لا ندرى ما إذا كانت المشكلة فى "الشعب" أم فى "النخبة" المناط بها إنتاج الأفكار وصوغ الرأى العام؟!.. الشعب قال كلمته فى مبارك، وأى كلام عن أن الثورة لم تنجح بعد.. هو كلام فارغ، فالثورة قد نجحت.. ومبارك وأولاده وأركان نظامه فى السجن.. وجاءت الثورة بقوى سياسية جديدة وأحزاب جديدة وبرلمان جديد ومجلس شورى جديد.. وخلال أشهر قليلة سيكون لدينا دستور جديد، ورئيس جمهورية منتخب من خلال التنافس الحر وفى انتخابات نزيهة وشفافة. والشعب كذلك قال كلمته وخرج بالملايين لأول مرة فى تاريخه ليختار نوابه فى المجالس التشريعية.. لا مشكلة إذن فى الشعب، وإن كان ثمة "تحفظات" على منظومة القيم الجمعية وما أصابها من تشوهات.. فإن الشعب لا يزال فى سنة أولى ديمقراطية، والمسألة تحتاج إلى سنوات من المران السياسى ولاكتساب مهارات ديمقراطية وتجعله أكثر تسامحًا مع المخالفين.. واحترامًا للقانون. هذه الأيام ظهرت دعوات جديدة، تنتقد دعوة مجلسى الشعب والشورى لانتخاب الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور، وتقول إنه كان على المجلس العسكرى أن "يعين" اللجنة بدون الرجوع إلى "البرلمان".. بزعم أن الأخير جاء ثمرة شعب "غير ناضج".. وغياب الأحزاب القوية التى تنافس القوى السياسية التى خرجت منتصرة من الانتخابات الأخيرة. اللافت أن هذه "الدعوة" تصدر من أساتذة علوم سياسية وأكاديميون يدرسون للأسف لأولادنا فى الجامعة.. وتلتقى مع ذات الدعوات التى تبناها "هيكل" و"الغزالى حرب" و"الغيطانى" غيرهم، والتى طالبت الجيش بالاستيلاء على السلطة، وتسمية المشير طنطاوى، رئيسًا للجمهورية. الدعوة الأخيرة.. هى تحريض صريح للجيش للانقلاب على الدستور المؤقت ومصادرة نتائج الانتخابات والاعتداء على البرلمان المنتخب وانتحال صفته أو يتولى جنرالات المجلس العسكرى "فبركة" لجنة كتابة الدستور! المفارقة المدهشة هنا أن دعاة الدولة المدنية الآن.. والحداثة فى عهد مبارك، هم الذين يتصدرون هذا الحراك "المدهش" والداعى إلى "عسكرة" الحياة المدنية وإبقاء الجيش فى السلطة إلى أن "يعلموا" الشعب المصرى "الأمى سياسيًا" أصول وقواعد "الإتيكيت الديمقراطى"! ويبدو لى أن المسألة لا تتعلق بالقلق من درجة نضج ووعى الشعب المصرى، بزعم أنه سلم عقله ل"المشايخ" الذين وعدوه ب"شقة" فى الجنة مقابل انتخاب مرشحى "الحرية والعدالة" و"النور".. لا أعتقد أن المشكلة تخص هذا الانطباع بشأن الشعب المصرى.. وإنما هى نمط جديد للتحرش بالتحول الديمقراطى ومحاولة تلويث سمعته طالما لن يستطيعوا عرقلة قاطرته، التى اقتربت الآن من المحطة الأخيرة فى مشوارها نحو "الدولة الديمقراطية". [email protected]