عميدة طب بنات الأزهر في حفل تخرج الوافدين: كونوا نبراسًا للرحمة ببلادكم    سعده: خفض الفائدة يدعم الاستثمار ويخفض الأسعار خلال شهرين    «الزراعة» تطلق أول مختبر حي لاستكشاف مستقبل ابتكارات القمح    وكالة «سانا»: ثلاثة قتلى جراء انفجار داخل مسجد في حي علوي في وسط سوريا    الجيش الأوكراني: أسقطنا 73 مسيرة روسية استهدفت مناطق متفرقة في البلاد    مصر ضد جنوب أفريقيا.. تاريخ المواجهات المباشرة بين المنتخبين قبل لقاء اليوم في أمم أفريقيا 2025    سقوط المتهمين باقتحام مقهى وترويع المواطنين بالقليوبية    مراسل القاهرة الإخبارية: تفجير مسجد الإمام سبب ذعر المصلين أثناء صلاة الجمعة    وكيل الصحة بالإسماعيلية تفاجئ مستشفى الحميات    غداً.. فصل التيار عن 9 مناطق بمركز بيلا في كفر الشيخ    وزيرا الأوقاف والتعليم العالي ومفتي الجمهورية ومحافظين السابقين وقائد الجيش الثاني الميداني يؤدون صلاة الجمعة بالمسجد العباسي    إطلاق غرفة عمليات لمتابعة مشاركة المرأة في جولة الإعادة بالدوائر ال19 الملغاة    كوريا الشمالية تعلن خطة لتوسيع إنتاج الصواريخ وتعزيز قدراتها العسكرية في 2026    رئيس وزراء السودان: اللقاءات مع الجانبين المصري والتركي كانت مثمرة    تركيا: اعتقال مشتبه به ينتمي ل "داعش" كان يخطط لشن هجوم في رأس السنة الجديدة    غارات مفاجئة على لبنان.. إسرائيل تبرر وتصعيد بلا إنذار    الحكومة اليابانية تقر ميزانية دفاع قياسية بهدف ردع الصين    «تكنولوجيا وقيادة وإدارة».. «الري» تؤسس جيلا جديدا لإدارة منظومة المياه    بمشاركة 60 ألف متسابق.. وزير الرياضة يطلق إشارة البدء لماراثون زايد الخيري    اتحاد السلاح يستعين بخبير بولندي لتبادل الخبرات الفنية فى سلاح السيف    السياحة تنظم قافلة ترويجية كبرى في السوق الصيني ببكين وشنغهاي    حبس موظف 4 أيام بتهمة تصنيع الأسلحة والذخائر داخل منزله بقنا    اختل توازنه.. كواليس مصرع طفل سوداني سقط من علو بالطالبية    ضبط 5 طن دقيق مجهول المصدر وتحرير 214 محضر تمويني بالمنوفية    ضبط قضايا إتجار غير مشروع فى العملات الأجنبية بقيمة تتجاوز 3 ملايين جنيه    النقل تناشد المواطنين المشاركة لمنع ظاهرة رشق الأطفال للقطارات بالحجارة    تحسن صحة محمود حميدة وخروجه من المستشفى.. ويستعد لطرح فيلمه الجديد "الملحد" الأربعاء المقبل    بعد 25 عاما.. إنعام محمد علي تكشف أسرار اختصار مسلسل أم كلثوم في 4 سهرات    بعد مغادرته المستشفى، تفاصيل الحالة الصحية للفنان محمود حميدة    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    أنشطة وزارة الإسكان خلال الفترة من 20/12/2025 حتى 25/12/2025.. فيديو جراف    خطوات هامة لسلامة المرضى وحقوق الأطباء.. تفاصيل اجتماع اللجنة العليا للمسئولية الطبية    أسباب انتشار مشاكل الجهاز التنفسي العلوي والسفلي بين الأطفال في الشتاء    الرعاية الصحية تعلن قيد جمعية الخدمات الاجتماعية للعاملين بالهيئة رسميا بوزارة التضامن    القاهرة الإخبارية: غارات مفاجئة على لبنان.. إسرائيل تبرر وتصعيد بلا إنذار    افتتاح 3 مساجد بعد