على الرغم من الخلاف السياسي الحاد الذي أعقب أحداث 30 يونيو ، فإن الآثار الفكرية و النفسية التي أفرزتها و التي ما زالت تواصل فعلها حتى الآن سيكون لها نتائج إيجابية في إعادة صياغة و تشكيل العقل العربي و الإسلامي الذي ظل يعاني طوال القرنين الأخيرين من جدل و معارك وهمية حول سؤال الهوية بين تياري ما يسمى بالقديم و الجديد و الذي لم يكن له أي أثر علمي أو حضاري سوى مزيد من التخلف و التراجع أمام الثورة التكنولوجية و العلمية الهائلة التي شهدتها المجتمعات الغربية و العالم بشكل عام .نستطيع الآن أن نتوقف أمام المنجز الفكري والثقافي خلال القرنين المنصرمين .. لنفاجأ بأننا أمام ركام من الأفكار البالية التي ما كان ينبغي أن تطرح بهذا الشكل الثنائي (إما .. أو ) والتي لم تكن تدور إلا حول قضايا شكلية بعيدة عن المنهج العلمي الحقيقي لبحث قضية التخلف و التراجع الحضاري العربي. لقد جرنا التياران المتصارعان .. تيار التجديد (أحمد لطفي السيد – طه حسين - سلامة موسى – قاسم أمين وغيرهم ) وتيار القديم أو المحافظين (رشيد رضا- مصطفى صادق الرافعي- حسن البنا –سيد قطب.. وغيرهم ) .. جرنا هذان التياران إلى معارك سطحية و شكلية دون وجود مشروع واضح لدى كلا الفريفين. فتيار المجددين اختصر قضية الحرية و التنوير في حرية المرأة و(معاداة التراث) و تيار المحافظين خاض (المعركة) دفاعا عن ذلك التراث .. و كلاهما ابتعد عن جوهر الأزمة الحضارية الذي كانت تعانيه الأمة و الذي كان سببه سيطرة فكر الخرافة و تقييد العقل و الابتعاد عن المنهج العلمي الحقيقي. لقد كان صراعهم هذا يشبه الصراع القديم بين الفقهاء و المحدثين و صراع الفرق الإسلامية حول قضايا نظرية مثل خلق القرآن و الأسماء و الصفات .. وهي قضايا أدت إلى انقسام و تمزق الأمة على مدى قرون حتى صارت فقاعات (وغثاء كغثاء السيل) وسط عالم لا يعترف إلا بالقوة . و قد شعر الإمام الشافعي رحمه الله بعبثية هذا المشهد البائس فأطلق قولته المشهورة متحسرا : إن المسلمين ضيعوا ثلث العلم و كان يعني الطب . إن سؤال الهوية الذي طرح منذ قرنين بطريقة خاطئة من خلال ما يسمى بتيار التنوير .. و الإجابات المقابلة لتيار المحافظين كان استنزافا حقيقيا للجهد و العقل و الوقت.. و المحصلة النهائية هي تلك المعادلات الصفرية و المعارك العبثية .. ثم الهزيمة الحضارية . لذلك فإنني لا أبالغ إذا قلت بأن 30 يونيو تسدل الستار على صراع قرنين من الزمان حول سؤال الهوية ... فقضيتنا الكبرى ليست في الحجاب و ملابس المرأة .. و هي القضية ما زال تيار التغريب يتبناها لإلهاء الأمة عن القضايا الكبرى .. مثل المنهج العقلي و المعرفي و التنمية و العدالة .إن شروط التقدم التقني و الحضاري لا علاقة لها بملابس المرأة و لا بما يطرحه الليبراليون المزيفون .. كما أنها لا علاقة لها باللحية و النقاب كما يحاول أن يقنعنا الإسلاميون المزيفون . القضية باختصار أن هناك أمة ينبغي أن تعلو على جدل الفقهاء و الطائفيين و المذهبيين و أدعياء الثقافة ..و أن تنحي ذلك الخلاف جانبا و إلا فإن مصيرنا هو مصير سوريا و العراق !