مطران دشنا يترأس قداس عيد القيامة المجيد بكاتدرائية الشهيد العظيم مار جرجس    مصطفى بكري: اتحاد القبائل العربية كيان مدني يقف خلف الدولة والقوات المسلحة    عيار 21 الآن وسعر الذهب اليوم بعد ارتفاعه الأحد 5 مايو 2024    ضياء رشوان: نتنياهو لن يجرؤ على مهاجمة رفح الفلسطينية    تساحي هنجبي: القوات الإسرائيلية كانت قريبة جدا من القضاء على زعيم حماس    بعد 28 عاما داخل الزمالك، ياسمين نوح تعلن اعتزالها بعد التتويج بلقب إفريقيا للكرة الطائرة    مواعيد مباريات اليوم الأحد 5- 5- 2024 في الدوري الإسباني والقنوات الناقلة    طاقم تحكيم مباراة البنك الأهلي وإنبي في الدوري المصري    عاجل.. تأكد رحيل ثلاثي الأهلي في نهاية الموسم    خبير لوائح: لا توجد حالة رياضية مشابهة لقضية الشحات والشيبي    «أمطار تضرب هذه المناطق».. بيان عاجل من الأرصاد بشأن حالة الطقس اليوم (احذروا التقلبات الجوية)    عبارات تهنئة بمناسبة عيد شم النسيم 2024    "حب جديد هيدق بابك".. بشرى سارة لمواليد برج الجوزاء اليوم (توقعات الصعيد المهني والمادي)    جيانكارلو اسبوزيتو بطل Breaking Bad ينضم لعالم Marvel    شقيق ياسمين صبري يتعرض للإغماء في أمريكا    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    مستشار الأمن القومي الإسرائيلي: كنا قريبين من القضاء على السنوار واجتياح رفح قريب جدا    البابا تواضروس الثاني يصلي قداس عيد القيامة في الكاتدرائية بالعباسية    انخفاض جديد في أسعار الأجهزة الكهربائية وهذا سر ارتفاع سعر التكييفات (فيديو)    لغز روشتة الأطباء أبرزها، شعبة الأدوية تكشف أسباب نقص الأدوية رغم انتهاء أزمة الدولار    بسبب الاستحمام.. غرق طفل في مياه ترعة بالقليوبية    رئيس جامعة دمنهور يشهد قداس عيد القيامة المجيد بكاتدرائية السيدة العذراء    احتدام المنافسة بانتخابات البرلمان الأوروبي.. الاشتراكيون في مواجهة تحالف المحافظين مع اليمين المتطرف    مدير أمن أسيوط يتفقد الخدمات الأمنية استعداداً لعيد القيامة وشم النسيم    مختار مختار: محمود متولي لاعب رائع وسيضيف للأهلي الكثير    بمشاركة مصطفى محمد.. نانت يتعادل مع بريست في الدوري الفرنسي    محافظ القليوبية يشهد قداس عيد القيامة المجيد بكنيسة السيدة العذراء ببنها    بسبب ماس كهربائي.. المعمل الجنائي يعاين حريق مخزن قطع غيار بالعجوزة    الزراعة تعلن تجديد اعتماد المعمل المرجعي للرقابة على الإنتاج الداجني    بعد الوحدة.. كم هاتريك أحرزه رونالدو في الدوري السعودي حتى الآن؟    "إسكان النواب" تكشف أسباب عدم تطبيق التصالح في مخالفات البناء    نميرة نجم: حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها غير موجود لأنها دولة احتلال    سعاد صالح: لم أندم على فتوى خرجت مني.. وانتقادات السوشيال ميديا لا تهمني    صيام شم النسيم في عام 2024: بين التزام الدين وتقاطع الأعياد الدينية    خاص| زاهي حواس يكشف تفاصيل جديدة عن البحث على مقبرة نفرتيتي    إصابة 10 أشخاص فى أسيوط إثر انقلاب سيارة "تمناية"    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    بمناسبة عيد القيامة.. رئيس قضايا الدولة يشارك في احتفال الكاتدرائية المرقسية    عوض تاج الدين: تأجير المستشفيات الحكومية يدرس بعناية والأولوية لخدمة المواطن    لطلاب الثانوية العامة 2024.. خطوات للوصول لأعلى مستويات التركيز أثناء المذاكرة    ب 150 ألف مقدم.. تفاصيل شقق الإسكان المتميز قبل طرحها بأيام- (صور)    رئيس الغرفة التجارية بالجيزة: شركات عدة خفضت أسعار الأجهزة الكهربائية بنسب تصل إلى 30%    أهالي الجنود لجيش الاحتلال: اقتحام رفح يعني فخ الموت.. لم نعد نثق بكم    قتيلان وجرحى في هجمات روسية على 3 مناطق أوكرانية    أوكرانيا تعلن إسقاط طائرة روسية من طراز "سوخوي - 25" فوق دونيتسك    مهران يكشف أهمية استخدام الذكاء الاصطناعي في التأمين    محافظ بني سويف يشهد مراسم قداس عيد القيامة المجيد بمطرانية ببا    فستان حورية البحر.. نجوى كرم تثير الجدل بأحدث إطلالة| شاهد    قداس بدولة الهند احتفالا بعيد القيامة    التحالف الوطني يكرم ذوي الهمم العاملين بالقطاعين العام والخاص بالأقصر    رسالة دكتوراة تناقش تشريعات المواريث والوصية في التلمود.. صور    دعمتم مناقشة هذا الأمر | رمضان عبد المعز يوجه الشكر ل المتحدة    نجل «موظف ماسبيرو» يكشف حقيقة «محاولة والده التخلص من حياته» بإلقاء نفسه من أعلى المبنى    تحذير من الأرصاد بشأن الطقس اليوم: عودة الأمطار وانخفاض مفاجئ فى درجات الحرارة    المنيا تستعد لاستقبال عيد القيامة المجيد وشم النسيم    "زلزال".. تعليق صادم من تامر أمين على صورة حسام موافي وأبو العينين (فيديو وصور)    من القطب الشمالي إلى أوروبا .. اتساع النطاق البري لإنفلونزا الطيور عالميًا    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليست أساطير لكنك عاملتها بمنطق الطير !
نشر في المصريون يوم 22 - 06 - 2016