الإحلال والتجديد بسوهاج    دعاء أول جمعة في شهر رجب.. فرصة لفتح أبواب الرحمة والمغفرة    خناقة في استوديو "خط أحمر" بسبب كتابة الذهب في قائمة المنقولات الزوجية    هيئة الدواء: هذه الأخطاء الشائعة في استخدام الأدوية تهدد صحتك    وزارة الخارجية ووزارة الاتصالات تطلقان خدمة التصديق علي المستندات والوثائق عبر البريد    زامبيا وجزر القمر في مهمة الأهداف المشتركة ب أمم أفريقيا 2025    رخصة القيادة فى وقت قياسى.. كيف غير التحول الرقمي شكل وحدات المرور؟    تحذير رسمي من وزارة الزراعة بشأن اللحوم المتداولة على مواقع التواصل    مدير دار نشر: معرض القاهرة للكتاب لا يزال ظاهرة ثقافية عالمية    مجلس جامعة القاهرة يعتمد ترشيحاته لجائزة النيل.. فاروق حسني للفنون ومحمد صبحي للتقديرية    قوات الاحتلال تعتقل فلسطينيين وتغلق بوابات لعرقلة المرور    وزيرا الإنتاج الحربي وقطاع الأعمال يبحثان تعزيز التعاون لتعظيم الاستفادة من القدرات الصناعية الوطنية    مخالفات مرورية تسحب فيها الرخصة من السائق فى قانون المرور الجديد    تفاصيل جلسة حسام حسن مع زيزو قبل مباراة مصر وجنوب إفريقيا    معركة العمق الدفاعي تشغل حسام حسن قبل مواجهة جنوب إفريقيا    كأس الأمم الأفريقية.. زيمبابوي وأنجولا اليوم من أجل التعويض    ريهام عبدالغفور تشعل محركات البحث.. جدل واسع حول انتهاك الخصوصية ومطالبات بحماية الفنانين قانونيًا    الإفتاء تحسم الجدل: الاحتفال برأس السنة جائزة شرعًا ولا حرمة فيه    اختتام الدورة 155 للأمن السيبراني لمعلمي قنا وتكريم 134 معلماً    وفاة الزوج أثناء الطلاق الرجعي.. هل للزوجة نصيب في الميراث؟    كأس مصر - بتواجد تقنية الفيديو.. دسوقي حكم مباراة الجيش ضد كهرباء الإسماعيلية    بروتوكولي تعاون لتطوير آليات العمل القضائي وتبادل الخبرات بين مصر وفلسطين    "التعليم المدمج" بجامعة الأقصر يعلن موعد امتحانات الماجستير والدكتوراه المهنية.. 24 يناير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلفيون والإبداع (تجربة شخصية)
نشر في المصريون يوم 08 - 03 - 2012

كتب الدكتور محمود سلطان مقالاً بعنوان : الإسلاميون والإبداع ، فنكأ جرحاً ، بل جراحاً عندى ، إختلط فيها العام بالشخصي .
تساءل الدكتور محمود فى مقاله قائلاً : لماذا لا نسمع تقريبًا عن أصوات نقدية أو أدبية داخل الفضاء الإسلامى ?
والواقع أننى أزعم أننى أمتلك بعض مفاتيح الإجابة عن هذه المعضلة فى شقها السلفى بحكم إنتماءى له ، كما أزعم أن رؤيتى مرتبطة بقصتى ، وأن كلاهما – الرؤية والقصة - قد يكون مفيداً فى فك طلاسم هذه المعضلة ، وربما كانت حكاية هذه القصة تفيد فى تدعيم ما سأطرحه من رؤية علل وأسباب للغياب شبه التام للخطاب الإبداعى فى الصف السلفى - رغم وجود طاقات هائلة بين الشباب السلفى ورغم وجود مواهب كثيرة ، بل أزعم أن الخطاب السلفى – وليس خطاب السلفيين – الخطاب السلفى خطاب إبداعى بامتياز ، والفكرة السلفية توفر لمعتنقيها مناخاً من الإستقرار النفسى ، والثراء الروحى ، والسكينة التى تمكنهم من الإبداع المشروع فى المشروع من الإبداع .
