من المتعارف عليه فى جميع الدول الديمقراطية أن الخطوة التالية لانتخابات البرلمان تشكيل حكومة جديدة، وهذا ما نتوقعه فى مصر، رغم معرفتنا أنها من حق المجلس العسكرى حسب المادة 56 من الإعلان الدستورى. المادة 56 لم تغير شيئًا من دستور 1971 المعطل بخصوص تشكيل الحكومة، لكن حكومات مبارك انتمت كلها للحزب الوطنى الذى كان مسيطرًا على البرلمان، وعلى ذلك الأساس اشتهر بأنه الحزب الحاكم، وجرت العادة بعد اختراع لجنة السياسات التى ترأسها جمال مبارك أن تأخذ تكليفاتها منه. ورغم أن حكومة الجنزورى لم تأخذ فرصتها فقد مضى عليها وقت قصير منذ تشكيلها، وأداؤها جيد ومقبول. ومع أن كثيرًا من وزرائها أظهروا مهارة واحترافية، إلا أن المنطق يحتم تشكيل حكومة تعبر عن تركيبة البرلمان، وبدون ذلك سيظل مجرد قاعة خطابية مثيرة لإظهار بلاغة النواب عبر الفضائيات، وقدراتهم الفذة على لفت الأنظار وربما على الإضحاك! بدون حكومة لن يستطيع البرلمان التعبير عن نفسه وتشريعاته، وستصبح جلساته دخانًا فى الهواء الملبد أصلا بغيوم المظاهرات والاعتصامات. القاهرة الآن فى أمس الحاجة إلى حكومة ائتلافية قوية منبثقة من البرلمان. ولذلك فقد استقبلنا تسريبات استقالة حكومة الجنزورى بالتفاؤل الحذر الذى انتهى بنفى المجلس العسكرى. الخروج من الأزمة الخانقة يجب أن يبدأ بتشكيل حكومة تعبر عن نتيجة الانتخابات، حتى تقتنع الأقلية المشاغبة عالية الصوت أن الخيط ينسل من بين أيديها ولا سبيل أمامها سوى احترام قرار الأغلبية. من أهم واجبات البرلمان الآن المطالبة بهذه الخطوة الطبيعية فى العملية الديمقراطية، وأن يقوم المجلس العسكرى بتكليف الحزب الحاصل على الأكثرية لتشكيل حكومة ائتلافية وفق القواعد الديمقراطية. جزء كبير من الأزمة السياسية الخانقة يمكن حله بالإعلان عن تشكيل حكومة برلمانية، عندئذ لن تستطيع الأقلية إثارة الشكوك والعزف المستمر على الشعارات التى تلهب بها الشارع محرضة على الاعتصامات والعصيان المدنى. ويبدو أن حزب الحرية والعدالة يسير فى اتجاه هذا الحل، رغم نفى قياداته الاتجاه إلى سحب الثقة من حكومة الجنزورى، لكنهم ينتظرون خطاب التكليف، وهناك من يعتقد أنه فى طريقه إليهم بالفعل. تصريحات صبحى صالح، القيادى بحزب الحرية والعدالة ووكيل اللجنة التشريعية بمجلس الشعب، تؤكد أن مياهًا جديدًا تجرى فى النهر، وأن الحزب يناقش احتمال اطلاعه بمسئولية تشكيل الحكومة، وقد بات على استعداد لتحديد برنامجها بالجلوس مع القوى السياسية التى يتشكل منها البرلمان. حزب الأكثرية البرلمانية لا يفضل وفق تصريحات صالح سحب الثقة من حكومة الجنزورى منتظرًا تقديم استقالتها طواعية. إنها نقطة ضوء تظهر فى نهاية النفق فى مواجهة خطة مُمنهجة تسعى لإسقاط الدولة. ويبقى السؤال الأهم.. هل يستطيع حزب الحرية والعدالة تحقيق ائتلاف منسجم وتوزيع الحقائب الوزارية عليه بدون خلافات سياسية ومشاجرات وانسحابات، أم أننا سنكون إزاء مرحلة تنتقل فيها الاعتصامات إلى مبنى الحكومة بعد أن شهدها مبنى مجلس الشعب؟! [email protected]