اللجنه العامة توافق على اعتراض رئيس الجمهورية على مواد الإجراءات الجنائية    زكريا أبوحرام يكتب: الملاك الذي خدعهم    أكاديمية «أخبار اليوم» في ثوبها الجديد.. وفرحة الطلاب ببدء العام الدراسي| صور وفيديو    رئيس مجلس المطارات الدولي: مصر شريك استراتيجي في صناعة الطيران بالمنطقة    نائب بريطاني يندد باعتراض إسرائيل لأسطول الصمود ويطالب بمعاقبتها ووقف تسليحها    الرئيس الكولومبي ينقض اتفاقية التجارة مع إسرائيل ويطرد دبلوماسييها    البيت الأبيض: مناقشات حساسة تجري الآن بشأن خطة غزة    تجارة الدم العابرة للقارات.. مرتزقة كولومبيا يشعلون جحيم السودان!    4 أهداف.. تعادل مثير يحسم مواجهة يوفنتوس أمام فياريال بدوري أبطال أوروبا    رياضة ½ الليل| هشام يسلف الزمالك.. إيقاف تريزيجيه.. قائمة الخطيب.. والموت يطارد هالاند    موعد مباريات اليوم الخميس 2 أكتوبر 2025.. إنفوجراف    إصابة 4 عمال في حادث تصادم نقل وميكروباص أمام كارتة ميناء شرق بورسعيد    قرار هام بشأن شخص عثر بحوزته على أقراص منشطات مجهولة المصدر بالجيزة    السيطرة على حريق شب داخل مخلفات بعين شمس    استشهاد 85 فلسطينيًا في غارات الاحتلال على قطاع غزة خلال 24 ساعة    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 للموظفين والبنوك والمدارس بعد قرار رئيس الوزراء    الزمالك يفتقد 3 لاعبين أمام غزل المحلة.. ومصير فيريرا على المحك    مصرع أمين شرطة وإصابة اثنين آخرين أثناء معاينة جثة سيدة ب "صحراوي" البحيرة    نقل الفنان السوري زيناتي قدسية إلى المستشفى بعد أزمة صحية مفاجئة    حماية العقل بين التكريم الإلهي والتقوى الحقيقية    مرض اليد والقدم والفم (HFMD): عدوى فيروسية سريعة الانتشار بين الأطفال    مدير مستشفى معهد ناصر: نستقبل نحو 2 مليون مريض مصري سنويا في مختلف التخصصات الطبية    تحذير لهؤلاء.. هل بذور الرمان تسبب مشاكل في الجهاز الهضمي؟    أكلة مصرية.. طريقة عمل محشي البصل خطوة بخطوة    الخارجية التركية: اعتداء إسرائيل على "أسطول الصمود" عمل إرهابي    جوارديولا: لدينا نقطة وسنحصل عليها    «مقتنعوش بيه».. ماجد سامي: كنت أتمنى انتقال نجم الزمالك ل الأهلي    1160 للجنيه دفعة واحدة.. ارتفاع كبير بأسعار الذهب بالصاغة وعيار 21 يسجل رقمًا تاريخيًا    سر ديناميكية هشام أبو النصر محافظ أسيوط    حل 150 مسألة بدون خطأ وتفوق على 1000 متسابق.. الطالب «أحمد» معجزة الفيوم: نفسي أشارك في مسابقات أكبر وأفرح والدي ووالدتي    مايولو: سعيد بالتسجيل أمام برشلونة.. نونو مينديش قام بعمل كبير    هيئة مستقلة للمحتوى الرقمي ورقابة بضمانات.. 4 خبراء يضعون روشتة للتعامل مع «البلوجرز» (خاص)    إخماد الحريق الثالث بمزرعة نخيل في الوادي الجديد    الجيش الإسرائيلي: إطلاق 5 صواريخ من شمال غزة واعتراض 4 منها دون إصابات    محافظ الشرقية يكرّم رعاة مهرجان الخيول العربية الأصيلة في دورته ال29.. صور    ركزوا على الإيجابيات.. والدة طفلة «خطوبة في المدرسة» تكشف تفاصيل الواقعة (فيديو)    المطبخ المصري في الواجهة.. «السياحة» ترعى فعاليات أسبوع القاهرة للطعام    انقطاع مؤقت للاتصالات قرب المتحف المصري الكبير.. فجر الخميس    ارتفاع أسعار الذهب في السعودية وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الخميس 2-10-2025    ستاندرد آند بورز: إغلاق الحكومة الأمريكية يفاقم عدم