موجة من الجدل صاحبت الحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية العليا اليوم، بإبطال مادة بقانون التظاهر تمنح وزير الداخلية سلطة منع المظاهرة أو تغيير مسارها، لكنها أبقت على العقوبات المقررة بالقانون المثير للجدل كما هي، وفق مصادر قضائية وقانونية. وتمحور الجدل خصوصًا حول مصير المعتقلين بتهمة خرق قانون التظاهر؛ فالبعض يرى ضرورة الإفراج الفوري عنهم، بل وتعويضهم عن مدة الحبس، وآخرون قالوا إن الحكم كالعدم ولا جديد يذكر بشأن وضع المحبوسين. وألغى الحكم المادة العاشرة التي تنص على أنه "يجوز لوزير الداخلية أو مدير الأمن المختص في حالة حصول جهات الأمن - وقبل الميعاد المحدد لبدء الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة - على معلومات جدية أو دلائل عن وجود ما يهدد الأمن والسلم، أن يصدر قرارًا مسببًا بمنع الاجتماع أو الموكب أو التظاهرة أو إرجائها أو نقلها إلي مكان آخر أو تغيير مسارها على أن يبلغ مقدمي الإخطار بذلك قبل الميعاد المحدد بأربع وعشرين ساعة على الأقل". كما قضت المحكمة برفض الطعن المطالب بإلغاء المادتين 7 و19 الخاصتين ببعض الجرائم المحظور ارتكابها خلال المظاهرات والعقوبات المقررة في القانون والتي تراوحت مابين السجن والغرامة. وحول حيثيات الحكم الصادر اليوم، أوضحت المحكمة الدستورية في بيان إعلامي حصلت الأناضول على نسخة منه، إن إلغاءها مادة سلطة وزير الداخلية يرجع إلى أن "الدستور حرص (..) على الحق في الاجتماع والتظاهر السلمي". وأوضحت أنه "إذا اكتملت للإخطار متطلباته واستوفى شرائطه قانونًا (المادة 8) (...) لا يسوغ من بعد لجهة الإدارة إعاقة انسياب آثار الإخطار (..) فالضبط الإداري لا يجوز أن يُتخذ تكئة للعصف بالحقوق الدستورية". وحول رفض طعن الجرائم والعقوبات، أشارت المحكمة، إلى أنها أقامت حكمها استنادًا إلى أن الجريمة المقررة فى المادة السابعة هى جريمة عمدية، ولا يسأل عن الجريمة سوى من قارفها بالفعل، مشيرة إلي أن العقوبات في المادة 19 "عقوبات تتناسب مع خطورة وفداحة الإثم المجرّم فى المادة السابعة دون غلوّ أو تفريط". محمد العمدة، البرلماني السابق طالب بضرورة الإفراج الفوري عن المعتقلين، قائلاً: "قانون التظاهر بعد القضاء بعدم دستورية منح الجهة الأمنية صلاحية رفض التظاهرة يجب الإفراج فورا عن المعتقلين لأن قضاياهم التظاهر بدون ترخيص". ورأى الدكتور أحمد دراج، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن حكم المحكمة الدستورية اليوم بعدم دستورية المادة 10 من قانون التظاهر تؤكد أن الشباب الذي حكم عليه بالسجن على ذمة هذا القانون "مظاليم". وأضاف: "النظام يعمل ضد الدستور ويجب إخلاء سبيلهم فورًا وتعويضهم عن السجن ظلمًا وعدوانًا". فيما كان للمحامي عزت غنيم رأي مختلف، إذ قال إن "حكم الدستورية حول عدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 10 من قانون التظاهر لا جديد فيه"، مضيفًا: "إن من أصدر القانون هو من حكم فيه". وأوضح غنيم ل"المصريون"، أن "الحكم لا قيمة له واقعيًا ولن يكون له أي تأثير عملي، إذ أن الحكم صدر بخصوص عدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 10 من قانون التظاهر، وهي تختص برفض الوزير الإخطار فقط ولا تتعلق بأي نص عقابي". ووافقه الرأي، الخبير القانوني عمرو عبدالسلام، الذي قال إن "حكم الدستورية بإلغاء المادة العاشرة من قانون التظاهر كحكم العدم لأنه اقر بدستورية باقي مواد القانون وما تضمنه من عقوبات مغلظة لاتتناسب مع الفعل المجرم". وأضاف ل"المصريون": "الدستورية شرعنت قانون التظاهر وأعطته قبله المشروعية، وبناء عليه سيظل من حكم عليه بالحبس قابعًا في سجنه ليمضي مدته ويظل القانون سيفًا مسلطًا على رقاب كل من ينتوي في المستقبل أن يتظاهر". وحول أثر الحكم اليوم، قال طارق العوضي أحد مقدمي الطعون على قانون تنظيم التظاهر، إن " حكم الدستورية اليوم نهائي ويجعل القانون دستوريا باستثناء مادة سيعدلها البرلمان ولن يكون لها آثر على المحبوسين بسببه". وحكم الدستورية اليوم، خالف توصية هيئة مفوضي المحكمة الدستورية (هيئة قضائية رأيها استشاري)، الصادرة في سبتمبر الماضي، بتأييد المادتين 8 و10 من القانون وعدم دستورية المادتين 7 و19. وقدمت الدعاوى القضائية من محامين أبرزهم خالد علي وطارق العوضي، وعصام الإسلامبولي في يونيو 2014، إلى محكمة القضاء الإداري، التي أحالتها للمحكمة الدستورية بحق الاختصاص وطلب الطاعنين، ونظرت الأخيرة أولى جلساتها في نوفمبر الماضي، قبل أن تصدر حكمها السابق اليوم. وقانون التظاهر، الذي تم إقراره في نوفمبر 2013، لاقى انتقادات من جانب حقوقيين ومعارضين، فيما تحدثت السلطات المصرية أكثر من مرة عن نيتها لإجراء تعديلات برلمانية عليه لتلافي الملاحظات التي تقدم بها حقوقيون بينهم المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي) بخصوص اشتراطات التظاهر وأبرزها الموافقة الأمنية وعقوبة السجن للمخالفين.