سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
انهيار مستقبل الإسلام السياسى فى مصر.. عمار: ثلاثة سيناريوهات أمام الإخوان.. الهلباوى: على "الجماعة" اعتزال العمل السياسى 10 سنوات.. بشير: الإخوان لم يفيقوا من صدمة السقوط
يواجه تيار الإسلام السياسي في مصر تهديدًا كبيرًا بالانحسار وخاصة بعد سقوط جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية في آتون الصراع الدامي الذي رفضه الشعب المصري، مبتعدًا عن دعم الجماعات التي كانت السبب في تأجيج الصراع داخل مصر. يرى الدكتور عمار على حسن، الباحث في علم الاجتماع السياسي، أن مصر صنعت جماعة الإخوان المسلمين سنة 1928 فصنعوا ظاهرة "الإسلام السياسي" في العالم بأسره، إما انسلاخا منهم أو تأسيا بهم أو مضاهاة لهم أو امتدادا لجماعتهم التي جعلت مقصدها ما تسميه "أستاذية العالم" فساحت في الأرض وراء هذا الحلم بعيد المنال. وأوضح "عمار" وبانكسار جماعة الإخوان بعد إزاحة حكمهم في مصر، تتعرض فكرتهم للانطفاء، وتتساقط شعاراتهم الأخلاقية، ويتصدع تنظيمهم، ما يفتح بابا واسعا أمام أسئلة منطقية عن مستقبل الإسلام السياسي برمته، لاسيما أن سقوط الإخوان في مصر تبعه مظاهرات لأعضاء التنظيم في بلدان شتى. وتابع خلال حديثه ل "فيتو ": لكن قبل الإجابة عن هذا السؤال علينا أن نجيب عن تساؤل مبدئي أو أولي هو: أي سناريوهات مطروحة أمام الإخوان أنفسهم في الوقت الحالي؟.. بالقطع ليس الجواب سهلا مع استمرار حالة "الالتهاب العاطفي" للجماعة بعد إسقاطها عن الحكم، وظاهرة التصريحات المتضاربة التي تتوازى مع العودة شبه الكاملة إلى "العمل السري"، لكن يمكن أن نصل إلى تحديد هذه المسارات من خلال استقراء الطريقة التي يفكر بها الإخوان، والتي ندركها من قراءة تاريخهم، والسياق الراهن الذي يحيط بهم، والارتباطات والرهانات الدولية عليهم، والتي جعلت إدارة أوباما تستثمر فيهم الكثير، لتوظيفهم في خدمة المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبناءً على هذا يمكن القول وفقا ل الدكتور " عمار ": إن الإخوان بصدد السير في واحد من هذه الدروب، أو التقاط واحد من هذه الخيارات: خيار إلى الأمام: ويعني مراجعة الأفكار والأدوار وإبداء الاعتذار عما اقترفته الجماعة في حق الشعب المصري من أخطاء أثناء تواجدها في الحكم، وبتقديم تصور جديد يؤلف بين الجماعة وبين فكرة "الوطنية" ويظهر إيمانها الجازم بالتعددية السياسية والفكرية وتداول السلطة، وقطعها بأن الديمقراطية لا تعني فقط "صندوق انتخاب" إنما هذا مجرد إجراء من حزمة إجراءات يجب أن تواكبها قيم ونسق للحرية الشخصية والعامة والتسامح والانفتاح وتكافؤ للفرص واحترام حقوق الإنسان، وكذلك إعادة ترتيب صفوف الجماعة بما يقود إلى تنحية القادة المنحدرين من "التنظيم الخاص" الذي مارس العنف والإرهاب ويتقدم بالإصلاحيين على حساب المنتمين إلى أفكار سيد قطب التكفيرية. وبعد هذا يمكن للمجتمع أن يعيد بشكل