بالأسماء، الفائزون بجولة إعادة المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب في الشرقية    النتيجة الكاملة لجولة الإعادة بالمرحلة الثانية من انتخابات النواب    رئيس جامعة المنصورة يهنئ طالب هندسة لانضمامه لقائمة Forbes Middle East    البورصة تخسر 7 مليارات جنيه بختام تعاملات الأسبوع    روسيا تدعو مواطنيها لعدم السفر إلى ألمانيا    بيكهام يخضع لجلسات علاج طبيعي في الأهلي    ضبط دجال كرموز بتهمة النصب والاحتيال على المواطنين    انفصال شريف سلامة عن داليا مصطفى رسميا    محافظ كفرالشيخ يستمع لشكاوى وطلبات الأهالي بشأن الخدمات    مدينة الأبحاث العلمية تفتتح المعرض التمهيدي لطلاب STEM المؤهل للمعرض الدولي للعلوم والهندسة ISEF–2026    التفاصيل الكاملة لافتتاح المركز النموذجي بالغرفة التجارية بالقليوبية    عاجل- ارتفاع جديد في سعر الذهب اليوم الخميس 25-12-2025.. عيار 21 يصل إلى 5965 جنيهًا    محافظ المنيا يعطى شارة بدء انطلاق زراعة الذهب الأصفر    مجلس جامعة بنها الأهلية يناقش جداول اختبارات الفصل الدراسي الأول    الجيش الروسي يسيطر على بلدة سفياتو بوكروفسكوي في دونيتسك    استشهاد أكثر من 406 فلسطينيين منذ بدء اتفاق وقف إطلاق النار بغزة    الجيش السوداني يستعيد السيطرة جزئيًا في كردفان    وول ستريت جورنال: إسرائيل تلوّح بضربة جديدة ضد إيران بسبب الصواريخ الباليستية    سلوت: تجاوزنا أزمة محمد صلاح وعلينا أن نحترمه مع منتخب بلاده    برلماني لوزير الخارجية: الدبلوماسية المصرية حائط الصد في الدفاع عن الدولة    بشير التابعي يشيد بدور إمام عاشور: عنصر حاسم في تشكيلة المنتخب    البابا تواضروس يهنئ بطريرك الكاثوليك بمناسبة عيد الميلاد    غلق كلي لكوبري قصر النيل لتنفيذ مشروع أعمال الصيانة الإنشائية    ضبط طن لحوم غير صالحة للاستخدام الآدمي بالمنوفية.. صور    الداخلية تتخذ الإجراءات القانونية حيال 19 شركة سياحية غير مرخصة    تأجيل محاكمة رئيس اتحاد السباحة وآخرين بتهمة الإهمال والتسبب في وفاة السباح الطفل يوسف    محافظ أسوان يتابع ميدانيًا منظومة التطوير والتجميل    تعرف على أبرز الشخصيات فى مقابر تحيا مصر للخالدين    رئيس الوزراء يُتابع الموقف التنفيذي لمشروعات صندوق التنمية الحضرية    إيرادات الأفلام.. طلقني يزيح الست من صدارة شباك التذاكر وخريطة رأس السنة يحتل المركز الخامس    ادِّعاء خصومات وهمية على السلع بغرض سرعة بيعها.. الأزهر للفتوي يوضح    حكم الصِّيَامِ في شهرِ رجب؟ الأزهر للفتوي يوضح    محافظ الشرقية يُهنئ مركز طب الأسرة بالعاشر من رمضان لحصوله على الاعتماد الدولى    محافظ الجيزة يفتتح قسم رعاية المخ والأعصاب بمستشفى الوراق المركزي    محافظ الوادى الجديد يلتقى المستشار الثقافى للسفارة الهندية بالقاهرة    المؤتمر الدولى لكلية دار العلوم بجامعة القاهرة يناقش قضايا الاستشراق والهوية    رجال سلة الأهلي يصلون الغردقة لمواجهة الاتحاد السكندري بكأس السوبر المصري    بيان عاجل من الخارجية السعودية بشأن أحداث حضرموت والمهرة في اليمن    مصادرة 1000 لتر سولار مجهول المصدر و18 محضرا بحملة تموينية بالشرقية    سيول وثلوج بدءاً من الغد.. منخفض جوى فى طريقه إلى لبنان    إصابة عضلية تبعد حمدالله عن الشباب لأسابيع    شوبير يكشف موقف "الشحات وعبد القادر" من التجديد مع الأهلي    الكيك بوكسينج يعقد دورة للمدربين والحكام والاختبارات والترقي بالمركز الأولمبي    الصحة تعلن اختتام البرنامج التدريبي لترصد العدوى المكتسبة    المتحدث العسكري: قبول دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة أبريل 2026    من هو الفلسطيني الذي تولي رئاسة هندوراس؟    