلس الشيوخ الأمريكي. ووقتها شدد "شكري" خلال الاجتماع علي التزام مصر الكامل بدعم جهود المجتمع المدنى وتشجيعه على أدائه دوره التنموي الداعم لبرامج الحكومة، مؤكدًا أهمية إدراك الظروف المحيطة بعمل المنظمات غير الحكومية خلال السنوات الماضية. تصريحات شكري، أكدتها تصريحات سابقة للرئيس عبدالفتاح السيسي في سبتمبر الماضي، حين قال إن منظمات المجتمع المدني تساهم في تنمية المجتمع وحل الكثير من المشكلات. وآنذاك أكد السيسي خلال حوار مع شبكة "بي بي إس" الأمريكية: "نحن ملتزمون بحقوق الإنسان، ولكننا يجب أن نحافظ على الدولة مستقرة، لأنه في عدم وجود الاستقرار سيكون هناك انتهاكًا لحقوق الإنسان". وتابع "لدينا برلمان ينظم عمل منظمات المجتمع المدنى بطريقة محترمة، ولسنا ضد منظمات المجتمع المدنى، ولسنا ضد دورها، ولدينا آلاف من المنظمات تعمل داخل مصر، تقدم الخدمات الجليلة للمجتمع، لكننا نحتاج إلى تنظيم العمل بطريقة جيدة". يذبح منظمات وعلى الجانب الآخر، وافق البرلمان، مطلع أول أمس الخميس، علي قانون ينظم عمل منظمات المجتمع المدني ويعطي الأجهزة الأمنية صلاحيات واسعة في مراقبة وقمع تمويل وأنشطة المنظمات غير الحكومية وجماعات حقوق الإنسان، وينتظر موافقة رئيس الجمهورية وإعلانه في الجريدة الرسمية كإجراء شكلي. وتلاحق القانون اتهامات بأنه الأسوأ في مجال الحريات ويعد مذبحة لجماعات حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية، وينهي عملها بشكل كبير. وقانون الجمعيات الأهلية هو قانون تصل العقوبة بموجبه إلى خمس سنوات سجنًا وغرامات باهظة تصل إلى مليون جنيه. ووفقا للقانون، يتعين على المنظمات الحصول على تصريح من الدولة لتلقي التمويل الأجنبي أو التبرعات المحلية لأكثر من 10 آلاف جنيه استرليني أو حتى نقل مقر المنظمة لمكان جديد أو إجراء البحوث والدراسات الاستقصائية. وتحصل المنظمات فقط على تصاريح العمل من هيئة الرقابة التي تم إنشاؤها حديثا وتتكون من عدة وكالات حكومية، وأجهزة أمنية مثل وكالة الاستخبارات، ووزارتي الدفاع والداخلية. كما انه وبموجب القانون الجديد تجد الجماعات الحقوقية ضد انتهاكات الشرطة والدفاع عن حرية التعبير نفسها مضطرة للحصول على تراخيصها من الأجهزة الأمنية ذاتها التي يدينون بشكل روتيني ممارساتها. ويضع القانون رقابة شديدة على ما يقدر ب 50 ألف منظمة غير الحكومية، بالإضافة إلي أنه يمنع أي أنشطة التي تسبب المساس بالوحدة الوطنية والنظام العام". ووصفت منظمة العفو الدولية القانون بأنه "أمر بالموت" لجماعات حقوق الإنسان، وحثت "السيسي" على عدم المصادقة عليه. وقالت المنظمة في بيان لها" هذا المشروع ربما أسوأ القيود على الحريات الأساسية في مصر منذ ثورة 2011 .. ويهدف إلى تدمير المؤسسات المدنية من جذورها". وفي ذات الصدد أكد "هيومن رايتس ووتش" في بيان أن القانون سيحظر ما تبقى من جماعات المجتمع المدني المستقلة، وأن القانون سيدمر المجتمع المدني في البلاد لأجيال وسيحوله إلى ألعوبة في يد الحكومة". تضييق واسع تحقق السلطات المصرية مع عشرات الجماعات الحقوقية المستقلة بمزاعم تلقيها تمويلاً أجنبيًا بطريقة