طوعي دمج الإخوان، فكرا وتنظيما، ولن يبقى سوى وضع هذا التنظيم تحت سلطان الدولة، مراقبة ومحاسبة، وليس إبقائه على صيغته الحالية، وكأنه دولة داخل الدولة. خيار إلى الخلف: وهو الدخول في مواجهة عنيفة وأعمال عدائية وإرهابية ضد المجتمع ومؤسسات الدولة، وفي مطلعها القوات المسلحة، انتقاما من إسقاط سلطة الإخوان، ورغبة في إفشال السلطة التي حلت محلهم، وإرهاق الدولة وإنهاك قواها، وإجبار أهل الحكم على تقديم تنازلات جذرية أو فارقة. موضحًا أن هذا الخيار يعني ببساطة انتحار الإخوان، لأنه لا يمكن لتنظيم أن ينتصر على شعب، أو يهز أركان دولة راسخة مثل مصر، لديها تجربة في التعامل مع الإرهاب، وسبق لها أن انتصرت عليه غير مرة. وعن خيار الثالث أمام جماعة الإخوان هو "الثبات في المكان" وبمقتضاه يدخل الإخوان في تفاوض مع السلطة الجديدة، يعيدهم إلى الحياة العامة تحت طائلة المشروعية القانونية والشرعية السياسية، فيخوضون غمار الانتخابات البرلمانية والمحلية وربما الرئاسية، ويظهرون تسليمهم التام بما جرى، لكنهم يبطنون عكس ذلك من خلال تمويل وتحريك بعض التنظيمات التكفيرية التي تمارس الإرهاب لاستنزاف الدولة. ويتطلب الشق الأول من هذا الخيار الإبقاء على "حزب الحرية والعدالة" الذراع السياسية للإخوان تحت طائلة الشرعية، أما إذا صدر حكم قضائي أو غيره بعزل الإخوان وحل حزبهم، مثلما يطالب البعض، فإن الجماعة ستعود إلى ما كانت عليه قبل قيام ثورة يناير. وأضاف عمار: أن الإخوان لن يذهبوا إلى الخيار الأول، لأنه يبدو صعبا على قيادات تكلست وشاخت في مواقعها وتتوهم أن ما في رءوسها من أفكار يجسد الطريق المستقيم، وتعيش في "مازوخية سياسية" دائمة من خلال استحضار "المظلومية" والحديث المستمر عن "الاضطهاد" بغية جلب تعاطف جديد من الناس. لكن ربما يتزايد بمرور الوقت حجم المقتنعين بهذا المسار في صفوف الإخوان، من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من ميراث الجماعة، وربما تنجح حركات من قبيل "إخوان بلا عنف" و"أحرار الإخوان" التي تطالب بسحب الثقة من القيادة وتطهير الجماعة من الداخل في جذب مزيد من الأتباع، بما يجبر القادة على التراجع، أو يسقطهم، ويرفع مكانهم قيادات جديدة إصلاحية، تكون قد استوعبت الدرس جيدا، وآمنت أن عباءة تنظيم الإخوان أضيق بكثير من أن تستوعب طاقة المصريين، بينما مصر بوسعها أن تهضم التنظيم وعليه أن ينضوي تحت رايتها، ويستجيب لمقتضياتها ورهاناتها وإمكاناتها المادية والروحية. كما أن الخيار الثاني مكلف ومتعب، فالإخوان يدركون جيدا جوهر المحن التي مروا بها حين اصطدموا بالدولة، وخصوصا المؤسسة العسكرية، والتجربة ذاتها يعيها حلفاء الإخوان، ولاسيما "الجماعة الإسلامية" التي رفعت السلاح ضد نظام حسني مبارك، فانهزمت وراجع قادتها أفكارهم حتى يمكنهم الخروج من السجون. وقال: الصدام سيؤدي إلى اتساع الهوة بين الإخوان والمجتمع، ويزيح صورتهم في المخيلة الشعبية من أعضاء "الجماعة الدعوية" أو "التنظيم السياسي" إلى "العصابة الإجرامية" أو "المجموعة الإرهابية"، ولهذا كلفة باهظة على صورة الإخوان التي اهتزت بقسوة حين أصيب الناس بالصدمة من الفجوة المتسعة إلى أقصى حد بين أقوالهم وأفعالهم. وأضاف: غالبا ستختار الجماعة الخيار الثالث، وهو الثبات في المكان، وتتوقف حاجتها إلى تحريك أدوات العنف التي تمولها على الظرف المتجدد الذي تعيشه، وعلى قدرة أجهزة الأمن على اكتشاف هذا المخطط والتعامل معه باقتدار، وعلى رد فعل المجتمع والقوى السياسية والنخب الفكرية على هذا إن قُدِّمت أدلة عليه، وكذلك على مدى وجود رهانات خارجية على الإخوان لزعزعة الاستقرار في مصر من عدمه، وأيضا مفاضلة قيادات الجماعة بين الغرم والغنم الناجمين عن انتهاج هذا المسلك. في كل الأحوال وأيا كانت الخيارات، فإن سقوط حكم الإخوان في مصر، يضيف محنة جديدة إلى تيار "الإسلام السياسي" لاسيما أن الإخفاق هذه المرة وقع للجماعة الأم، وفي الدولة المركزية للحركات الإسلامية في الزمن الحديث والمعاصر. فعلى مدى العقود التي مضت كلما استدعى أحد فشل تجارب الحركات والتنظيمات المسيسة ذات الإسناد الإسلامي في السودان والصومال وأفغانستان وباكستان والجزائر وغيرها، كان الرد عليه جاهزا: مشروع الإخوان مختلف، وليس أي تجربة من هذه تجسد شعار "الإسلام هو الحل" كما رأته الجماعة الأم وتصورته وتطرحه. لكن حين وُضع الإخوان في التجربة بأن إخفاقهم أسرع مما تصور مناوئيهم ومواليهم على حد سواء. وتابع: لكن هذا لا يعني أن الإخوان، ومعهم أغلب فصائل الإسلام السياسي، سيعترفون بالخطأ الواقعين فيه، والذي ينحدر بهم إلى حد الخطيئة، وهم لن يقروا بأن فصل الدين عن السلطة ضرورة، وأن ما يطرحونه ينفر منه مجتمع عصري حتى لو كان متدينا، مثل المجتمع المصري، بل على النقيض من هذا تماما أخذوا ينكرون ما جرى، ويغضون البصر عن عشرات الملايين من المحتجين الذين فاضوا طوفانا بشريا في الشوارع ليسقطوا الإخوان عن الحكم، ويركزون فقط على نقطة تدخل الجيش، ليسوقوا الأمر على أنه انقلاب عسكري، بما يمهد الطريق أمام ما سيقولونه لاحقا من أن مشروعنا لم يُمنح الفرصة كاملة، وأن أعداء الإسلام هم من سعوا إلى التخلص منه سريعا، وأن جعبة الإخوان كان بها الكثير لكن أحدا لم يمهلهم كي يخرجوا كل ما فيها. وقال عمار: جميع هذه المزاعم لا ترمي إلى الإبقاء على تنظيم الإخوان متماسكا حول مظلومية جديدة فحسب، بل لتبقى على ادعاءات "الإسلام السياسي" قائمة، وتجذب إلى صفوفه زبائن جددا من الأجيال اللاحقة، التي لم تشهد أو لم تع على الوجه الأكمل فشله الذريع في الحكم والإدارة، وعدم تمكنه من ترجمة شعاراته البراقة إلى خطط عمل تنهض بالواقع. لكن هذا المسلك التحايلي كما وصفة - الباحث السياسي - لن يعوض الخسارة الفادحة التي منى بها هذا التيار بشتى فصائله وجماعاته، جراء سقوط سلطة الإخوان في مصر، ولن يحول بسهولة دون تفادء آثار الهزيمة الاستراتيجية