بالفيديو.. استشاري تغذية تحذر من تناول الأطعمة الصحية في التوقيت الخاطئ    عبد الحميد معالي ينضم لاتحاد طنجة بعد الرحيل عن الزمالك    التضامن: تسليم 567 طفلًا بنظام الأسر البديلة الكافلة منذ يوليو 2024    نائب وزير الصحة تتفقد منشآت صحية بمحافظة الدقهلية    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 25ديسمبر 2025 فى المنيا    لليوم الثاني.. سفارة مصر بإيران تواصل فتح لجان التصويت بجولة الإعادة للدوائر ال19 الملغاة    أمن القليوبية يكشف تفاصيل تداول فيديو لسيدة باعتداء 3 شباب على نجلها ببنها    هل يجب الاستنجاء قبل كل وضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    أول ظهور ل «محيى إسماعيل» من العناية المركزة    أحمد سامي يقترب من قيادة «مودرن سبورت» خلفًا لمجدي عبد العاطي    صفاء أبو السعود من حفل ختام حملة «مانحي الأمل»: مصر بلد حاضنة    ما حكم حشو الأسنان بالذهب؟.. الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل المسلمون فى مصر مضطهدون؟!
نشر في روزاليوسف الأسبوعية يوم 20 - 03 - 2010


- مضطهدين..
- مضطهدين إيه يا شيخ جاد.. ده احنا اللى مضطهدين..
- ده احنا كل ما نبنى جامع.. يبنوا قدامه كنيسة..
- وثلاثة أرباع فلوس البلد معاهم.. هما سايبين شغلانة.. مبيشتغلوهاش..
- على رأيك: مديرين بنوك ورؤساء مجالس إدارة شركات استثمارية كبيرة.. كلهم مسيحيين..
- طيب إنت عمرك شفت شحات مسيحى؟!
جاءت الكلمات السابقة ضمن سيناريو فيلم «حسن ومرقص» للمبدع السيناريست يوسف معاطى وبطولة الفنان القدير عادل إمام، وهى الكلمات التى عبر من خلالها الفيلم عن الظاهرة التى بدأت فى المقولة تتردد كثيرا مؤخرا حول اضطهاد المسلمين فى مصر!
أعتقد أن بداية تسريب مفهوم «اضطهاد» المسلمين فى مقابل «استقواء» المسيحيين.. قد ظهر عقب التوتر الطائفى الشهير المعروف إعلاميا بقضية وفاء قسطنطين «زوجة الكاهن».. من خلال البعض من رموز التيار الإسلامى بداية من مقالات المستشار طارق البشرى، ومرورا بتصريحات د. محمد سليم العوا، وصولا إلى كتابات فهمى هويدى، بالإضافة إلى بعض الكتابات المحسوبة بشكل أو بآخر على تيار الإسلام السياسى، مثل مقالات كل من: عبدالوهاب عدس ومحمد عباس.
وأود هنا أن أسجل ملاحظة أولية، وهى أن كتابات المستشار طارق البشرى فى المقالات المذكورة وتصريحات د. محمد سليم العوا تحديدا حينذاك لم تذكر تعبير «اضطهاد المسلمين» بقدر ما تم استخدام التعبيرات التى تؤكد على استقواء الكنيسة، وهو ما تناوله البعض على أنه «استقواء» الأقباط، ثم تطور الأمر إلى ترديد مفهوم «اضطهاد المسلمين»، وسوف تحمل السطور المقبلة بعض العبارات والأفكار الموثقة على ما سبق.. وذات الدلالة فى هذا الموضوع، والبداية مع المستشار طارق البشرى فى المقالات التى كتبها بجريدة «الأسبوع» فى: 10 يناير 2005 «العدد 408» و7 فبراير 2005 «العدد 411»، وعلى سبيل المثال:
- «دولة مستبدة وذات سلطات طليقة فيما تمارسه على مواطنيها من هيمنة وجبروت.. وعنت.. فأعطت جزءا من استبدادها لهيئة خاصة هى الإدارة الكنسية القبطية الأرثوذكسية لتمارسه على من يتبعونها استبدادا بهم وطغيانا».
