- الغنوشى وإخوان الجزائر فعلا مثل "حزب النور" فلماذا يقع السُباب على برهامى؟ - الإخوان يريدون التصالح مع الدولة - عُرض على الإخوان "5 كراسى" بالحكم لكنهم رفضوا - الداعية لا يسير فى فلك السلطة وإلا سقط وسقطت دعوته - أردوغان يقع فى نفس خطأ عبدالناصر - لتذهب شرعية أى حاكم للجحيم ولتُحقن دماء الناس - القائد الإسلامى الفاشل هو الذى يزج بأبنائه فى السجون - تحالف "السلطان مع القرآن" هو النموذج الأفضل للدول العربية - السلفيون ليسوا عبيدًا لأحد لكنهم أرادوا النجاة لأبنائهم - وزير الأوقاف الحالى قتل الدعوة قتلًا - أين ذهبت القروض السابقة لنأخذ قرض صندوق النقد؟ - الحركات الإسلامية ترفض المراجعة بحجج واهية
فى منزله الكائن بأحد الأحياء غرب الإسكندرية، استقبلنا الدكتور ناجح إبراهيم - المفكر الإسلامى والقيادى السابق بالجماعة الإسلامية - بهدوئه المعتاد وابتسامته التى تظهر خلف الكاميرا كما تظهر أمامها، تحدث عن كل ما يخص الحركة الإسلامية، ولكنه رفض بشكل بات الحديث عن الخلافات بين الجماعات المختلفة أو حتى عن العلاقات الشائكة التى تربطها، مفضلًا الخروج بالحوار من ضيق الفرعيات إلى رحابة الأفكار الرئيسية، وفيما يلى نص الحوار: بصفتك ممن قادوا المراجعات فى الجماعة الإسلامية.. هل تصلح هذه الفكرة الآن مع جماعة الإخوان؟ - لا شك أن فقه المراجعة فقه عظيم، وهذا الفقه لو اهتمت به الحركات الإسلامية أو حتى الدولة لاستفاد الجميع، فالأمة والدولة والحركات الإسلامية والليبراليين واليساريين والبلاد العربية كلها تحتاج لفقه المراجعة، وهذه الفكرة عند الغرب تسمى "آلية النقد الذاتي" وهى السبب فى تقدمه، حتى إسرائيل عقب هزيمة 73 من الجيش المصرى شكلت لجنة لتحديد أسباب الهزيمة، وأصدرت هذه اللجنة تقريرًا اسمه "المحدال" أو "التقصير" باللغة العربية، كما شكلوا لجنة مشابهة بعد هزيمتهم فى جنوبلبنان.. مشكلتنا أننا أمة لم تبحث فى تاريخها حتى الآن فلم نفحص أسباب عزل "محمد نجيب" من الحكم ولا العوامل التى أدت لهزيمة 67 ولا حتى سألنا أنفسنا لماذا وصلت الأمة المصرية إلى ما فيه الآن؟ لكن ما علاقة هذا الأمر بشكل خاص بجماعة الإخوان والحركة الإسلامية؟ - الحركة الإسلامية تدخل من انتكاسة إلى انتكاسة ومن هزيمة إلى أخرى، وتكرر نفس الأخطاء بنفس الطريقة، ولا ينقصها سوى أن يكون المخطئون هم أنفسهم.. نفس ما حدث بعد أحداث 54 تكرر بعد ثورة 25 يناير.. كل الأخطاء تتكرر وكأن الأجيال تتوارثها لأنه لا أحد من أصحاب التجارب السابقة اعترف بخطأ ارتكبه، بل على العكس، يخرج الواحد منهم ليقول للأجيال الجديدة: (الحكومة سيئة وهى التى فعلت بنا كذا وكذا).. على الأقل كان يجب عليه أن يعترف بأخطائه كما يعترف بأخطاء الحكومة لكى