التي لحقت به، وقد يجبر أنصار "الإسلام السياسي" بعد أن تذهب السكرة وتأتي الفكرة إلى ضرورة مراجعة الأفكار والأدوار، والانتقال من سجن التاريخ البعيد التي يتصورونه خيرا خالصا، إلى فضاء الواقع المعيش بأفراحه وأتراحه. من جانبه، قال "كمال الهلباوى " المفكر الإسلامى والقيادى السابق بجماعة الإخوان المسلمين: إن تيار الإسلام السياسي يواجه أزمة حقيقية عقب انهيار نظام الإخوان المسلمين هذه الأزمة رأى المفكر الإسلامى أنه يمكن تناولها بأن يتجه الإسلاميون للبعد عن العمل بالسياسة لمدة لا تقل عن 10 سنوات على الأقل حتى يستطيعوا استعادة صلاتهم الجيدة بالشعب مرة أخرى، معتبرا أن تراجعهم الذي وصفه ب "الرهيب " عن القاعدة الجماهيرية والشعبية يحتاج إلى وقت كبير لاستعادته أو على الأقل استعادة جزء منه. واقترح " الهلباوى " أن يتجه الإخوان خلال هذه المرحلة للعمل الدعوى فقط، وعن طريق اندماجه بالدعوة يمكنه أن يستعيد ثقة الشعب مرة أخرى بعيدا عن العمل السياسي. وأشار إلى أن العمل الدعوى الأهم وحول نبذ العنف والمراجعات والمصالحة التي ينادى بها البعض الآن. وأضاف القيادى السابق بجماعة الإخوان: أن الاتجاه إلى المصالحة أمر ضرورى حتى يعيش أبناء المجتمع في سلام.. مشددا على أن السلام المجتمعى والتلاحم بين المصريين ونزع الكراهية من الصدور وطمأنة الناس على جميع فصائلهم وانتماءاتهم هى السبيل لتكون هناك مصالحة حقيقية.. لافتا إلى أن الاعتذار والاعتراف بالخطأ ودفع ثمنه هى الأسس الأولى للسير نحو مصالحة مجتمعية حقيقية. فيما اتجه الدكتور بشير عبد الفتاح، رئيس تحرير جريدة " الديمقراطية " الصادرة عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إلى أن فكر الإخوان المسلمين يختلف عن غيرهم من التيارات الإسلامية الأخرى، مرجعا ذلك إلى أن مبدأ المراجعات أو النقد الذاتى أو الاعتذار عن الخطأ غير موجود لديهم فهم لا يعترفون بالخطأ، وبالتالى لن يقبلوا ما اتجهت له الجماعة الإسلامية من قبل بالاتجاه إلى المراجعة والتوبة.. مشيرا إلى أن الإخوان لا يزالون حتى الآن في مرحلة الصدمة ولم يستوعبوا الصدمة ليدرسوا كيفية الخروج منها حتى الآن. واستبعد "بشير" اتجاه الإخوان لسيناريو " أربكان – أردوغان " حيث إن أردوغان نجح في جمع عدد من المنفتحين والمستنيرين من حزب الوفاء والفضيلة بتركيا جمعهم جميعا تحت فكرة التطوير والخروج من نفق أربكان المعتمد في الأساس على الإسلام المتشدد، لذا نجح في تطبيق النموذج الإسلامى والاصطدام بمؤسسات الدولة العلمانية.. مشيرا إلى أنه من الصعب تطبيقه حيث إن شباب الإخوان لا يوجد بينهم إجماع حتى الآن، حيث إن هناك اختلافات شتى بينهم والتيار القطبى له الغلبة بينهم. لافتا إلى أن كل هذه السيناريوهات التي يتم طرحها لم يتجه الإخوان لدراستها حتى الآن لأنهم لم يفيقوا بعد من صدمة فقدان السلطة وأنهم أصبحوا ملاحقين أمنيا بعد أن كانوا متخذى وصانعى القرار حتى وقت قريب.