- «انحسرت فيها سيادة الدولة عن بعض رعاياها وبعض أقاليمها».
- «والعجيب أن الدولة تتعامل مع الكنيسة بعلاقة ندية.. لا علاقة حاكم بمواطنين، وأن الدولة بتسليمها مواطنين للإدارة الكنسية إنما تتورط فى تأكيد أن ثمة ندية فى العلاقة». وإذا كان المستشار طارق البشرى قد عبر عن أفكاره ومواقفه من منطلق دراسة موقف الكنيسة وتحليله بغض النظر عن الاتفاق والاختلاف مع ما يطرحه، فإن عبدالوهاب عدس ومحمد عباس قد استخدما قاعدة «دس السم فى العسل»، لإحداث شرخ فى العلاقات بين المسيحيين والمسلمين فى مصر من خلال «خدعة» وهمية بتسطيح المواقف والتوترات لدرجة «البلاهة». كتب عبدالوهاب عدس يوم الخميس 18 فبراير 2010 فى العدد الأسبوعى بجريدة «الجمهورية» تحت عنوان «مظاهرات المسيحيين فى التحرير.. خطر»:
- «.. قاموا ببناء أكبر عدد من الكنائس.. خلال العشرين سنة الماضية.. بما يفوق كل تاريخهم.. وإذا قارنا بين عدد الكنائس فى مصر.. وعدد المسيحيين.. فإننا لابد أن نتوقف ونتأمل.. لماذا يطالبون ببناء المزيد؟ وهل يريدون كنيسة لكل مسيحى»؟!
- «لا أجد أى مبرر أمام الإخوة الأقباط فى ادعاء الاضطهاد.. لأنهم مميزون فى كل شىء حتى فى أقسام الشرطة.. فى كل خلاف.. فإن الانحياز دائما للأقباط حتى لو كان ذلك على حساب حق المسلم».
- «ولابد أن نعترف أن بعض القيادات الكنسية.. قامت بدور مؤثر فى تغذية وتنمية الشعور لدى المسيحيين بأنهم من المضطهدين.. وربما كان هدفهم الحقيقى هو تقوية الكنيسة.. وبذلك تصبح الكنيسة الملجأ والحصن بدلا من الدولة».
- «فإن فى أيديهم مكاسب أكثر من أى وقت مضى.. وإذا لم ينتبهوا.. فإن الخسارة سوف تكون للجميع مسلمين ومسيحيين».
أما الأكثر «فجاجة» فهو ما يكتبه محمد عباس.. البطل الرئيسى الذى تسبب فى تجميد حزب العمل منذ سنة 2000 وإلى الآن من خلال الأزمة التى تسبب فيها بسبب ما كتبه عن رواية «وليمة لأعشاب البحر»، حيث تسبب فى اتهام الحزب بأنه ضد العقلانية ومع التكفير بعد أن كتب مقالا بجريدة «الشعب» فى يوم 28 أبريل سنة 2000 بعنوان: «من يبايعنى على الموت»، وكان المقال بمثابة منشور تحريضى على القتل بعد أن أخرج الجميع من الملة والدين بسبب رواية «وليمة لأعشاب البحر»، وزاد على ذلك بكتابة سلسلة من المقالات يكفر فيها مجموعة من الكتاب والشعراء من خلال «مانشيتات» ضخمة نشرتها جريدة «الشعب»، مثل: «إلى شعب مصر اغضب فى الله»، ودعا الرئيس المصرى وشيخ الأزهر والمفتى إلى إقامة الحد على من وصفهم: «الفاجر ابن الفاجر، والفاسق ابن الفاسق، والكافر ابن الكفار.. مؤلفا وناشرا ووزارة»، وهو ما أثار طلاب جامعة الأزهر، فاندلعت المظاهرات حينذاك.