أكتب الشعر منذ وعيت على الدنيا ، ومع ذلك فحين إلتحقت بالمشروع السلفى ، وصرت أحد مريديه ، إنتهت علاقتى بالشعر على الفور ( حدثنى واحد من الشعراء الجدد والذى أتوقع له أن يصبح إسماً بارزاُ حدثنى أنه كان له صديق شاعراً من طراز رفيع ، لكنه بمجرد أن أطلق لحيته قصف قلمه فوراً ، وبمبادرة شخصية ) ، ولأن سلفيتى مر عليها ما يقرب من العشرين سنة ، فأنا لا أتذكر لماذا خرج الشعر من حياتى ، هل لأننى كنت أعرف أنه لا مجال لهذه الأشياء فى هذه المدرسة من خلال متابعتى الطويلة لها عن قرب قبل الإنضمام لها ؟ أم لأننى شخصياً رأيت أن ذلك غير موافق لجدية طالب العلم الشرعى ؟ .
هل تركت الشعر لأن سنوات الإنضمام الأولى تتضمن تفاصيلاً أكثر أهمية أو على الأقل تتضمن أحداثاً وتغييرات تشغل صاحبها عن الشاعر الذى بداخله ؟؟ كل هذا ممكن ومحتمل ، لكن المؤكد أننى لم أسمع ( قط ) وبدون إستثناء واحد لهذه ( القط ) ، لم أسمع قط حديثاً سلفياً عن الإبداع ، إلا ما يخص الرد على المهاويس الذين يريدون أن يجعلوا الإبداع وثناً يعبد من دون الله ، وأن يجعلوا حرية الإبداع مقاماً فوق مقام العبودية لله ، لم تتردد كلمة الإبداع فى البيت السلفى إلا فيما يخص الرد على هؤلاء ، أما فيما عدا ذلك فالإبداع والمواهب والتشجيع والإكتشاف كان كله فى مجال وحيد هو التلقين والحفظ ، كان كل التركيز فى حفظ كتاب الله العزيز وتجويده وحسن تلاوته ، ومن تمكن بعد ذلك من حفظ المتون ، وهذا بالطبع شرف باذخ ، ومجهود مشكور ، لكن لم يكن هناك شىء آخر ، لم يكن هناك أى محاولة للإستثمار فى مجال إضافى ، لم أسمع قط عن مسابقة للقصة القصيرة أو الرواية أو الشعر أو كتابة المقال أو العمود الصحفى أو تقديم البرامج التليفزيونية ، وأعجب ما فى الأمر شيئان :
أولهما : أن هذا لم يحدث إلى الآن ، لم يحدث حتى بعد الثورة ، لم يحدث بالرغم من كل هذه الفضائيات الإسلامية ، لم يحدث بالرغم من أنه صار عندنا جرائد سلفية ، لم يحدث برغم حاجتنا الملحة لذلك .
وثانيهما : أنه لم يحدث حتى فى أكثر مجال عانى منه الناس بالرغم من أنه من أعلى الأمور الشرعية ، ألا وهو خطبة الجمعة ، ولا تزال خطبة الجمعة معاناة أسبوعية للملايين ، ولا يزال خطباء الجمعة يقومون بتعذيب الخلق إلا من رحم الله ، وهذه النقطة بالذات يمكن أن تضع أيدينا على أهم أسباب غياب العقلية الإبداعية والمنتج الإبداعي فى الصف السلفى ، ألا وهى سيادة منهج التلقين والحفظ ، وجعل الحفظ والترديد هو معيار التفوق والكفاءة . فلم أسمع يوماً عن مسابقة حقيقية للخطابة ، مع أن الواجب خاصة مع جسامة هذه الظاهرة ، وتفشيها بشكل يكاد يكون عاماً ، أقول كان من الواجب أن يكون هناك خطة ومدرسة عظيمة لعلاج هذه الظاهرة ، خصوصاً مع وجود هذه الأعداد الغفيرة من طلبة العلم ، وخصوصاً والأمر لا يحتاج إلا لاكتشاف أصحاب المواهب فى هذا الباب ثم رعايتهم والدفع بهم .
