ما إن نجحت حركة طالبان في قتل اثنين من كبار الخبراء العسكريين الأمريكيين خلال عملية نوعية جريئة داخل مقر وزارة الداخلية الأفغانية المحصن في كابول، إلا وأكد كثيرون أن الأسوأ مازال بانتظار قوات حلف الناتو، خاصة أنه لم يعد هناك مكانا آمنا لها بعد فضيحة "إحراق المصاحف" في قاعدة باجرام. ففي 26 فبراير، سارعت قوات الناتو إلى سحب مستشاريها العسكريين من الوزارات الأفغانية بعد مقتل عسكريين أمريكيين رميا بالرصاص في مقر وزارة الداخلية الأفغانية وإعلان حركة طالبان مسئوليتها عن مقتلهما، انتقاما لحرق "المصاحف" في قاعدة باجرام. ونقلت وكالة "رويترز" عن الجنرال جون ألين قائد قوات الناتو والقوات الأمريكية في أفغانستان إنه تم سحب ممثلي الناتو من الوزارات الأفغانية لأغراض الحماية، في حين نقلت شبكة "ان بي سي" الأمريكية عن مسئولين عسكريين في واشنطن قولهم إن القتيلين كانا يعملان مستشارين لقوات الأمن الأفغانية وكانا في مكتبيهما في الوزارة، حين أطلق عليهما شخص يرتدي زي الشرطة الأفغانية النار. وكان مسئول أمني أفغاني أعلن في 25 فبراير عن مقتل عسكريين أمريكيين برتبة عقيد ورائد على يد شخص يرتدي زي الشرطة الأفغانية داخل مبنى وزارة الداخلية المحصن في العاصمة الأفغانية كابول. ومن جانبها، أعلنت حركة طالبان مسئوليتها عن مقتل المستشارين العسكريين الأمريكيين، ونقلت قناة "الجزيرة" عن المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد القول في بيان له:"إن أحد المفجرين الانتحاريين التابعين لهم ويدعى عبد الرحمن قتل اثنين من كبار الخبراء الأمريكيين وكانت هذه العملية انتقاما لحرق نسخ من القرآن من جانب الأمريكيين الغزاة في قاعدة باجرام العسكرية في شمال كابول". واللافت إلى الانتباه أن العملية الجريئة السابقة تزامنت مع تصاعد حدة الاحتجاجات الأفغانية، على خلفية فضيحة عثور عمال أفغان في 21 فبراير على مصاحف محروقة، بينما كانوا يجمعون القمامة من أمام قاعدة باجرام وتبرير مسئولين أمريكيين الفضيحة بأن معتقلين من طالبان في سجن قاعدة باجرام كانوا يستخدمونها لنقل رسائل فيما بينهم. ففي 25 فبراير، تواصلت المظاهرات الغاضبة لليوم الخامس على التوالي، ولقي خمسة محتجين مصرعهم وأصيب 56 آخرون خلال محاولة اقتحام مجمع للأمم المتحدة في قندوز في شمال أفغانستان. وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية الأفغانية صديق صديقي إن مئات الأشخاص الغاضبين حاولوا اقتحام مجمع يسكنه عمال من بعثة الاستقرار التابعة للأمم المتحدة في أفغانستان، لكن الشرطة منعتهم. وتابع " تجمع المئات من المتظاهرين حول المجمع ومقر الشرطة في المنطقة وأشعلوا الإطارات وهتفوا ضد الولاياتالمتحدة، واندلع اشتباك بين المتظاهرين والشرطة، حين حاولت منعهم من اقتحام المجمع، ما أسفر عن مقتل خمسة محتجين وإصابة ثلاثة من عناصر الشرطة الأفغانية". وفي ولاية لوغار في جنوبكابول، قتل متظاهر أيضا وجرح عدد آخر في اشتباك بين الشرطة الأفغانية ومئات المحتجين الذين هتفوا "الموت لأمريكا"، وطالبوا بانسحاب القوات الأجنبية فوراً. كما حاول محتجون أفغان في 25 فبراير أيضا اقتحام مقر حاكم ولاية لغمان في شرقي البلاد واشتبكوا مع القوى الأمنية، ما أدى إلى إصابة عشرين منهم بجروح، بينهم اثنان في حالة حرجة. ويبدو أن الاحتجاجات في طريقها للتصعيد أكثر وأكثر، خاصة بعد سقوط أكثر من 30 قتيلا بين المتظاهرين الغاضبين منذ تفجر فضيحة "إحراق المصاحف" في 21 فبراير، الأمر الذي يضاعف النقمة ضد قوات الناتو. ورغم اعتذار الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن فضيحة "إحراق المصاحف" على يد جنود بلاده في قاعدة باجرام الجوية، التي تقع شمال كابول وتعتبر أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في أفغانستان، إلا أن إعلان قوات الناتو عن إجراء تحقيقات في انتهاكات سابقة وعدم نشر نتائجها أو معاقبة مرتكبيها دفع الكثيرين من الأفغان للإصرار على الانتقام لانتهاك حرمة مقدساتهم بأنفسهم، ولذا يتوقع انضمام أعداد كبيرة منهم لحركة طالبان، ما يضاعف مأزق أوباما في عام انتخابات الرئاسة الأمريكية. والخلاصة أن فضيحة "إحراق المصاحف" أجهضت مبكرا محاولات أوباما لاستدراج حركة طالبان للحوار لوقف نزيف الخسائر في صفوف القوات الأمريكية وقوات الناتو في أفغانستان، بل إنها عرقلت أيضا خططه للانسحاب بشكل آمن ومشرف من تلك الدولة الآسيوية المسلمة في 2014 بعد أكثر من 10 سنوات من الاحتلال البغيض.