يعطى الأجيال القادمة تجربة حية يستفيدون منها، ولذلك أنا من المؤمنين أن الحركة الإسلامية تحتاج للمراجعة أكثر من غيرها، لأن لها 10 أخطاء تتكرر بنفس الطريقة كل عشر سنوات، وكل جيل يفعلها ثم يدخل السجون ويقضى عمره فيها ثم يخرج مستنكفًا ذكر أخطائه.. هذا الفقه أرساه القرآن الكريم في قوله تعالى: "ولا أقسم بالنفس اللوامة"، وكذا أرساه سيدنا سليمان حين راجع أباه في حكم أصدره في قضية "الطفل المتنازع عليه" الشهيرة، كما أن القرآن لم يقسُ على الذي اعترف بخطئه. إذن لماذا برأيك ترفض الحركة الإسلامية المراجعة؟ - الحركة الإسلامية ترفض المراجعة حتى لا يوصم كل جيل بأن تضحياته ذهبت هباءً، أو ينفر عنها الناس أو حتى كي لا يُطعن فى السابقين، وكل هذه حجج واهية، لأن الخطأ يكون على وجهين، إما خطأ اجتهاد وإما خطأ هوى وعناد، وأنا أزعم أن كل الأخطاء التي وقعت فيها الحركة الإسلامية هى أخطاء في الاجتهاد.. كان يجب مثلًا على جيل سنة 48 بالإخوان فحص كل نتاجه وإعلان ما أصاب فيه وما أخطأ، فيقولون مثلًا إنهم أخطأوا في إنشاء "التنظيم الخاص"، ويطالبون الحركة الإسلامية بعدم إنشاء أية أجنحة عسكرية مرة أخرى، ولكن بدلًا من ذلك تجدهم يقولون إن النظام الخاص كان لمقاومة المستعمر، وهذا صحيح، لكنْ جزء آخر من التنظيم قام بقتل النقراشى والخازندار، فضلًا عن قتل بعض القاطنين من اليهود وغيرهم.. ولو كانت هذه التجربة حُررت وعُرف صوابها وخطؤها وكذلك تجربة الجماعة الإسلامية، والجهاد، والفنية العسكرية لكان وضع الحركة الإسلامية أفضل الآن، وبالتالى أنا أرى فقه المراجعة نافع أبد الدهر، وكما نفع مع "الجماعة الإسلامية" يمكن أن ينفع مع الإخوان الآن ومع الأجيال القادمة أيضًا. ما الذي استفادته الجماعة الإسلامية من المراجعة؟ - أفضل ما فعلناه في الجماعة الإسلامية أننا قلنا: "نحن سنراجع نفسنا أولًا"، ولما فعلنا هذا قامت الحكومة - هى الأخرى - بمراجعة نفسها بدون طلب منا، نحن أوقفنا العنف، فهم أوقفوا التعذيب والمعاملة السيئة في السجون والقبض العشوائي واحتجاز الأقارب كرهائن، وتراجعوا عن جميع الممارسات السيئة، لذلك دائمًا أقول: "راجع نفسك أولًا" وسوف يضطر الطرف الآخر لمراجعة نفسه وإلا سيفتضح أمام العالم. إذن هل ترى أن ما تفعله الدولة على مر العصور فى الإسلاميين هو مجرد رد فعل لأفعالهم؟ - هناك خصومة تتجدد كل فترة ما بين الإسلاميين والدولة، هذه الخصومة لم تكن موجودة قبل اغتيال "النقراشي"، أي أنها بدأت حينها خاصة بعد مقتل "الخازندار" وتكوين النظام الخاص، هذه الخصومة توقفت بعد ثورة يوليو وحدث وئام بين الإخوان وعبدالناصر، ثم حدث نزاع بينهما على السلطة وتربَص كل منهما بالآخر، والذكي مَن لا يخطئ أولًا، ولذلك عبدالناصر كان يعلم أن الإخوان سوف تبدأ بالخطأ أولًا ومن ثم استغل خطأها، لكن هذا لا يعنى أن الحكومة بلا أخطاء، فهى تقوم بالتعذيب وتأخذ الناس بالشبهات، وتقبض على الأقارب وتسيس القضايا، وكل الحكومات تفعل هذا من الأربعينيات وحتى الآن. كيف تتفادى الحركة الإسلامية هذه الممارسات؟ - تستطيع الحركة الإسلامية تفادى هذه الممارسات بشرط ألا تصطدم بالدولة ولا تمارس العنف وحتى ولو ظُلمت أو سُجنت، لأن العنف سيبرر المزيد من العنف والتعذيب والإجراءات الاستثنائية. ما الأخطاء التي وقعت فيها جماعة الإخوان؟ - الخطأ الأكبر أنها أرادت أن تأكل كعكة الحكم وحدها، وحين أكلتها لم تستطع أمعاؤها أن تتحملها فحدث لها "انسداد معوي" منعها من أن تهضمها كما منعها من أن تعيش وهذا أدى إلى "موت إكلينيكي" للجماعة.. القاعدة التي أؤمن بها: "لا تأخذ كل شيء فتفقد كل شيء"، لا سيما وأن الجماعة أعلنت عدم ترشحها للرئاسة فى البداية، كان الأولى وقتها أن تترك الرئاسة ورئاسة الحكومة، وسنحت فرصة أخرى للجماعة تتمثل فى الانتخابات الرئاسية المبكرة، كان يمكن أن تفعل مثل سيدنا "الحسن" وتكون هذه الفكرة طوق النجاة لك ولجماعتك.. والخطأ الثانى عدم تفعيل فقه "المصالح والمفاسد"، فراشد الغنوشي استعان بهذا الفقه حين قال: "أن أكون بالمعارضة خيرًا من أن أكون بالسجن"، وبالتالي أنت في مصر كان يمكن أن تكون الثانى أفضل من تكون الأول فتودي بنفسك إلى السجن.. والخطأ الثالث هو الظن بأن اعتصام "رابعة" هو الذى سيعيد الدكتور مرسى للرئاسة.. أو أنه لن يُفض بالقوة، بدلًا من هذا كان "بيدى لا بيد عمرو".. أى أنه كان الأفضل أن تطلب من المعتصمين الرحيل فيرحلوا سالمين كي لا تعطى آية مبررات للدماء. والخطأ الرابع هو فكرة "الشرعية أو الدماء".. فحقن الدماء أعظم من الشرعية، ولتذهب شرعية أي حاكم للجحيم لتُحقن دماء الناس.. كل هذه الأخطاء كانت تحتاج للمراجعة، ومنها خطاب منصة رابعة الذي كان مأساة، وفضها كان مأساة أيضًا، وكلاهما أدى للآخر . هل هذا معناه أن مرسى لو كان قد دعا لانتخابات مبكرة لأصبح سالمًا هو وجماعته؟ - كان هذا طوق النجاة لهم، وكان الأولى ألا يرشحون أحدًا للرئاسة لكنه ترشح ولاح أمامه كل شيء ووجد الصعوبات فكان يجب عليه أن يفعل مثل الحسن بن على.. لم يكن هناك سوى خيارين أمام الدكتور مرسى، وقلت له هذا الكلام قبل 30 يونيو، الخيار الأول هو خيار "الحسن بن علي" أى التنازل عن السلطة لحقن الدماء، والخيار الثانى هو الحرب الأهلية الجزائرية، وقد حدث مثلها بمصر، فلدينا الآن حوالى 40 ألف سجين، ومئات القتلى والجرحى ومازال المسلسل دائرًا.. كل هذا كان يمكن أن يتوقف بكلمة واحدة، فالحسن بن على كان أولى من سيدنا معاوية وكان يحكم نصف الكرة الأرضية ويستطيع