من أغرب ما يحدث في مصر الآن هو طرح لابد أن يستحق التأمل بعمق ولا يجب أن يؤخذ على علاته كأمر مفروغ منه أو بديهي لا يحتاج إثبات أو مناقشة. وأعنى بذلك الحديث دون تفصيل حول ما يسمى بمشكلات الأقباط وما يحدث هو الآتي : تصدرت النخبة العلمانية الضئيلة العدد والتي لا ينتمي أفرادها إلى الديانة المسيحية الحديث عن مشاكل الأقباط وبفضل احتكارهم لوسائل الإعلام ومنابر الفكر والثقافة المدعومة رسميا احتكر هؤلاء الحديث عن المشكلة القبطية كما احتكروا توصيف أبعاد هذه المشكلة وأساليب حلها. وحسب هذه النخبة العلمانية التي لا تشاطر الأقباط (ولا المسلمين) عقيدتهم أو قيمهم فإن المشكلة الكبرى والأولى وربما الوحيدة للأقباط هي الإسلام! ممثلا بالإخوان المسلمين أو الحركة الإسلامي أو التدين الإسلامي والمؤسسة الدينية. ولما كان الإسلام ممثلا بمظاهره المختلفة هو مشكلة الأقباط الكبرى (حسب التصور العلماني الذي أصبح الآن مدعوما بتصور قطاع الوراثة داخل النظام) فإن الحل لمشكلة الأقباط الرئيسية وربما الوحيدة يمر عبر ضرب الإسلام ومظاهره من خلال حزمة من الإجراءات العلمانية والتغريبية تبدأ بالعلمانية الصريحة في الدستور وتنحية الشريعة عن القوانين وتمر في نظام التعليم والقانون والثقافة ولا تنتهي عند مظاهر الحياة اليومية العامة أو الثقافة والفكر والإعلام بل تصل إلى علمنة بنية الدين الإسلامي نفسه وتتعقبه في المساجد والزوايا وتحاصر وتلغى التدين الفري وتصادر جوانب من العقيدة والتعاليم وتبعد جوانب عديدة من التراث بحجة عامة هي تثبيت العلمانية التي هي الحل الوحيد والأمثل لمشكلة الأقباط الوحيدة والرئيسية. ومن الجلي أن هذا التصور العلماني النظامي المشترك لمشكلة الأقباط وهو تصور يصدر عن غير الأقباط بل عن غير المهتمين ولا المبالين بأي دين أو ملة هو تصور ينصب على مشكلة العلمانيين لا على مشكلة الأقباط. فالإسلام أو مظاهره ليس مشكلة الأقباط الذين عاشوا معه أربعة عشر قرنا بل مشكلة العلمانيين الأساسية ومشكلة التغريبيين وأصبح الآن مشكلة قطاع الوراثة داخل النظام الذي يرى أن أفضل سيناريو للتمكين للتوريث هو سيناريو التبعية للغرب الذي لن ينجح إلا عبر العلمنة والتغريب للمجتمع المصري كله مسلمين ومسيحيين وضرب الاستقلال والهوية المصرية التي يشترك فيها الجميع. إن تكييف مشكلة الأقباط على أنها الإسلام هو تكييف إجرامي ويزيده خيانة انه لم يصدر عن الأقباط.