ربما سيخرج واحد فيقول أن المشكلة والعيب فى أنا ، لأن هذا كله كان موجوداً ولكننى أنا لم أعرف به ، فأقول كون أن هناك مشروع لم يسمع به الكثيرون ، فهذا دليل على أنه فى حكم المعدوم ، بل إن المدرسية السلفية فى مدينتى التى تتبع الدعوة مباشرة ، والأخرى التى تتبع أنصار السنة ،ليس فيهما أى ذكر للخطابة ، ومع ذلك سلمنا بوجود هذه المشاريع فأنا أسأل عن ثمرتها ، هل خرج علينا خطيب واحد مفوه ، أو كاتب صحفى متميز ؟؟ الحالات الموجودة مواهب شخصية بنت نفسها بنفسها .
إلى جوار التلقين والحفظ أزعم أن هناك سبباً آخر فى منتهى الخطورة أدى لغياب روح الإبداع داخل البيت السلفى وسيادة روح الحفظ والتلقين ، وهى غياب الخيال والإبتكار فى العقل السلفى – النسبة هنا للسلفيين وليس للسلفية- وسبب ذلك هو من وجهة نظرى مزيج من طبيعة المرحلة التى كانت قبل الثورة ، إضافة إلى طبيعة النخبة السلفية فى هذه المرحلة أيضاً ، فبين مطرقة الحالة الأمنية الصارمة وجو العمل السرى ، وبين سندان التركيبة الشخصية للنخبة السلفية التى كانت شخصيات محافظة بعيدة عن الروح الإبداعية والإبتكارية ، وربما ساعد على تعميق ذلك أولويات المرحلة ، بين هذه المطرقة وهذا السندان وقع الخطاب السلفى ووقعت الأجيال السلفية المتتابعة .
المهم فى النهاية أننى دخلت إلى البيت السلفى فنسيت كل ما يتعلق بالشعر والكتابة ، وكان العالم السلفى كله قرآن ومتون ودروس وخطب ، ثم وبعد قليل وجدت بداخلى طاقة أريد أن أصرفها فبدأت أحاول أن أخطب الجمعة ، لم تكن هناك وسيلة أو آلية للحكم على موهبتى فى هذا الباب وصقلها إن وجدت ، حاولت كثيراً حتى سمعنى الرجل الذى يحفظنى القرآن وهو بالمناسبة ليس سلفياً ، سمع عن رغبتى فى ذلك فقال لى على الفور وبلهجة حاسمة : هل تريد ذلك فعلاً ؟ هل تستطيع أن تواجه الجمهور ؟ قلت له إن شاء الله ، فقال لى : قم فوق هذه المنضدة حالاً وأرنا بروفة للخطبة وستخطب غداً ، وهكذا دخلت إلى عالم الخطابة من خلال رجل غير سلفى لكنه مبادر وجرىء ، والغريب أننى وبعد سنوات حين سأذهب لشيخ سلفى كبير ، وأخبره أن أكثر من شخص حدثنى بأن خطبتى جيدة ، وأننى أريد أن يقوم هو بتوظيف ذلك ( طبعاً من التابوهات أن تتحدث عن أن لديك أى نوع من التميز أو الموهبة وإلا فأنت ترى نفسك وتزكيها ) نهرني الشيخ وقال لى : أنت ترى نفسك ، أنت مشروع شيخ محكوم عليه بالإعدام ، ثم اشترط على لأصحبه ألا أفكر فى هذا الأمر أبداً ، وأخبرنى أنه سيجعلنى أصل لمرحلة أن أتشفع إليه بأحبابه ألا يجعلنى أخطب ، قلت له إن موقع طريق الإسلام أضخم موقع إسلامى فى العالم جعل لى صفحة خاصة ، قال لى : يملأون بك الفراغ ، قلت له : مجلة البيان أكبر مجلة إسلامية أرسلت تستكتبنى عن حال المسلمين فى الصين ، قال لى لا يخدعنك ذلك ، قلت له : لى مقال ثابت فى جريدة ذائعة الصيت يكتب فيها فلان وفلان من المشاهير ، قال لى : الإنترنت ليس مقياساً . خرجت من عنده وانا أنكر نفسى ، واتهمتها ، وانقطعت فترة ثم عدت .
