الحالة الانتخابية المصرية الآن حالة استثنائية، وأتصور أنها غير مسبوقة فى أى منظومة سياسية أخرى، فالكتل السياسية الكبرى فى البلاد تقف عاجزة عن تحديد مرشح لها فى أهم منصِب سياسى تنفيذى، منصب رئيس الجمهورية، فحزب الحرية والعدالة وحزب النور اللذان يمثلان ما يقرب من 70% من البرلمان ومن القوة التصويتية فى الشارع المصرى حاليًّا، يقفان كلاهما فى حيرة تامة من اختيار رئيس للجمهورية، سواء بطرح اسم من داخلهما أو بالتوافق على اسم من خارجهما، والحقيقة أنه يصعب فى أى نظام سياسى تصوُّر أن الحزبين الرئيسيين يعجزان عن حسم موقفهما من هذه القضية الخطيرة والحيوية، فإذا أضفتَ لذلك أن جميع الأحزاب المصرية التى تشكلت فى عصر مبارك والسادات عجزت هى الأخرى عن طرح مرشح بديل من داخلها، وكلها تقريبًا لجأت إلى مرشح من خارجها، فهذا يكفيك دليلاً على بؤس وعقم الحياة السياسية فى عصر مبارك، وأنها كانت حالة وهمية وافتراضية، لا ظل لها فى واقع سياسى حقيقى وجاد. والحقيقة أن التيارات الإسلامية تواجه أزمة تاريخية الآن، وليست أزمة بسيطة، ولكنى أتصور أنها فى النهاية إيجابية للوطن بكامله، فمناخ ثورة يناير فجّر طاقات التمرد عند جميع المصريين، وأصبح من الصعب أن تقود الشباب بالأمر والنهى والسمع والطاعة ، فكل مواطن الآن له رأى وتصوُّر وإرادة وإحساس عالٍ بالحقوق ورغبة فى التمرد وإثبات الذات؛ ولذلك من الممكن أن نرى شبابًا من الإسلاميين يتمرد على رموزه التاريخية أو تنظيمه السياسى والدينى، ويذهب برأيه أو موقفه السياسى بعيدًا عن اختيار المرجعية، وهذا تحديدًا ما يثير أجواءً من القلق داخل الأحزاب الإسلامية الكبيرة، وخاصة حزب "الحرية والعدالة" وحزب "النور". هناك خلاف حاد لم يعد يخفَى على أحد داخل الإخوان حول ترشح عبد المنعم أبو الفتوح ودعمه، وقيادات الجماعة حسمت أمرها برفضه غير أن سبب الرفض هو نقطة ضعف موقف الجماعة؛ لأنه ناشىء عن خلاف تنظيمى، انتهى إلى تهميشه ثم إبعاده، وهو أمر لا يقنع قواعد الجماعة وشبابها كمبرر للوقوف ضده فى انتخابات الرئاسة، خاصة أنه مرشح كرئيس للشعب المصرى، وليس كمرشد أو قيادى للجماعة، أضفْ لذلك أن أبو الفتوح يحتفظ بمسافة من الاحترام والتقدير مع اسم الجماعة وتاريخها وكوادرها، ولم يؤخذ عليه أى هجوم جارح أو انتقاص من قياداتها، وأذكر أن الأستاذ مهدى عاكف قال لى قبل حوالى أسبوعين، عندما سألته عن سبب رفض أبو الفتوح: نحن ندرك أن أبو الفتوح هو الأفضل والأكثر جدية وإخلاصًا وخلقًا، ولكنه كسر قرارات الجماعة وخرج على طاعة قيادتها، والحقيقة أن ما يضاعف أزمة موقف الجماعة مع قواعدها، أنها لا تملك "بديلاً" مقنعًا لتلك القواعد حتى الآن، ويستحيل أن تأتى بشخصية محسوبة على النظام السابق أو ليست من أبناء التيار الإسلامى لكى تدعمها فى مواجهة رجل قضى عمره بين جنبات الجماعة والتيار الإسلامى وضحى خلالها بالكثير، لمجرد أنك اختلفت معه، يصعب أن تحشد رأيًا عامًّا فى هذا الاتجاه؛ ولذلك، وعلى الرغم من موقف الجماعة الرسمى ضد أبو الفتوح، إلا أن كل الاحتمالات تظل مفتوحة لحظة التصويت، ومن الممكن أن يحصل الرجل على نسبة كبيرة للغاية من أصوات شباب الجماعة وأنصارها ويحقق المفاجأة للجميع. مشكلة غياب "البديل" تضاعف من أزمة التيار الإسلامى ومن حرجه أمام قواعده وشبابه، كما تجعل سباق الترشح غير قابل للهندسة السياسية المسبقة، بل هو معبَّأ بالمفاجآت التى يمكن أن تقلب الصورة رأسًا على عقب. [email protected]