يدور الحديث في كل المنابر وحتى الإسلامية منها حول مشاكل الأقباط ولا تدور كلمة واحدة حول مشكلات المسلمين وكأن هؤلاء لا توجد لهم أية مشكلات من أي نوع أو كأنهم لا يجب أن توجد لهم مشاكل أو كأنهم نوعية من البشر لا يحق لهم أن يعانون مجرد معاناة. ويدور الحديث حول مشكلات الأقباط من منطلق أحادي لا يرى لهم مشكلة إلا فيما تراه الكنيسة فقط أنه مشكلة. فالأقباط حسب ما نقرأ لا يعانون من مشكلات علمنة المجتمع ككل وتغريبه وفرض قيم الانحلال الخلقي والتفكك الأسري والاستهلاك الجامح عليه أو مشكلات الفقر والمرافق والخدمات والظلم والطغيان والبطالة والقمع السياسي. وربما يفترض البعض حسب رؤيتهم أن الأقباط قد نجوا من هذه المشكلات بفضل تجمعهم حول كنيستهم وبفضل رعاية هذه الكنيسة وخدماتها لهم بفضل النقود التي يدفعونها هم لها ولذلك فلا حاجة لطرح هذه القضايا كمشكلات يحتاج الأقباط لحلها بل هي مشكلات يعاني منها سائر الشعب الذي لا يرعاه أحد ولا يجد له سلطة أو مظلة تحميه وبالتالي فهو الأخر لا يستحق الحماية ولا يجب أن تعد هذه مشكلات بالنسبة له. وربما يرى البعض الأخر أن الأقباط هم أجانب عن أرض مصر ولا ينتمون إلى تراثها العريق وتراث العيش المشترك مع المسلمين ولا حتى تراثهم هم المسيحي الأخلاقي القيمي ولذلك فإن تفكيك وتفكك المجتمع المصري وتغريبه وتدمير تراثه وقيمه بما في ذلك القيم القبطية المسيحية الأصلية لا يجب أن يمثل مشكلة للأقباط الذين يفترض البعض أن ضياع قيمهم وتراثهم بل وعقيدتهم ذاتها وضياع المجتمع الذي يعيشون فيه وضياع الحرية والأمان وسيادة الفقر والعوز إلى حد بيع الأجساد لا يمثل أية مشكلة لهم تستحق الذكر اللهم إلا إذا كان التصور كما قلت أن هذه الأمور سوف لن تحدث لهم بشكل ما بل ستحدث لأخريين. إذن عندما يدور الحديث في مصر بكثافة وتركيز مريب وجديد حول ما يسمى بمشكلات الأقباط فإن هذا الحديث يدور في هيئة ووسط إقصائي غريب يقصر التعرض للمشكلات على الأقباط وحدهم دون سائر الوطن الذي يفترض أنه لا يعاني أية مشكلات . كما أن تعيين طبيعة هذه المشكلات يستثنى أو يستبعد مشكلات جوهرية عديدة وأساسية كان يفترض أن تكون هي موضع التركيز لأنها تمس صميم الحياة العقدية والروحية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية للأقباط. ويكفي هذا في حد ذاته لبعض التساؤلات حول حكاية مشكلات الأقباط وحول مضامين رؤية تدعي أنها مهمومة بمشكلات الأقباط لكنها لا تعتبر أن حرية الأقباط أو أخلاقهم أو أعراضهم أمور مهمة تستحق الرعاية!