الطريف فى الأمر أن محمد عباس لايزال بين الحين والآخر، يثير العديد من الأزمات الوطنية على غرار ما كتبه مؤخرا بمجلة «المختار الإسلامى» «15 فبراير 2010- العدد 331» تحت عنوان: «نعم.. نحن نظلم النصارى! وهو يحمل أفكارا.. تمثل نموذجا للتحريض الطائفى والوطنى بدون معالجة موضوعية لقضية العلاقات بين أبناء هذا الوطن.. مسيحيين ومسلمين، ومن عباراته الفجة:
- ظلمنا للنصارى إذن ليس لغزا.. لقد ظلمناهم حين لم نردهم عن ظلمهم! ظلمناهم حين تركناهم يصدقون أن التسامح ضعف وأن الكرم خضوع وأن الأريحية خنوع وأن المسلمين يقيدهم الدين.
- إن الحكومة التى انحازت للنصارى فى كل شىء وظلمت المسلمين فى كل شىء لا تتورع أن تكمل انحيازها للنصارى بإصدار قانون دور العبادة الموحد، لكنهم يخشون رد فعل المسلمين. - كما أن ثلاثة من أقباط مصر على لائحة أغنى أغنياء العالم.. فى حين خلت القائمة من أى مصرى مسلم.
- ترى كم هى نسبة الأقباط فى الأمية وفى سكنى المقابر وفى البطالة، وفى المعتقلات وفى المقتولين من التعذيب؟ وكم نسبتهم فى الجامعات، كم نسبتهم فى أصحاب البلايين وكم نسبتهم فى أصحاب الملايين؟ كم نسبة سكان القبور وسكان القصور من المسلمين والنصارى؟!
- هل من حق المسلمين أن يطالبوا حكوماتهم بمساواة المساجد بالكنائس، وجعلها قلاعا لا يعرف أحد ماذا يجرى فيها، وبتمكين كل مسجد من إنشاء فرقته المسرحية وإصدار صحيفته؟!
- أى تمثيل نسبى وأى حقوق؟.. والمسلمون يتمنون المساواة بالأقباط على جميع المستويات.
- وليذكر لى البابا أو أى واحد من الأقباط أقلية مدللة كما يدلل الأقباط فى مصر.. بل هاتوا لى أقلية مسلمة تتمتع بمعشار ما يتمتع به الأقباط فى مصر.
- أسأله «أى البابا شنودة الثالث» ألا يخشى أن ينفد صبر المسلمين الذى يبدو فعلا بلا حدود؟!
- ظلمنا النصارى حين راحت أجهزة الدولة تحابيهم على حساب المسلمين، وحين تكفلت بحماية رواد الحانات وتهديد رواد المساجد، وحين تركت بعض النصارى يرتكبون الجرائم.. ولا تجرؤ على مواجهتهم، وحين يجاملهم الجهاز الأمنى ويترك لهم الحبل على غاربه، وحين راح الطاغوت يدمر روح الأمة.
ولقد رأت الدولة أن الإسلام هو الخطر الأكبر الكفيل بمقاومة ظلمها وطغيانها وإزاحتها من على عرش الطغيان.
إنها مجرد أمثلة على سبيل المثال وليس الحصر من عبارات محمد عباس طبيب الأشعة الذى احترف تأجيج مناخ «التطييف» داخل المجتمع.
من الواضح أن البعض قد استغل ما سبق بشكل مراوغ للرد على كل من يتكلم عن هموم المواطنين المسيحيين المصريين ومشاكلهم سواء فى سياق المجتمع والدولة، أو فى سياق مغاير باستخدام التصعيد الإعلامى بالحديث عن «الاضطهاد المنظم لأقباط مصر».. من خلال منطق «تعويم» المشاكل بتعبيرات عامة لا محل لها من الإعراب، مما تسبب فى عدم وجود حلول حقيقية ومنطقية وقانونية على غرار أن «المصريين كلهم مضطهدون»، أو من خلال تشدد البعض فى الحديث عن «اضطهاد المسلمين» عند كل مرة يتم فيها التوجه نحو حسم ملف التوترات الطائفية من خلال حلول عادلة تحت مظلة التطبيق العملى للدستور والقانون.
