يبدو أن انتقام حركة طالبان من فضيحة "إحراق المصاحف" على يد القوات الأمريكية في قاعدة باجرام العسكرية في شمال كابول لم يتأخر كثيرا, حيث دعت صراحة في بيان لها "المسلمين الأفغان الوطنيين" إلى قتل جنود حلف الناتو. ونقلت وكالة "فرانس برس" عن طالبان القول في بيان لها:" عليكم ( الأفغان) أن تشنوا هجمات باسلة على قواعد قوات الغزاة وقوافلها العسكرية، وأن تقتلوهم وتأسروهم وتضربوهم وتلقنوهم درسا حتى لا يعودوا يجرؤوا بعد الآن على إهانة القرآن الكريم". وتابع البيان "بما أن حماية أرواح المسلمين وأملاكهم من واجب جميع المسلمين، فإنه يجب على المحتجين الأفغان أن يستهدفوا قوات الغزاة ومنشآتهم وليس أملاك الشعب". وبالنظر إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما كانت تعول كثيرا على استدراج طالبان للحوار لوقف نزيف الخسائر في صفوف قواتها, فإن الدعوة السابقة جاءت لتجهض فيما يبدو كافة مخططات واشنطن في هذا الصدد, بل ورجحت أيضا أن الأسوأ مازال بانتظار جنود حلف الناتو في أفغانستان, خاصة في ظل تواصل المظاهرات الغاضبة على جريمة "إحراق المصاحف" وما صاحبها من سقوط أكثر من تسعة قتلى بين المحتجين. وكانت المظاهرات الغاضبة تواصلت في أنحاء أفغانستان منذ 21 فبراير فور الإعلان عن عثور عمال أفغان على بقايا متفحمة لنسخ من القرآن, بينما كانوا يجمعون القمامة من قاعدة باجرام, التي تعتبر أكبر قاعدة جوية أمريكية في أفغانستان. وبدأت شرارة الاحتجاجات أمام قاعدة باجرام, حيث تجمع أكثر من 2000 أفغاني خارج بواباتها, وأخذوا يرددون شعارات معادية للأجانب ويلقون حجارة, هذا فيما أطلقت طائرات مروحية أمريكية قذائف ضوئية لتفريقهم, ما أدى إلى وقوع إصابات بينهم. وسرعان ما امتدت الاحتجاجات إلى العاصمة كابول ومناطق أخرى في أفغانستان, حيث تظاهر حوالى ألف شخص في 23 فبراير في مهترلام عاصمة ولاية لغمان شرق كابول وهم يهتفون "الموت لأمريكا". وهاجم المتظاهرون مبنى فرق إعادة الإعمار التابعة لحلف الناتو في الولاية والذي يضم مدنيين وعسكريين, كما تظاهر حوالى 400 شخص في ضاحية باغرامي جنوب شرق كابول وهم يرددون "يعيش الإسلام يعيش القرآن" و"الموت لأمريكا". ونزل نحو 300 طالب أيضا إلى شوارع جلال آباد في شرقي أفغانستان التي تضم أيضا قاعدة عسكرية أمريكية, وفي أسد آباد عاصمة ولاية كونار شمال شرقي أفغانستان، تظاهر بين 400 و500 شخص وهم يهتفون "نريد محاكمة المسئولين والاعتذارات ليست كافية", وذلك في إشارة ضمنية إلى اعتذار وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا عن الحادثة, التي ادعى أنها لم تكن مقصودة وارتكبها أشخاص غير مسئولين خلال مصادرة مصاحف كانت بحوزة معتقلين من طالبان في سجن قاعدة باجرام بزعم أنها تستخدم لتمرير رسائل بين السجناء. كما سجلت مظاهرات في ولايات الشمال مثل تاخار وبدخشان وبغلان, وفي منطقة شينواري بإقليم باروان شمال كابول مباشرة, قتل ستة أشخاص وأصيب 13 آخرون خلال محاولة المتظاهرين اقتحام مركز الحكم المحلي للمنطقة ومهاجمة الشرطة الأفغانية. ويبدو أن أمريكا بدأت تعيش حالة ذعر على خلفية الاحتجاجات السابقة, حيث أعرب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية مارك تونر عن قلق بلاده البالغ إزاء الوضع الأمني في أفغانستان, قائلا :" إن الاحتجاجات ضد حرق نسخ من القرآن الكريم من قبل جنود في قاعدة باجرام أجبرت السفارة الأمريكية في كابول على تعليق عملها وإعطاء أوامر للعاملين بها بعدم التوجه إليها, إننا قلقون للغاية بشأن الوضع الأمني هناك". والخلاصة أن جريمة إحراق المصاحف في قاعدة باجرام لن تمر مرور الكرام ومن شأنها تشجيع المزيد من الأفغان على الانضمام للمقاومة ضد قوات الناتو, هذا بالإضافة إلى أنها أربكت كافة حسابات أوباما بشأن الحوار مع طالبان لضمان "انسحاب مشرف" من أفغانستان.