المهم بدأت أخطب الجمعة حتى شعرت بعد فترة أننى أريد أن أكتب مقالات صحفية ، بدأت فى كتابة المقالات وكان هناك صديق مسئول عن أحد المواقع السلفية فبدأ ينشر لى مشترطاً ألا أضع إسمى فقلت له لماذا ؟ قال لأنك لست شيخاً كبيراً ، قلت له : أليست مقالاتى تصلح ؟ قال : بلى ، لكن سيغضب بعض الكبار فى مدينتنا لأننا لم ننشر لهم .
كنت حريصاً من البداية على ألا أكتب بالديباجة السلفية ، وحددت جمهورى بأنه جماهير الناس وليس المتدينين ، وهكذا كانت مقالاتى تقوم على الحجج العقلية وليس على الآية والحديث ، كما كنت أكتب خطاباً أزعم أنه هو الخطاب السلفى اليوم ، مع أنهم كانوا ينتقدون ذلك فى حينها ، ثم حدث يوماً أن كتبت مقالاً إعتبرونى بعدها من دعاة التقريب من الأديان وكان مقالاً بعنوان: اللعب بالنار، أخاطب فيه المسيحيين فى مصر وبعد سطور من التحذير والوعيد أقول فى نهاية المقال المنشور فى المصريون :
(( يا عقلاء النصارى لا تلعبوا بالنار ولا تفتحوا على مصر أبواب الجحيم ولا تشعلوا فتنة أنتم أول من سيكتوى بنارها كفى إستفزازاً للمشاعر كفى إثارة للفتن وتدخلا فيما لا يعنيكم
دعوا الوضع يبقى على ماهو عليه دعوا المادة الثانية فهى لم تضركم يوماً ولو طبقت فعلاً لعرفتم نبل هذا الدين
دعوا الأطفال يلعبون فى حوش البيت معاً ويذهبون للمدرسة معاً
دعوا أحمد ومرقص يعملان فى غرفة المكتب معاً دعوا ضحى وجيرمين يركبان الأتوبيس نفسه ويتشاركان كثيراً من الهموم ولا تركبوا موجة ستعود إلى البحر يوماً ولكن بعد أن تكون قد ألقت بالمتهورين فاندقت أعناقهم وحطموا قصورا بنوها من الرمال راح تحتها ألوف الأبرياء
دعوا البيوت المتلاصقة والتهانى المتبادلة والهموم المشتركة وهيا نحول الوطن المشترك إلى وطن نظيف آمن متقدم ليعود الخير علينا وعليكم
دعوا الأمور تمضى كما تمضى ولا تخاطروا بقلب الطاولة لأنها لو قلبت فلن تعود قط لما كانت عليه ))
قامت الدنيا على ولم تقعد ، وصرت من دعاة التقريب بين الأديان بسبب هذا الكلام ، تصوروا ؟؟ والله كدت أفقد صوابى من الدهشة والعجب والقهر ، فى النهاية أخبرونى أن الدعوة أمرت بمنعى من الكتابة فى الموقع ، بل ومن الخطابة فى المسجد .
بدأت أكتب فى المصريون ، وتمكنت بفضل الله من أكون واحداً ممن إستمات فى الدفاع عن السلفيين فى عز البطش ، وكتبت : الحوينى الذى أعرفه ، والرد الدامى ، وقطار الإسكندرية العظيم ، وأنا وهابى فكان ماذا ؟ وأسئلة وهابية ، كتبت كل هذه المقالات وغيرها ، فى وقت لم تكن الدعوة تمتلك الكثير من الأقلام فى الوسط الصحفى ، ولم يكن لها نوافذ صحفية ، ثم و بعد كل هذه المقالات التى تصرخ أننى من الممكن أن أكون ( مثلاً ، يعنى ، إحتمال ، جايز، مش قصدى والله أزكى نفسى ، بس مش عارف اقولها إزاى ، سامحونى يا جماعة ، يارب اغفر لى ، قصدى أقول إن أنا حاسس إن أنا ) عندي بعض الأدوات التى يمكن أن تفيد فى الإبداع لصالح المشروع .