اليقين في التوقعات الاقتصادية    بعد الهجوم الإسرائيلي.. قرار عاجل من أسطول الصمود العالمي بشأن حصار غزة    السكر القاتل.. عميد القلب السابق يوجه نصيحة لأصحاب «الكروش»    مدير معهد ناصر: اختيار المعهد ليكون مدينة طبية لعدة أسباب ويتمتع بمكانة كبيرة لدى المواطنين    اعتراضات على طريقة إدارتك للأمور.. برج الجدي اليوم 2 أكتوبر    أول تعليق من رنا رئيس بعد أزمتها الصحية: «وجودكم فرق معايا أكتر مما تتخيلوا»    ماذا كشفت النيابة في واقعة سرقة الأسورة الأثرية من المتحف المصري؟    الإسكان عن أزمة قرية بحر أبو المير بالفيوم: تحركنا لدراسة الوضع ميدانيا    أحمد موسى يوجه رسالة للمصريين: بلدنا محاطة بالتهديدات.. ثقوا في القيادة السياسية    «التضامن الاجتماعي» بالوادي الجديد: توزيع مستلزمات مدرسية على طلاب قرى الأربعين    أولى هجمات أكتوبر.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم: أمطار رعدية تضرب منطقتين    إصابة 9 أشخاص في انقلاب ميكروباص على طريق شبرا - بنها    التجربة المصرية في الاستزراع السمكي محور برنامج تدريبي دولي بالإسماعيلية    أرسنال بالعلامة الكاملة في الإمارات ينتصر بثنائية على أولمبياكوس    تسليم 21 ألف جهاز تابلت لطلاب الصف الأول الثانوي في محافظة المنيا    تعرف على مواقيت الصلاه غدا الخميس 2 أكتوبر 2025فى محافظة المنيا    خالد الجندى: "إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً" ليست آية فى القرآن    مجلس الدولة يقرر إعادة توزيع اختصاصات دوائر محكمة القضاء الإداري    مجلس حكماء المسلمين: العناية بكبار السن وتقدير عطائهم الممتد واجب ديني ومسؤولية إنسانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حسن دوح الذي أعرفه
نشر في المصريون يوم 26 - 12 - 2010

عاش حسن دوح مجاهدا : فقد خاض معارك مشهورة في منطقة قناة السويس ضد الانجليز ، ومعارك ضد اليهود في فلسطين ، وداعية مسلما ، وخطيبا لا يشق له غبار ، وأديبا له إبداعات قصصية وأدبية .
ولأترك ذلك لشهادات التاريخ ؛ لأقدم للقارئ صورة حسن دوح كما رأيته ، وتعرفت عليه ، وعايشته .
**********
في بداية الخمسينيات اشتهر حسن دوح رحمه الله بأنه زعيم الجامعة، غير مُدافَع. وكنا قبل التحاقنا بالجامعة نسمع عنه ونحن طلابٌ في المرحلة الثانوية، بأنه أخطب الخطباء في زمنه، وأقدر زعيم في الطلاب على القيادة والتأثير.
وحينما التحقت بالجامعة عرفت حسن دوح، وازدادت معرفتي به حينما صار جارًا لي بين سكني وسكنه أمتار، فكنا نتزاور على المستوى الأسْري، وكنا نتحاور في كثير من المسائل، وأنا أكتب هذه الكلمات في حجرة مكتبي في الثامن والعشرين من شهر مارس 2008م. وأنظر إلى مكتبتي ، واملأ عينيَّ من المجلدات السبعة لتفسير " الفخر الرازي " الذي أهداه لي، وأنا أزوره في بيته، وكان التفسير طبعة قديمة، وقال لي بالحرف الواحد: يا أخ جابر الحقيقة أن نظري ضعف، ولم يعد في العمر بقية حتى أقرأ هذا التفسير الضخم، وأنا ورثته عن الوالد رحمه الله، وأقدمه لك هدية، فإذا ما فتحته فادعُ لي، وادع لوالدي بالرحمة والمغفرة.
وكنا نلتقي كثيرًا في مكتبه بفندق الأمان، وهو فندق اشترك في ملكيته وإدارته مجموعة من الإخوة على رأسهم الأخ حسن، وحرصوا جدًّا على أن يعلق على الفندق لافتة ظاهرة هي (فندق بلا خمور). وهي لافتة مهمة جدًّا؛ لأن الفنادق الفاخرة في القاهرة كانت تعرض الخمور بلا حرج.