غير مشروعة، وهي جريمة بموجب المادة 78 من قانون العقوبات، لتصير العقوبة المحتملة لذلك السجن لمدة 25 عامًا. ومن جانبها تشن وسائل الإعلام الرسمية حملة منسقة ضد المنظمات المذكورة تتهمها بمحاولة عدم الاستقرار والعمل ك "طابور خامس" للدول الغربية لتنفيذ أجندات خارجية. وداهمت قوات الأمن 17 مكتبًا لمنظمات غير الحكومية وأحالت 43 شخصًا، بما في ذلك مواطنين أمريكيين، إلى المحاكمة بتهمة مخالفة القوانين التي تحكم المنظمات. كما استهدفت قوات الأمن سلسلة من كبار الناشطين في المجال الحقوقي وجمدت أموالهم، ومنعتهم من السفر ، يخضع بعضهم للتحقيقات الجنائية، وإذا ثبتت ضدهم الاتهامات، فإنهم يواجهون أحكامًا قد تصل إلى السجن مدى الحياة. وفي سبتمبر الماضي جمدت محكمة جنايات القاهرة أصول 3 مجموعات و5 حقوقيين ، كما منعت السلطات أكثر من 12 حقوقيًا من السفر. وفي نوفمبر الماضي منعت سلطات مطار القاهرة الدولي 3 حقوقيين من السفر، وهم: المحامي أحمد راغب، والناشطة عزة سليمان، التي تم منعها من السفر إلي الأردن بناءً على قرار من قاضى تحقيق بإحدى القضايا المعروفة إعلاميًا بقضية "التمويل الأجنبي". كما تم منع الدكتورة عايدة سيف الدولة، مدير مركز النديم لرعاية ضحايا العنف، من السفر إلى تونس لحضور مؤتمر للمنظمات العاملة على تأهيل ضحايا العنف. وكان البنك المركزي، قد قام بتجمد أموال مركز النديم، بدعوى عدم خضوعه لقانون الجمعيات الأهلية رقم 84 سنة 2002م، إلا أن المركز قدم أوراقًا تفيد بأنه لا يخضع لوزارة التضامن الاجتماعي، وتم رفع التجميد عن حسابه في 16 نوفمبر الماضي. وأيضا تم منع ناصر أمين عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان ورئيس المركز العربى، لاستقلال القضاة والمحاماة، من السفر إلى بيروت للمشاركة فى مؤتمر حقوقى. كما تم منع الناشطة الحقوقية مزن حسن، مديرة مركز "نظرة" للدراسات النسوية، من السفر خارج البلاد،وهي في طريقها إلى العاصمة اللبنانية بيروت لحضور أحد المؤتمرات، وما زالت على قائمة الممنوعات من السفر. إدانات متكررة أدان عدد من المنظمات، ما يعاني منه منظمات المجتمع المدني في مصر، مطالبة بوقف ما أسمته الاضطهاد الذي يطال المجتمع المدني مشيرة الي ان هناك تنكيل واستهداف لمنظمات حقوق الإنسان والعاملين بها، بقرارات مفاجئة وغير مسببة، سواءً بالتحفظ على أموالهم أو منعهم من السفر . وقالت المنظمات، في بيان سابق لها، إن تلك الإجراءات "استمرار لخطة الدولة في القضاء على الحركة الحقوقية والنسوية المصرية، التي يعود تاريخها لمنتصف ثمانينيات القرن الماضي، بعدما استطاعت أن تتحدى كل فترات القمع وخاضت كافة المعارك لتوسيع مساحات عملها". وشددت المنظمات، على أن ما يقوم به النظام الحالي يهدف إلى القضاء الكامل عليها وليس فقط تحجيم نشاطها أو التضييق من مساحتها. وقالت المنظمات: إن "مثل هذه الممارسات والقوانين تحيل نصوص هذا الدستور إلى حبر على ورق، إذ تستمر الدولة في التعامل مع منظمات المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان باعتبارهم أعداء، وتعاقبهم على نضالهم المستمر من أجل حقوق المواطنين".