بعد كل هذه المقالات التى وصلت إلى حد إتصال السفارة البريطانية بى لتناقشنى فى مقالاتى حول السلفية ، بعد كل هذا لم أتلق أى محاولة للإستفادة منى ، ولا تفعيل مقالاتى ، بل على العكس ذهبت بمقالاتى للشيخ الكبير ، وقلت له هذه بعض مقالاتى أريدك أن تقرأها ،وتخبرنى برأيك ، ومع أننى حاولت معه ، لأننى كنت مقرباً له فى هذه الفترة ، إلا أنه تجاهل كل محاولاتى ، وحين وصلته أخبار أن مقالاتى صارت لها بعض الوزن لم يعلق ، وحين تأكد من ذلك قلت له : يا شيخى الحبيب ما رأيك فى أن تتشفع لى عند فلان صاحب قناة كذا الإسلامية لأقدم برنامجاً فى الذود عن السلفية ، رد قائلاً : أخشى عليك ستحترق ستنتهى ستموت .
إتصلت بواحد آخر من الكبار وقلت له بمنتهى الصراحة : يا شيخ فلان أنا تحت أمر الدعوة ، أنا أكتب فى جريدة محترمة يقرأها الكثيرون ، وأنا أريد أن أكون لسان حال الدعوة ، وأن يكون قلمى معبراً عن رؤيتها ، فقال لى : أنت مشروع فردى ، وأنا أخاف من المشروعات الفردية ، أنت فعلاً تحتاج إلى تأميم فقلت له فوراً : أممونى . وفى النهاية لم يحدث تأميم .
ثم أراد الله عز وجل أمراً فعدت إلى الشعر و كتبت : يا مصر صباحك نور ، وكتب الله له ما تعلمونه من القبول والذيوع ، ومع ذلك لم أتلق اتصالاً واحداً يقول أى شىء ، بل أقام الحزب مؤتمره فى مدينتى طنطا ، ولم يفكر أمين الحزب فى الغربية ، وهو بالمناسبة صديق شخصى لم يفكر فى دعوتى ، ومع أن المنشد الرائع أبو عمار الذى أنشد النشيد صار أشهر من نار على علم ، إلا أن أحداً منهم لم يفكر فى التواصل معه ، بل إنه حكى لى أن النشيد الشهير كان مرفوضاً من المسئولين وانه استمات لاقناع الشخص المسئول بالنشيد ، وقمت أنا بمبادرة شخصية بإطلاق فكرة حضوره إلى المسيرات الإنتخابية للحزب والمؤتمرات الحاشدة ، والتى كانت فكرة أحدثت دوياً هائلاً فى كل مكان حضر فيه كاتب النشيد ومنشده ، وأطلقنا معاً ما يقرب من عشرة أناشيد جديد بمبادرات شخصية ، وأبدعنا فكرة إقتحام الاستوديو على الشيخ عبد المنعم الشحات على الهواء مباشرة ، وغنينا لسيد بلال ، وللمخطوفة نغم ، وقمنا بمبادرات فريدة ، ولأول مرة فى الإعلام الإسلامى قدمنا كواليس نشيد فى برنامج مصر الجديدة .
قدمنا باختصار مسوغات كثيرة لمشروع إبداع إسلامى ومع ذلك ، لم نتلق أى رد فعل من النخبة إلا فى لقاءات عابرة وغير مرتبة وكلمات من نوعية ( برافو، ربنا يخليكم ، حاجة جميلة ما شاء الله ، طب مش عاوزين حاجة ؟ سلامو عليكو ) ، وفى الوقت الذي يعانى فيه الصف السلفى من ندرة المبدعين كنت أتصور أنه حين يظهر من فيه شبهة إبداع أن يتم المبادرة على الفور بدمجه وتطويره والاستثمار فيه ( لم أتلق مليماً واحداً على نشيد أو حلقة ولم أطلب بذلك ، ولو عرض على فمن المستحيل أن أقبل لكن أردت فقط أن أذكر أننى لن أكلف المشروع فلساً واحداً )
على الجانب الأخر فإن كل القنوات والصحف غير الإسلامية بمجرد أن ترى من فيه رائحة موهبة تقوم على الفور باختطافه وأصدق مثال على هذا حالة : باسم يوسف ، و بالرغم من أن الرجل لا يتمتع بأى موهبة ، لكن مجرد جاء بفكرة مختلفة ، وقد عرضت عشرات الأفكار دون جدوى ، اتصالات لا تنقطع ومحاولات مستميتة دون نتيجة .
