رغم مسارعة وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا للاعتذار عن جريمة إحراق مصاحف في قاعدة باجرام العسكرية في شمال أفغانستان، إلا أن ما يجمع عليه كثيرون أن هذه الحادثة لن تمر مرور الكرام، بل ومن شأنها أن تدفع حركة طالبان لإعادة حساباتها فيما يتعلق بموافقتها على إجراء محادثات مع الولاياتالمتحدة في قطر. ولعل ردود الأفعال على جريمة إحراق المصاحف ترجح صحة ما سبق، حيث خرج آلاف الأشخاص في تظاهرة غاضبة أمام قاعدة باجرام، التي تعتبر أكبر قاعدة جوية أمريكية في أفغانستان، فور الإعلان عن عثور عمال أفغان في 21 فبراير على بقايا متفحمة لنسخ من القرآن، بينما كانوا يجمعون القمامة من تلك القاعدة العسكرية . وقال شهود عيان إن أكثر من 2000 أفغاني احتشدوا خارج بوابات عدة للقاعدة العسكرية، التي تقع إلى الشمال مباشرة من العاصمة كابول، وأخذ المتظاهرون يرددون شعارات معادية للأجانب ويلقون حجارة، هذا فيما أطلقت طائرات مروحية أمريكية قذائف ضوئية لتفريقهم، ما أدى إلى وقوع إصابات بينهم. ونقلت وكالة "رويترز" عن أحد المتظاهرين، وهو صاحب متجر قريب من قاعدة باجرام، يدعى زماري القول:" نريد أن يخرجوا من بلادنا الآن"، فيما قال متظاهر آخر يدعى حاجي شيرين :"نحن الأفغان لا نريد هؤلاء المسيحيين والكفار فهم عدو أرضنا وشرفنا وقرآننا، وأدعو جميع المسلمين للتضحية بأنفسهم من أجل سحب هذه القوات من هذه الأرض". واللافت إلى الانتباه أن المظاهرات الغاضبة لم تقتصر على الحشود التي تجمعت أمام قاعدة باجرام، حيث تظاهر آلاف الأفغان أيضا في العاصمة كابول، للتنديد بجرائم قوات الناتو المتواصلة في بلادهم. ومن جانبه، أدان الرئيس الأفغاني حامد كرزاي الحادث وأعلن أنه عين وفدا من كبار رجال الدين للتحقيق في كيفية وقوعه، كما أدانت حركة طالبان بشدة هذا الحادث، ونقلت قناة "الجزيرة" عن ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم طالبان، القول في بيان له :"هذه تقريبا المرة العاشرة التي يحطون فيها من أقدس قيم المسلمين منذ غزو الأمريكيين الحيوانات لأفغانستان". ويبدو أن المبررات التي ساقها المسئولون الأمريكيون ضاعفت من حدة الغضب الأفغاني، حيث نقلت "رويترز" عن مسئول عسكري أمريكي القول :"إن الموظفين في قاعدة باجرام قرروا إزالة الأعمال الأدبية المتطرفة وغيرها من المواد الدينية في مكتبة بمركز اعتقال في القاعدة العسكرية لمنع التواصل بين المعتقلين، إلا أنه جرى التخلص منها بطريقة سيئة". ومن جانبه، اعتذر وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا عن حادثة إحراق المصاحف، قائلا في بيان له :"إننا نعتذر للشعب الأفغاني ونستنكر مثل هذا السلوك بأشد العبارات الممكنة، حلف الناتو أمر بإجراء تحقيق في هذا الحادث المؤسف للغاية". وفي السياق ذاته، اعتذر قائد قوات الناتو في أفغانستان الجنرال الأمريكي جون آلن عن الحادثة، زاعما أن هذا العمل لم يكن متعمداً. وقال آلن في بيان وجهه إلى الشعب الأفغاني :" إن أفراداً في قاعدة باجرام الجوية قاموا بالتخلص بشكل غير لائق من عدد كبير من المواد الدينية الإسلامية بينها مصاحف"، مشيرا إلى أنه فور علمه بهذه الإجراءات تدخل على الفور وأوقفها وأمر بإجراء تحقيق فيها. وبالنظر إلى أن تصريحات المسئولين الأمريكيين السابقة تحاول تبرير حادثة متعمدة تكررت كثيرا في السنوات الماضية، فقد زادت حدة الغضب في صفوف الأفغان تجاه انتهاك القوات الأمريكية وقوات الناتو لحرمة مقدساتهم. بل وهناك من رجح وقوع أعمال انتقامية فورية ضد تلك القوات، خاصة في ظل استمرار سقوط مئات الضحايا المدنيين بسبب القصف العشوائي المتكرر لقوات الناتو وتردد أنباء عن تعذيب معتقلي حركة طالبان في سجن تابع لقاعدة باجرام، بالإضافة إلى أشرطة الفيديو التي تم نشرها مؤخرا على الإنترنت لجنود أمريكيين يتبولون على جثث قتلى من طالبان. وبصفة عامة، فإن جريمة إحراق المصاحف في قاعدة باجرام من شأنها أن تجهض مخطط الرئيس الأمريكي باراك أوباما لاستدراج حركة طالبان للمفاوضات لوقف نزيف الخسائر في صفوف قواته في أفغانستان ورفع شعبيته قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية أواخر هذا العام.