وكان رحمه الله يقوم بمهمة إنسانية طيبة في مكتبه , وهي لكثرة معارفه يعمل على تزويج شباب أبناء الإخوان بفتيات صالحات يعرف صلاح بيوتهن، وقد رأيت حالات متعددة من توسطه في هذا المجال، وكانت ناجحة والحمد لله.
وأعود لأول لقاء بيني وبين حسن دوح : كان ذلك في الجامعة في يوم احتفال الإخوان والجامعة بذكرى شهداء القناة : ، ووقف حسن دوح يلقي خطبته.... كانت تتدفق إيمانا وحماسة وروحًا وقوة، وكانت نبراته تتسلل إلى النفس فيشد السامعين شدًا، كان ذلك أمام قبة الجامعة، وكان الذي يحمله وهو يخطب الأخ: محمود أبو شلوع رحمه الله لأنه كان ذا طاقة بدنية هائلة.
وبعد أن انتهى من خطبته أمام آلاف الإخوان وآلاف الطلاب فوجئنا ب "نواب صفوي" زعيم جماعة "فدائيان إسلام" , وهو اصطلاح فارسي معناه بالعربية "جماعة الإسلام الفدائية"، ووقف "نواب صفوي" يخطب بلغة عربية أحسن ما فيها حرارة الإيمان، واللهجة كانت لهجة فارسية، وأذكر مما قاله: إني نذرت للإسلام روحي، وكل ذرات دمي، وكل ما أملكه في هذه الدنيا، بل وأهلي جميعًا.
وأثناء ذلك وكنت أنا أقف في بداية الكردون (صفين من الإخوة يصنعان طريقًا إلى القبة) دخلت سيارة جيب مكشوفة في اندفاع مذهل , وعليها قرابة اثنى عشر شابا، وفي أيديهم الكرابيج السودانية، وكان قائدهم أحد الضباط المنتسبين للثورة عرفنا بعد ذلك أن اسمه كامل يعقوب ... اندفعت السيارة ووقفت وانعطفت ناحية اليسار، ناحية مبنى كلية الحقوق، وكان نواب صفوي يخطب ساعتها، وأخذ من في السيارة يهتفون "كفى كلامًا يا إخوان، كفى اتجارًا بالأديان" . ورفعوا أصواتهم والإخوان ينبهونهم إلى ضرورة التزام الصمت؛ لأن الخطيب ضيفٌ إيراني مسلم يتحدث . وقال لهم الأخ "فتحي البوز" أحد قيادات الطلاب في كلية الحقوق: "نرجوكم التزموا الصمت الآن، وبعد هذا اشتموا كما تشاءون".
ولكنهم لم يستجيبوا له، وازدادوا صخبًا . اقتربت من السيارة، حتى أصبح بيني وبينها قرابة خمسة أمتار، وفجأة سمعت طلقًا ناريًّا يخرج من السيارة، ومرت طلقة المسدس بجوار وجه الأخ طاهر الدريني الطالب بدار العلوم، وفجأة رأيت السيارة تحترق , ويعلو منها اللهب، وهرب من فيها، ويعلم الله أنني لا أعرف ولم أر من الذي أطلق الرصاصة، ومن الذي أشعل النار في السيارة، إلا أن الإخوان هجموا على ركابها، وأوسعوهم ضربًا , حتى إن قائدهم غرق وجهه في الدم، وأصبحت حلته كقشر ثمرة الموز، فلما ازداد الضرب عليه قال بصوت مخنوق "أنا في عرض الإخوان"، فامتنع الإخوان عنه ، وحُمل إلى داخل كلية الحقوق لإسعافه، أما بقية من كانوا معه فلم يعد لهم أثر.
وقف حسن دوح يهدئ من ثائرة الإخوان , وأخذ يهتف : "عفوًا عفوا أيها المعتدون، عفوًا عفوا أيها الآثمون، تسعون إلينا للعدوان علينا ؟!!! لقد كان من المفروض أن تشاركونا في إحياء ذكرى الشهداء، وإكرام الضيف" . ثم أمر الإخوان بالتزام الهدوء وعدم التعرض لمن يعثرون عليه من الطلاب الذين كانوا مع كامل يعقوب، ولولا هو لحدثت مذبحة مريعة .
هذا موقف عرفت فيه حسن دوح وقدرته الخطابية، وقدرت تأثيره . ومعروف أن حسن دوح كان قائد معسكر الفدائيين في الجامعة . ومن شهداء القناة من طلاب الإخوان : عادل غانم عمر شاهين أحمد المنيسي سيد شراقي .
