أيًا كان مصير الزيارة التي كان ينوي القيام بها وزير البترول طارق الملا، لإيران في ظل الشد والجذب حيال مصيرها، فإن التقارب الملحوظ بين طهرانوالقاهرة، التي بدأت مؤشرات عديدة خلال الفترة الأخيرة تظهر عمق الأزمة التي تمر بها العلاقات المصرية السعودية خصوصًا وأن هذا التقارب قد توج بزيارة الملا إلي العراق، والذى اجتمع خلالها مع رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي الموالي لطهران، وتم الاتفاق علي تقديم بغداد شحنات نفط بأسعار تفضيلية للقاهرة تعوضها عن توقف شركة "أرامكو" السعودية للشهر الثاني علي التوالي عن تزويد مصر باحتياجاتها النفطية . ويأتي التقارب في العلاقات المصرية الإيرانية، وتردد أنباء عن قرب استئناف العلاقات الدبلوماسية بين القاهرةوطهران في ظل حالة من التوتر الشديد الذي يحكم العلاقات المصرية السعودية بعد تصويت مصر لصالح المشروع الروسي، بشأن حلب السورية واكتشاف الرياض قيام القاهرة بتقديم مساعدات لمليشيات الحوثي التي تقاتل الرياض في اليمن وإقرار مصر بشكل علني بوجود خلافات بينها وبين الرياض لأول مرة في تاريخ البلدين اللذين حرصا لسنوات طويلة علي إبقاء الخلافات طي الكتمان. وزيارة المسئول المصري الأولي من نوعها منذ عقود لطهران، تأتي ضمن خطوات تطبيع العلاقات بين البلدين، اعتبرها المراقبون بمثابة رسالة من مصر بعدم حرصها علي الحفاظ علي شعرة معاوية بينها وبين الرياض بل وتأكيد من قبل القاهرة علي أن تأييدها للمحور الروسي الإيراني السوري الحوثي في المنطقة قد غدا خيارًا استراتيجيًا لها رضيت عنه الرياض أم غضبت بشكل يؤكد أن العلاقات مع الرياض تمر بأزمة هي الأشرس منذ عدة عقود حتى أبان قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد توقيع القاهرة اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل عام 1979. ولكن المثير في الأزمة، أن الرياض قد بادلت القاهرة بنفس النهج إذ تجاهلت الزيارة المرتقبة لوزير البترول المصري لإيران وتحدث الكاتب الصحفي جمال خاشقجي المقرب من الملك سلمان بن عبدالعزيز عن الزيارة قائلاً: أعتقد أن من حق الإخوة في مصر أن يشتروا نفطهم من حيثما أرادوا وحصلوا منه على سعر جيد، لا تضيقوا واسعًا " حسب رأيه. ويكشف رد الفعل السعودي الباهت حيال الزيارة، وإن كان غير رسمي، أن الرياض قد قطعت كل أمل في عودة العلاقات بين البلدين لمسارها الصحيح أو لجم توجهات القاهرة حيال موسكووطهران ودمشق ومن ثم فلا يجب التعويل علي تغيير في السياسة المصرية وعلي الرياض أن تنتظر خطوات أكثر منها استئناف العلاقات الدبلوماسية بين القاهرةوطهران المقطوعة منذ عام 1979 والمضي قدمًا في دعم الأسد والحوثي بعد تأكيد تقارير استخباراتي بوجود مقاتلين مصريين يعملون بجانب قوات الأسد في الأراضي السورية . ورأي مراقبون، أن العلاقات المصرية – السعودية تسير إلي طريق اللاعودة فالبلدان عاجزان حتى الآن عن وضع أسس جديدة لهذه العلاقات تسمح باختلافات بينهما في ملفات بعينها وهو ما ترفضه الرياض حاليًا المستاءة من حزمة المواقف المصرية المناهضة لها في سوريا واليمن ولبنان وغيرها بشكل يدفعها إلي البحث عن تحالفات جديدة والرهان علي محور تركيا وباكستان وإخراج القاهرة من معادلة تحالفاتها لاسيما أنها توقعت تغييرًا في مواقف القاهرة بعد خطوة إقالة إياد مدني الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، لتندره علي ثلاجة السيسي وهو ما لا تجد له أي رد فعل إيجابي من جانب القاهرة. وفي هذا السياق رحب العديد من الدبلوماسيين والمحللين السياسيين بالتقارب المصري الإيراني، حيث يري السفير سعيد كمال، الأمين العام المساعد السابق لجامعة الدول العربية، أن زيارة وزير البترول المصري طارق الملا ، لإيران حال إتمامها والتقارب بين القاهرةوطهران، يعد بمثابة التطبيع السياسي والاقتصادي بين الدولتين. وأكد" كمال" أن مصر خلال الفترة الحالية تسعى لتحسين العلاقات الدولية مع إيران، خاصة بعد تدهور العلاقات مع السعودية. في ظل وقف الرياض تزويد المواد البترولية لمصر منذ شهرين، وكان على مصر إيجاد حليف آخر بديلاً للسعودية وهذه الحليف هو "إيران". وأوضح السفير، أن إيران دولة قوية في الشرق الأوسط، ومن مصلحة مصر أن تتعاون معها، لأن ذلك سيكون خيرًا لنا سواء فيما يخص البترول أو الاقتصاد. وشاطره القول الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، معتبرًا أن فتح القنوات الدبلوماسية بين البلدين وتبادل اللقاءات والزيارات، خصوصًا بعد لقاء شكري – ظريف في نيويورك تأتي في إطار التقارب المصري الإيراني وتحسين العلاقات بين الدولتين بعد الأزمة التي تمر بها العلاقات المصرية السعودية. وأشار"نافعة"، إلى أن مصر كانت قريبة للغاية من دول الخليج خلال الفترة الماضية، وهذا التقارب لم يجد مصر نفعًا، لذلك كان علينا التحالف مع إيران، خاصة أن إيران لها ثقل في منطقة الشرق الأوسط. وأكد أستاذ العلوم السياسية، أن هذه الزيارة تأتى في إطار إصلاح الملف السياسي بعد قطيعة استمرت طويلًا بين البلدين من ناحية، ومن أجل إمداد مصر بالبترول من ناحية أخري.