من وجهة نظرى يا دكتور محمود أن أسباب غياب الإبداع فى الصف الإسلامى :
1- سيادة خطاب التلقين والترديد والحفظ .
2- طبيعة القيادة السلفية ، ومواهبها ، وامكاناتها الشخصية ، التى هى أبعد ما تكون عن الإبداع والخيال ، ساعد على ذلك طبيعة العمل السرى والضغوط الأمنية .
3- التصور المغلوط لدى المتدينين عن كلمة الإبداع وربطها فى كثير من الأحيان بالعرى والمجون وتجاوز الثوابت والمقدسات .
4- التركيز على العلوم الدينية فقط ، وضعف إن لم يكن إنعدام الإهتمام بالمصادر الأخرى لبناء الثقافة والوعى بل تم حظر كتب كثير من المبدعين الإسلاميين الكبار بحجة أنهم عقلانيين أو على غير المنهج الصافى ، ولذلك فإن رجالاً ضخاماً بحجم سيد قطب ، ومحمد قطب ، ومحمد الغزالى ، ومحمد عمارة ، ويوسف القرضاوى ، وغيرهم من العباقرة ، لم تكن سائدة فى البيت السلفى إلا نادراً وعلى استحياء ، بالرغم من أن هؤلاء العباقرة أعادوا تقديم الفكرة الإسلامية بطرح عصرى مذهل ، مع كل التحفظات التى تعلمناها على كتاباتهم ، بالرغم من أن كثيراً من هذه التحفظات صارت الآن على المحك حين بات واضحاً أن مقولة أحد الإخوان المسلمين لما أخبروه عن تحفظات السلفيين على الإخوان فقال دعوهم فسوف يعودون إلى حيث بدأ الإخوان وأرى ذلك يتحقق .
أقول تعرض مفكرون كبار بحجم الغزالى ، والأخوان قطب ، والقرضاوى إلى الحجب بالرغم من أن مؤلفاتهم كانت كثيراً ما تقدم حلولاً للكثير من الإشكاليات العصرية، وكانوا مفكرين بحق حين استوعبوا الشرع وعاشوا الواقع فقدموا فكراً كاشفاً يشخص الداء ويصف الدواء من منظور شرعى ، فى الوقت الذى كانت كل المنتجات السلفية عبارة عن نقولات من كتب الأقدمين بالنص ، راجع أى كتاب لكاتب سلفى مصرى وستجد أنه عبارة عن نقولات من الكتب ، إعادة إنتاج التراث بدون تدخل فى الغالب ، وهو شىء لا يمت للإبداع بصلة ، بل يرسخ المحنة ويورثها للأجيال التالية ، كما أنه لا يفيد فى تقديم حلول شرعية مناسبة للإشكاليات العصرية ، ثم هو دليل دامغ على افتقار هذه النخب إلى الشخصية الإبداعية ، وهو ما وسع الهوة بين التيار السلفى وبين أى أمل فى الإبداع .
إذا سألنى سائل ما هو الحل من وجهة نظرى ، أقول له : المسألة مسألة وقت ، وهذا الجيل الذى يتشكل على مواقع التواصل الإجتماعى ، شيئاً فشيئاً يكتشف الحقيقة ، ويكتشف مواهبه بنفسه ، ويشق طريقه دون إنتظار ليد تأخرت فى الأخذ بيده ، والعجيب أنه وإلى الآن ورغم قيام ثورة من الوزن الثقيل إلا أن نخبتنا مصممة على أن تقف فى وجه عجلة التغيير- ربما دون أن تشعر - وتستميت فى الحفاظ على نفس الإيقاع البطىء فى التغيير.
وفى النهاية لا يسعنى إلا أن أقول : يا مصر صباحك نور .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.