وهناك موقف خالد يحسب لحسن دوح شهدته بعينيّ. وخلاصته:
حرص جمال عبد الناصر على أن يعمل على إشعال الفتنة بين الإخوان عن طريق عبد الرحمن السندي غفر الله له ، وكان الإمام حسن الهضيبي هو مرشد الإخوان خلفًا للإمام الشهيد حسن البنا، وكان قوي العزيمة صريحًا لا ينثني ولا يذل لأحد، وكان عبد الناصر يحرص على أن يجذبه إلى رجال الثورة فرفض، بل قال نحن الأصل، وكان يطلق على الثورة " الانقلاب " , وعلى رجال الثورة "رجال الانقلاب" ، وما سماها ثورة أبدًا. فسعى عبد الناصر ورجاله بكل جهودهم إلى محاولة إزاحة الإمام الهضيبي واختيار مرشد ينصاع لهم، فأثر في بعض أعضاء الجمعية التأسيسية منهم: البهي الخولي، والطبيب طلبة زايد , وطبعًا شد إليه عبد الرحمن السندي، وحاولت مجموعته أن تحمل الأستاذ الهضيبي على الاستقالة، واقتحموا منزله في الروضة فرفض، فلجأوا إلى احتلال المركز العام . علم الإخوان بهذه المكيدة، فهبوا جموعًا غفيرة لإخراج هؤلاء بالقوة، فلما علم السندي ورجاله بذلك غادروا المركز العام، واقتحمته جموع الإخوان , ومن أظهر من فيهم حسن دوح، رأيته يقف علي منصة المركز العام بالحلمية الجديدة، وهو يخطب بصوت هادر "والله ما عبدنا الله إلا حبًا في الله، وما عبدت عيسى ولا موسى ولا هارون، وما اتبعنا محمد بن عبد الله؛ لأنه ابن عبد الله ولكن لأنه رسول الله، وما اتبعناك يا حسن الهضيبي إلا بناءً على بيعة سليمة رشيدة، فسر بنا أخي حسن، والله لو خضت بنا البحار لخضناها معك، والله لو قطعت بنا الأرض لقطعناها معك، والله لو تقلبت على الشوك لتقلبنا عليه معك، سر يا مرشدنا الحبيب، الله معك" .
وأخذ حسن يهتف ونحن نردد وراءه في بكاء وحماسة، وقوة "الله معنا، عزت أواصرنا، طابت عناصرنا، الله ناصرنا ، لا عبد يخزينا".
وانتصر الحق، وزهق الباطل، وثبت حسن الهضيبي في موقعه وفي قلوب الإخوان جميعًا، ونفت الدعوة خبثها، بل ظهرت أقوى مما كانت: قوة في الصف، وقوة في العقيدة، وثباتا في المواقف دون تردد أو مذلة، أو هوان.
وحسن دوح مجاهد تعرفه مناطق فلسطين، وتعرفه مدن القناة، ومعسكرات الإنجليز، فكان جنديًّا بارعًا، وقائدًا همامًا، وقد فصل هذا الجهاد في بعض مذكراته وكتبه عن الجهاد في فلسطين، والجهاد في القنال، منها: جهاد الشباب المسلم في فلسطين والقناة . وشهداء على الطريق . و 25 عاما في جماعة مرورا بالغابة . ولا ننسى أنه كان قائد معسكرات التدريب في الجامعة. وما زلنا نذكر له عبارة بليغة المضمون والأداء , متوهجة الإيمان والصدق والحماسة . وهي " إننا لا نستعين على الجهاد في سبيل الله والوطن بعرق الأفخاذ " وجاءت هذه العبارة ردا حاسما على ما عرضته بعض البارات والمراقص بشارع الهرم من مبالغ مالية كبيرة بزعم المساهمة في إعداد فدائيي الجامعة لقتال الإنجليز .
**********
وكان أسلوب الأخ حسن دوح في كتاباته أسلوبا علميًّا أدبيا متدفقًا، في سهولة وعذوبة، ومن كتبه بعض القصص مثل قصة أبو دومة، ومن أشهر كتبه: 25 سنة في جماعة مرورًا بالغابة. ومن زيارتي الأسرية لحسن دوح رأيت أنه يميل إلى نظم الشعر: المعاني طيبة، والأفكار ناضجة، والوجدان صادق، ولكن ينقصه الاستقامة العروضية، عرض عليّ بعض القصائد فصارحته برأيي , ولكنه ابتسم وقال: يا أخي اقبلها، واعتبرني ولو "ربع شاعر".