من الواضح أيضا.. أن ما كتبته على صفحات مجلة «روزاليوسف» فى 14 نوفمبر 2009 يتأكد تدريجيا حيث كتبت أن المتطرفين دينيا سواء على المستوى المسيحى أو المستوى الإسلامى.. دائما ما يتحدون فى مساحة مشتركة ضد صحيح الدينين ومبادئهما، ويترتب على ذلك تحولهم ليصبحوا ضد المجتمع وضد الوطن، بل ضد الدين نفسه، ولقد اختلف معى العديد من الأصدقاء مؤكدين أن المتطرفين دينيا هم على طرفى النقيض من بعضهما البعض، ولكن تثبت الأيام صحة ما ذهبت إليه.. وما سبق حول الحديث عن (اضطهاد) المسلمين فى مقابل من يقول ب(اضطهاد) المسيحيين هو نموذج للتوازن السياسى الموجه والمصطنع لتأجيج المناخ الطائفى فى المجتمع المصرى.
من الملاحظ فى الكتابات السابقة، أنها كلها تعبيرات تشير بشكل أو بآخر إلى ضخامة ما وصلت إليه الكنيسة فى مقابل (تقزيم الدولة)، وأظن أن هذه العبارات تثير العديد من التداعيات على غرار الاختزال المخل للأقباط وكأنهم قطيع يسير طبقا للإرادة الكنسية بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معها من جانب، وكأنه قد حدث تآكل للدولة فى أمنها الداخلى للدرجة التى أوكلت فيها الكنيسة للقيام ببعض مهامها ومسئولياتها من جانب آخر، وهو طرح لا يحتاج للتعليق والتحليل بقدر ما يحتاج للتوقف أمامه لما يمكن أن يثيره هذا الطرح من لغط فكرى يجعل من رجل الشارع العادى (قنبلة موقوتة) قابلة للتفجير فى أى وقت ضد المواطن المسيحى المصرى.. لما فيه من دلالة استفزاز.
ومن هذا المنطلق، أود أن أسجل بعض الملاحظات السريعة، وهى:
أولا: لا يشغلنى هنا التعليق على مسألة بناء الكنائس بما يفوق تاريخ المسيحيين المصريين الذى هو تاريخ مصر، بقدر ما أتعجب من تلك اللغة الطائفية البغيضة التى تتعامل مع مسيحيى مصر.. وكأنهم درجة ثانية. وما تحمله الكلمات وكأن بناء الكنائس هو بناء منشآت حربية، وليست دور عبادة من أجل الصلاة، وهو ما جعل (قضية بناء الكنائس) من أكثر القضايا استغلالا فى الحديث عن اضطهاد المسلمين.. وبمعنى آخر، نجد أن الحديث عن مشكلات بناء الكنائس.. يتم الرد عليه من خلال ما يحدث من تأميم للمساجد بضمها لوزارة الأوقاف، وغلقها وعدم فتحها سوى أثناء توقيت الصلاة فقط، وهو طرح تجاهل لجوء الدولة لهذا الأسلوب بإغلاق المساجد بعد أن استخدمها المتشددون والمتطرفون لنشر أفكارهم الهدامة للمجتمع وللوطن، وأحيانا يلجأ بعضهم للحديث عن (اتساع) الكنائس فى مقابل (ضيق) المساجد.
وأعتقد أن الأسوأ من النموذج السابق هو ما يتردد فى كتابات البعض أنه يجب أن يكون بناء الكنائس أو المساجد طبقا لتعداد المسيحيين والمسلمين فى مصر وهو ما يعنى استخدام لعبة «الأرقام» التى تعنى الأقلية العددية أو الأغلبية العددية.. وهو قول حق يراد به باطل.. لأنه يتعامل بمنطق تقسيم المجتمع، وهو ضد المواطنة فى جميع أحواله.. لما يمكن أن يترتب عليه من تجاهل حقوق بعض المواطنين بحجة أنهم فئة قليلة فى شكل من أشكال انتزاع حق تلك الفئة عند المجتمع وعند الدولة،.
ثانيا: إن النغمة المنتشرة الآن بأن ثلث الثروة أو أكثر أو أقل مع رجال الأعمال من المسيحيين المصريين هو حديث طائفى بغيض.. لأنه يترجم مجهود العمل والاستثمار إلى مكاسب طائفية ضيقة فى صيغة لتضخيم الدور الاقتصادى للأقباط فى مقابل التهوين من مشكلات التوترات الطائفية وتداعياتها خاصة أن استخدام مفهوم الثروة الشخصية لمواطنين محددين من أجل تأكيد العدالة وحقوق المواطنة للمواطنين المسيحيين المصريين هو نوع من الخلط المخل بين المكاسب الاقتصادية التى تعتمد على اقتصاد السوق، وبين الحقوق الوطنية التى تفرضها قوانين الدولة .