هزيمة النصف الآخر لكنه أراد أن يحقن دماء الناس، والله عوضه بأن جعل له السيادة فى الدارين.. ورأيي أن القائد العظيم فى الحركة الإسلامية هو الذى يُخرج الناس من السجون، والقائد الفاشل هو الذي يزج بهم فيها، ليس بطولة للقائد أن يدخل عشرات الآلاف من مؤيديه - أو حتى من خصومه - للسجون والقبور. كثير من الإخوان يشككون في هذه الفرضية ويدللون على ذلك بأن بعض الذين شاركوا فى 30 يونيو وهتفوا ضد "حكم المرشد" هم الآن بالسجون مع أول بادرة لاختلافهم مع السلطة القائمة؟ - يجب على كل إنسان أن يفعل ما عليه، وما يحفظ دماء أبنائه وألا يمارس العنف، فإذا أتى هذا بنتيجة جيدة كان بها فأنت قد حفظت أبناءك من الدماء، ولكن كيف أتشبث ب"الشرعية" برغم ضياعها وبخاصة أن الرئيس في السجن؟، ولو تنازلوا فعلى الأقل لم تكن كل هذه المفاسد قد تحققت مثل وجود 40 ألف سجين وآلاف القتلى والجرحى ولم يكن هذا الصدام ليحدث. ما النظرية المناسبة التي يمكن أن تحكم علاقة الإسلاميين بالسلطة؟ - النظرية التى نريد الوصول لها هى أن يتحالف الإسلاميون مع أهل الحكم، بحيث أن يكون لهم الدعوة والهداية، وأهل الحكم لهم السلطة، مثل نموذج "العز بن عبد السلام" و قطز أو صلاح الدين الأيوبى والقاضى الفاضل، أو حتى حكام السعودية وآل عبد الوهاب.. هذا النموذج يسمى "تحالف السلطان مع القرآن" وهو أفضل نموذج يمكن أن يصلح مع البلاد العربية.. لكن صدام أهل الدعوة مع أهل الحكم سيؤدى بأهل الدعوة للسجون وسيؤدى للاستبداد والتعذيب وكل المآسى التى تحدث، وفى النهاية أهل القوة سينتصرون.. والله لم يفرض على الإسلاميين أن يحكموا بأنفسهم.. وإنما المطلوب منهم أن يصلحوا فى المجتمع قدر الإمكان حتى ولو غيرهم هو الذى حكم.. لكن أن يكون الدعاة دائمًا فى السجون؟ هذا سيؤدى للإضرار بالدعوة. هل تعنى فكرة "المراجعة" التماهى مع الدولة المصرية فى جميع قراراتها؟ - أنت تراجع نفسك كى لا يحدث صدام.. وليس معنى هذا أن تكون تابعًا للسلطة.. فأفضل شىء للداعية ألا يدور فى فلك السلطة وفى نفس الوقت لا يصطدم بها لأنه لو اصطدم بها سوف يُمنع من كل شىء.. وإن سار فى فلكها سقط وسقطت دعوته وهذا هو المطلوب من الحركة الإسلامية لأنها لو اصطدمت بالسلطة فسوف تقهرها وتسجنها والناس سوف يصفقون، والملاحظ أن الصدام المسلح للحركة الإسلامية المتكرر هو الذى يكرس الاستبداد ويعطى مبررات لكل السوءات.. نحن لا نريد حركة إسلامية خادمة للسلطة أو ذليلة عندها ولا نريدها تصطدم بالسلطة.. لأن أى حاكم لن يقبل من أى أحد أن يزحزحه من كرسيه، وخاصة أن الحركة الإسلامية بها فصيل عنيف وآخر غير عنيف، فتجد هذا يعمل ضد الحاكم بالفيس بوك.. وهذا يعمل ضده بالسلاح والآخر يعمل بالمتفجرات .. فالحركة الإسلامية تخيف أى حاكم.. ونحن نريد حلًا وسطًا فنريد دعاة يقولون كلمة الحق لكن لا يكون هدفهم إزالة نظام الحاكم وإقامة غيره . ما رأيك فى تجربة حزب "النور" وخاصة بعد انحيازه للدولة المصرية في3 يوليو؟ - كان الأفضل لحزب النور من البداية أن ينأى بنفسه عن السياسة، والدعوة السلفية التى يتبعها الحزب لها مميزات كثيرة، أهمها أنها لم تستخدم العنف أبدًا لا مع السلطة ولا غيرها، ولم تكفر أحدًا مطلقًا، والمٌلاحظ أن "التكفير والتفجير" هما الخطآن اللذان يؤديان إلى جميع المفاسد.. أما عن انحيازها لسلطة الثالث من يوليو فهى أرادت بها أن تنجى أبناءها.. وهى ليست عميلة لأحد كما يتصور الناس.. وهذا ليس دفاعًا عنها، ويكفى أنها تُشتم ليل نهار ولا ترد.. وإذا أراد البعض أن يثور فليثر وليترك للناس خياراتهم، ولكن هل تريد أن تصطدم ويصطدم الجميع معك؟.. هل بهذا المنطق لنا الحق فى الجماعة الإسلامية أن نغضب لأن جماعة الإخوان رفضت أن تساندنا فى الصدام مع مبارك؟.. بل أن الإخوان كانوا مع مبارك ضدنا.. وأقول الآن إن موقفهم حينها كان صحيحًا.. إذن السلفيون ليسوا عبيدًا للسلطة ولكن قادتهم أرادوا حماية أبنائهم من مهلكة كبيرة تحققت بالفعل، والطرف الآخر كل نتاجه أن زج بأبنائه فى السجن وتسبب فى دماء كان يمكن تجنبها، فعلى الذين يلومون حزب النور أن يلوموا أنفسهم.. قالوا إن مرسى سيعود يوم الأحد فلم يعد.. وقالوا إن رابعة ستعيده ولم يعد.. وقالوا إن السلطة لن تستطيع فض رابعة بالقوة فتم فضها.. وهى مأساة يتحملها أصحاب خطاب منصتها الاستعلائى التفكيرى.. ومن قاموا بعملية الفض نفسها. لكن السؤال كان منصبًا على تقييمك لتجربة الحزب نفسها؟ - دعك من تقييمى لكن يجب أن نترك للناس خياراتهم .. هل يستطيع أحد أن يلوم راشد الغنوشى فى تونس؟.. هل يستطيع أحد أن يلوم حركة حماس الإخوانية بالجزائر برغم أنها فعلت نفس ما فعله حزب النور وكان الإخوان يؤيدونها.. لكل جماعة أن تختار أى اختيار ولو كان الاختيار الأضعف كى تكتب النجاة لأبنائها.. وبرغم الاصطدام الذى صنعه الإخوان سيصلون للتصالح مع الدولة، وهم يريدون التصالح الآن.. فلماذا كانت هذه الدماء؟. هل هذه معلومات أم تحليل؟ - كان معروضًا على الإخوان قبل ذلك خمسة كراسى فى الحكم لو كانوا قبلوا الانتخابات المبكرة، لكن ما أريد قوله إن القائد يختار لأبنائه الأيسر مثلما فعل الغنوشى فلماذا نسُب ياسر البرهامى ليلًا نهارًا ونهيل عليه التراب، بينما نصف الغنوشى بالحكمة والعقل مع أن الاختيارين متشابهان .. فالغنوشى قال: "لئن نكون فى المعارضة خيرًا من أن نكون بالسجن"، هكذا حافظ على الحكم المدنى ببلده.. ولو كان فعل مثلما حدث فى مصر لكان هناك حكم آخر بتونس . إذًا كانت أطروحاتك دائمًا تنصح الإسلاميين بالانتظار للمرحلة المناسبة للوصول للحكم .. فالبعض منهم يقول إن الوضع الإقليمى والدولى لن يسمح أبدًا بحكمهم.. فهل ينتظرون إلى ما لا نهاية؟ - المنوط بك أن تعبد الله، ولم يلزمك أن تحكم، كما لم يفرض على الحركة الإسلامية أن تتولى السلطة، دورك إصلاح المجتمع والسير بالتدرج، وأفضل نموذج للتدرج هو رجب أردوغان، الذى لم يستطع أن يفعل أى شيء مع الجيش إلا بعد 13 سنة من حكمه لكن الحركة الإسلامية المصرية من أول سنة أرادت كل شيء ولم تستفد من تجربة أردوغان الذى أشرك كل التيارات فى الحكم من بدايته حتى أصبح حزبه نموذجًا اقتصاديًا إداريًا دوليًا ودخل فى شراكات كثيرة جدًا مع العلمانيين والناتو وأمريكا لكن نحن لم نفعل ذلك.. أردوغان قدم إصلاحًا اقتصاديًا كبيرًا ببلاده.. أما أنت فلم تقدم أى شيء للشعب فمن الصعب أن تجد لنفسك ظهيرًا شعبيًا أو داعمًا فى الجيش. ما رأيك فى تجربة أردوغان فى الحكم؟ - تجربة أردوغان مقسمة لقسمين، الأول يمكن أن نسميه "تركيا = صفر مشاكل" وهذا القسم تمثل فى دولة متحضرة لها علاقات جيدة مع جميع جيرانها تملك نموذجًا جيدًا فى الاقتصاد والإدارة المحلية ومحاربة الفساد والتطور التقنى والصناعى والسياحى.. باختصار كانت الدولة التركية تمثل نموذجًا واعدًا، كما اعتمد على تصفير المشاكل فى الداخل والخارج، بالإضافة إلى تحالفه مع غالبية الأحزاب حتى يستطيع الحكم بأغلبية مريحة. وما هو القسم الثانى من تجربته؟ القسم الثانى، بدأ مع تدخل أردوغان فى المشاكل الإقليمية وفى الشرق الأوسط، فبدأ ينقض عهده مع الأكراد ويحاربهم بالرغم من تصالحهم سابقًا، ثم تدخل فى الشأن السورى وهذا أدى إلى نشأة داعش التى أجهضت الثورة السورية واستعدت الناس ضدها وجعلتهم يعودون لتأييد بشار، وتسببت فى تدمير سوريا كلها.. ولو تخيلنا أن سوريا لم يحدث بها ثورة فكان وضعها سيكون أفضل من هذا بكثير، فبشار كان وقتها يظلم 10 آلاف شخص، الآن صار يظلم 12 مليونًا. لكن البعض يقول إن هذه التدخلات كانت لمصلحة الشعب السورى؟ أردوغان أراد إسقاط الأسد ففشلت التجربة، وداعش - التى رعتها تركيا فى البداية بشراكة أمريكية و فرنسية - أصبحت خطرًا عليها وعلى العالم، كما أن أردوغان تدخل أيضًا فى الشأنين العراقى والكردى، وكل هذه التدخلات لم تكن فى مصلحة تركيا وإنما لمصلحة حزب الناتو وأمريكا، ثم اصطدم مع روسيا ومصر، وفى واقع الأمر لم يكن هذا لمصلحة الشعب السورى وإنما لإسقاط الأسد وحزب الله وإزاحة نفوذ إيران التى تمثل خطرًا على إسرائيل، لكن المشكلة أن إسرائيل استراحت والمنطقة كلها تعبت، وسوريا سوف يتم تقسيمها.. والفائزان الوحيدان هما إسرائيل وإيران.. خلاصة الأمر أن أى حاكم لدولة يريد الخروج بها إلى ثوب الإمبراطورية فسوف يؤدى بها إلى انتكاسة وهذه مشكلة أردوغان الكبرى التى تكررت مع عبد الناصر بمصر ومع صدام بالعراق، حتى أمريكا نفسها حين حاربت فى أفغانستان والعراق كادت أن تنهار اقتصاديًا. ما تأثير الانقلاب العسكرى الفاشل على تركيا؟ - سواء كان الانقلاب فى تركيا فشل أو نجح فقد أضر بها، فعلى الرغم أن فشله أعطى أردوغان قوة، لكنه سوف يضرها اقتصاديًا وسياسيًا ويحولها من نموذج يحتذى به إلى دولة مثل دولنا العربية التى يحدث بها انقلابات وصراعات وإغلاق جامعات وتعميم العقاب والمسئولية وأخذ الناس بالشبهات، فأردوغان يقع فى نفس الخطأ الذى وقع فيه عبد الناصر الذى حاول 4 أشخاص اغتياله فقبض على 24 ألف شخص.. أى منطق هذا؟ .. فلا يصح أن يدبر البعض انقلابًا فاشلًا فتعاقب فصيلًا كاملًا يفيد تركيا ورئيسه كان أستاذك، والإخوان وأربكان والعدالة والتنمية كانوا يمدحون "كولن" والآن هؤلاء جميعًا يشتمونه ويقولون إن جماعته إرهابية.. فلا يوجد ما يسمى "جماعة إرهابية" بأسرها. ما أسباب محاولة الانقلاب على أردوغان؟ - أولًا هى محاولة ساذجة وفاشلة، وهؤلاء يريدون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وهم صبغوا انقلابهم بالدماء، ولم يكن أحد سوف يؤيده حتى أمريكا و أوروبا، وعلى فرض أنهم أيدوه فكان سيفرضون على النظام الجديد أن يسير بطريقة ديمقراطية لأن تركيا لا تتحمل دكتاتورية باعتبارها من دول أوروبا، لكن أردوغان أخطأ فى أنه حاول تقليد الرئيس الروسى "بوتين" فى تبادله المناصب مع رئيس الوزراء "ميدفديف".. هذه التجربة فاشلة وتصلح فى الدول الدكتاتورية مثل روسيا.. وهذا قد يكون سببًا. ما رأيك فى التغييرات التى يجريها أردوغان فى الجيش؟ - لا أعرف تفاصيل هذه التغييرات، لكن عمومًا إذا هو قلد الدول الشرق أوسطية فى تعميم العقاب وأخذ جماعة كبيرة بجريرة مجموعة صغيرة، أو أغلق 10 جامعات أو صادر جماعة الخدمة التى أفادت تركيا فهذا خطأ.. لا يجب على أردوغان تقليد الدول العربية وإلا فما الفرق بينه وبينهم؟ .. إن هذا نفس ما فعله عبد الناصر بالإخوان.. من أدين فى الانقلاب - فقط - هو الذى يجب أن يُحاسب. الحكومة بصدد الحصول على قرض من صندوق النقد الدولى.. ما رأيك فى هذه الخطوة؟ - الدول التى تستدين تؤكد أن لديها ضعف فى إدارة مواردها.. فالصين وتركياوإيرانوسوريا قبل الثورة ليس عليهم ديون.. كيف صنعت هذه الدول طفرتها وكيف طورت مواردها ؟.. هذا يؤكد أن لدينا خللًا فى منظومة إدارة مواردنا وخللاً فى الشعب والمؤسسات الاقتصادية.. والفكر الاقتصادى عمومًا لدينا مهترئ وهذا يحتاج لمراجعة.. لست متخصصًا فى الاقتصاد لكنى أوقن أن مصر فيها من الخيرات والموارد ما يكفيها ويزيد.. أما بالنسبة للقرض، فعلينا أن نسأل أنفسنا: أين ذهبت القروض الأولى؟ وأين أنفقت؟.. هذا القرض سيأتى لزيادة معاناة المصريين.. وهناك الكثير من الحلول البديلة صنعتها دول أخرى وعلينا أن نهتدى بها. كيف تتغلب الدولة على ما يسمى "ولاية سيناء"؟ - الدولة تستخدم القوة فقط فى المواجهة، لكن يجب أن تستخدم التنمية الصناعية والزراعية بسيناء، وتغير الطبيعة الديمغرافية لها بتحويلها من طبيعة قبلية عشائرية إلى طبيعة مدنية عصرية مثلما فعلنا بالوادى الجديد وغيره، هكذا نضخ هناك 5 ملايين ساكن ونوجد الكثير من الوظائف ويأتى أناس من شتى مناطق مصر، ومن يحمل السلاح فقط تستخدم القوة ضده أما ما دون ذلك يمكن الحوار معه.. لكن استخدام القوة مع الجميع خطأ. لماذا رفضت فكرة "الخطبة المكتوبة"؟ - هذه الفكرة تدل على عدم ثقة وزارة الأوقاف فى خطبائها وفيها حجر على هؤلاء الناس وإلغاء لشخصياتهم، والأمر الآخر أنه إذا كانت الخطبة موجودة على موقع الوزارة فلماذا أكلف نفسى وأحضرها؟".. وهذا النوع من الخطب لا روح فيه ولا يؤثر فى أحد فهى خطبة نمطية لا قيمة لها.. ثم السؤال الأهم: هل كان الشعراوى سيصبح الشعراوى أو الغزالى أو غيرهما سيسمع لهم أحد لو كانوا يقرأون من ورقة؟.. كيف تكون هناك خطبة موحدة تصلح للتجمع الخامس ومدينة نصر وفى نفس الوقت تصلح للقرى فى الصعيد؟.. فلو كانت الخطبة عن الادخار مثلًا بينما هناك حادث بالقرية وعشرة جثث بالمسجد فكيف أتحدث عن الادخار؟ .. كل مكان له دعوته التى تصلح له . ما هى مشكلة قادة الأوقاف؟ - مشكلتهم أن أعينهم على رضاء السلطة أكثر من البحث عن هداية الخلائق والتركيز على الدعوة.. فالوزارة لم تستشر 80 مليون مصلى فى هذا الأمر وبينهم أطباء وأساتذة جامعات.. وكأنهم حيوانات، فصلاة الجمعة نداء من الله وليس من وزارة الأوقاف ولو كان منها لما استجاب له أحد.. آخر شىء فى الدعوة متاح الآن هو خطبة الجمعة وهم يريدون تدميرها فلا توجد أية أنشطة دعوية أخرى وقتلت المساجد قتلًا.. فلا يمكن أن تقارن بين صلاحيات القسيس فى الكنيسة وصلاحيات الإمام فى المسجد.. وأقول إن الوزير الحالى قتل المساجد وقتل الدعوة.. ووزارة الأوقاف عمومًا فشلت فى مهمتها فى حفظ الأوقاف التى تُقدر بمئات المليارات، وفشلت أيضًا فى الدعوة . تقصد عمومًا أم فى عهد الوزير الحالى؟ - لا عمومًا.. ولكن أسوأ عهد للدعوة هو عهد الوزير الحالى. هل تريد قول شيء فى النهاية؟ - أريد القول إن البعض فى الحركة الإسلامية يفكر أنه لابد أن يكون فى الحكم أو فى السجن، وأنا أقول: ألا يوجد خيار ثالث يسمح لنا أن نحمل الدعوة والهداية وفى نفس الوقت لا نكون فى السجن؟ بمعنى أن نؤدى رسالتنا الدعوية دون أن يشعر الحاكم أننا نريد سحب الكرسى من تحته، فإذا ظلمنا بإرادته دون أن نبدأ بالعنف فلله الأمر من قبل ومن بعد.