وهو في حياته الأسرية كان سعيدًا جدًّا بزوجه " الحاجة علية "، وهي سعيدة به، وبارك الله في بناته إيمان، ومريم، ومنال ، ولبنى . أما الذكر الوحيد وهو محمد فقد تعثر في دراسته، وكان يحمل همًا ثقيلاً في الإشفاق على ابنه الوحيد هذا، ويقول يخاطبني في آسى: ابني الوحيد يا أخ جابر، ابني الوحيد، طالب غير موفق، والبنات موفقات؟! فأقول له: سبحان الله , إنها مشيئة الله، يا أستاذنا العظيم . ثم ابتسم وأقول : إن التوفيق مية في المية سيفتح عليك عين الحسود. وذات مرة قلت له "يا أستاذ حسن ابنك اليوم لا يرضيك في دراسته؛ لأنكم تحملون كل مسئولياته عنه ، طعامًا، وشرابًا، وملبسًا، وراحة، و...و ...
ولكني بيني وبين نفسي اعتقد إلى درجة قريبة من اليقين أنه سيأتي يوم سيكتب الله فيه التوفيق الطيب لابنك محمد ".
وقد كان وأصبح محمد حاليًّا من رجالات مصر المصدرين والمستوردين وأصحاب الشركات، وتذكرت قوله تعالى (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) (الكهف: 82).
**********
أما الحادث الأسري الذي حمَّل الأخ حسن همًا صاعقا فهو موت زوجته الحبيبة الحاجة علية، وأصبح طيفها يملك عليه كل كيانه، مع أنه تزوج بعدها ثلاث مرات. ولا أنسى أنه جاءني ذات يوم في منزلي، ومعه كشكول مخطوط , وقال لي وفي عينيه انكسار: "يا أخ جابر أنا أتيتك بنفسي لتقرأ هذا الديوان، وقد جعلت أغلبه في زوجتي الحاجة علية، فأرجو أن تكون رفيقًا به، واعتبرْني يا أخي نصف شاعر، أو ربع شاعر..." قالها بأسى شديد، فقلت له: اترك الكشكول عندي , وسيأتيك ردي خلال أسبوع، قال : أنا مطمئن أنه سيكون ردا طيبا، بمشيئة الله .
وفي الحقيقة لم أجد فيه من الشعر إلا حرارة الوجدان، واحترت ماذا أقول له: استعجلني وقال: يا أخ جابر ، هل انتهيت من قراءة الديوان ؟، قلت له " سأحضر إليك بنفسي لأخبرك برأيي فيه "، وصارحته برأيي , بعد أن حاولت أن أصحح بعض ما نظم، وأقيم كسوره، فاكتشفت أنني سأحدث بما كتب تغييرًا شاملاً قد ينسيه هو أصل ما كتب. وقلت له " يا أستاذ حسن كأنما أراد الله أن تكون صاحب عبقريتين: عبقرية الخطابة , وعبقريةالكتابة ، أما الشعر فاتركه للضعاف من أمثالنا " ، فكرر جملته المأثورة " يا أخي ، ألا يعتبر ما نظمته في حجم ما ينظمه نصف شاعر أو ربع شاعر ؟" قلت له " أنا قلت رأيي بصراحة , ولا يعيبك أبدًا ألا تكون شاعرًا، ولا ينقص من قدرك هذا، فحسن دوح الكاتب والخطيب لا يشق له غبار، وهذا يكفيك. "
ومع ذلك بدافع الحب لزوجته فوجئت بالديوان بعد شهر, وقد طبعه في دار الاعتصام كما هو، واتصل بي تليفونيًا وسألني ما رأيك؟ فأجبت: حاجة جميلة جدًّا يظهر أن الديوان المخطوط ليس في تأثير الديوان المطبوع، فمعذرة إذ ظلمتك.
ويعلم الله أنني لم أكن صادقا في إجابتي الأخيرة , لأن الصدق في هذه الحال لا فائدة من ورائه . وأدعو الله أن يكون قد أدخل على نفس الرجل الطيب السعادة والاطمئنان، إذ شعر بأنه يؤدي شيئا طيبًا لزوجته عرفانًا بجميلها، ووفاءً لها.
اعتقل حسن دوح عدة مرات، ويقال: إنه عذب تعذيبًا لم ينزل ببشر، ولكنه تحمل ذلك صبرًا واحتسابًا.
إن ما يمكن أن يقال عن حسن دوح كثيرٌ وكثير، لا يتسع له المقام، وآمل أن يأتي اليوم الذي أتمكن فيه من أن أكتب دراسة وافية عنه مجاهدًا، وأديبًا. يرحمه الله .
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.