ثالثا: إن الافتراض الوهمى الذى ليس له أساس من الصحة حول اتهام الدولة أو الأجهزة الأمنية بأنها متحيزة هو اتهام يتم تضخيمه وترويجه لصالح المتشددين من الطرفين (المسيحى والإسلامى) لأنه لا يمكن أن تكون أجهزة الدولة طائفية أو متواطئة مع طرف مصرى ضد طرف مصرى ثان لمجرد اختلاف ديانته، ورغم كل الملاحظات عليها.. فهى الحصن ضد الطائفية التى لا يمكن أن ننكر فى الوقت نفسه أن التجاوزات التى تحدث هى توجهات فردية من البعض من الطرفين وليست توجها مؤسسيا من الدولة.. وتفاقم المشكلة يحدث عندما يتصادف أن يكون أحد تلك الأطراف فى موقع المسئولية واتخاذ القرار. وأعتقد أنه لا يمكن أن ندلل على (اضطهاد) المسلمين بقياس نسبة المعتقلين والمسجونين المسلمين بأقرانهم المسيحيين.. لأن السجن هو نهاية المطاف للخارجين على القانون والأشرار، ليس حصريا على المسلمين فقط..
رابعا: من الواضح أن التوجه نحو استخدام الثنائيات فى الطرح السابق يهدف بالدرجة الأولى إلى «تسطيح» التعامل مع التوترات الطائفية «وتعويم» المسئولية وتشتيتها، فنجد: استقواء الأقباط فى مقابل اضطهاد المسلمين، والثروة الاقتصادية فى مقابل حقوق المواطنة، وبناء الكنائس فى مقابل تأميم المساجد، والأقلية القبطية المدللة والأغلبية المسلمة المضطهدة.. وهى ثنائيات يتم توظيفها بشكل كبير لتأجيج مناخ التوتر الطائفى، كما أن المدقق فى هذه الثنائيات لا يجد أنها متقابلة ومتباينة بقدر ما هى متكاملة ومتلازمة لتصوير الأمر فى نهاية المشهد على أنه لا يوجد مشاكل أو هموم للمسيحيين المصريين فى إطار السياق الاجتماعى المميز لهم اقتصاديا، فضلا عن استخدام بعض التعبيرات، مثل: الأقباط أقلية مدللة، والدولة ترى أن الإسلام هو الخطر الأكبر.. لترسيخ حالة من العداء بين المواطن المسيحى المصرى والمواطن المصرى المسلم من جانب ورسم ملامح فجوة بين المواطن المصرى المسلم والدولة المصرية.. هو نوع من «البلاهة» الفكرية و«السذاجة» السياسية التى يجب الالتفات إليها.
؟؟
أتصور أن الطرح الذى يؤكد على (اضطهاد) المسلمين فى مقابل (اضطهاد) المسيحيين.. هو طرح لا يفرق بين المشاكل والهموم بأقصى درجاتها وبين الاضطهاد بدرجاته المتفاوتة، وهو الخلط الذى يقصد به مروجوه أن يكون هناك نوع من الضغط العاطفى والوجدانى على الشارع المصرى لكسب تأييده فى ظل حالة الفوضى والعشوائية والغوغائية الموجودة فيه من جهة، وعلى الدولة المصرية بالتشكيك فى قدرتها على حماية أبنائها والحفاظ على حقوقهم بدون أى انتهاك أو انتقاص أو بتضخيم دور المؤسسة الدينية فى مقابل «تقزيم» دور الدولة من جهة أخرى.
لقد تحالف المتطرفون فكريا والمتشددون دينيا من الطرفين ضد هذا الوطن الذى أصبح هدفا لهم لتحقيق مصالحهم الشخصية وأهدافهم التخريبية من خلال «تسريب» الأفكار التى تستهدف «زعزعة» كل مواطن يعتز بمصريته بدون استثناء وتشكيكه فى وطنه.
يتناسى الجميع.. إن مصر هى أكبر من المؤسسة الدينية «المسيحية والإسلامية» وهى القاعدة التى لا يمكن النقاش فيها ولا محل للجدل حولها من أى طرف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.