(1)
كتب الأستاذ أحمد عبد ربه مقالة نشرت في جريدة الشروق يوم 18؟06؟2016، بعنوان (وعي إسلامي مختلف – عن أساطير يجب التخلص منها)،
http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=18062016&id=2b444de4-de47-43ea-b8c5-868bbe9a1fbe
وهي مقالة نستحق التوقف عندها نظرًا لأهمية الكاتب وجديته وأهمية المواضيع التي يتطرق لها.

(2)
وركز الكاتب على ثلاث أساطير يريد أن يفندها وهي كالتالي: أسطورة (وجدت إسلامًا ولم أجد مسلمين)، وأسطورة (العودة إلى الله كسبيل للتقدم)، وأسطورة (لا كهنوت في الإسلام) !!، وسنستعرض في الفقرات التالية كيف وصل الكاتب إلى قناعة أن تلك المقولات هي أساطير لا أصل لها في الواقع، وما هو منهجه في ذلك، ثم نناقشه فيه بما يسر الله.

(3)
عن الأسطورة الأولى يقول:
«وجدنا إسلاما بلا مسلمين»، لعلها الأسطورة الأكثر بؤسا تشكيلا لوعينا المعاصر! أسطورة بها قدر عجيب من الصلف والنرجسية والاستسهال والانعزال عن الواقع! العبارة يتم ترديدها منذ القرن التاسع عشر على الأقل تفسيرا لأسباب تقدم وتحضر الآخر (غربا أو شرقا) وتخلف مجتمعاتنا الإسلامية! بدلا من أن نعطى الآخر حقه في التقدم والنهضة بأسلوبه وثقافته وتاريخه وخصوصيته، نستسهل ونعتبر أنهم يتبعون الإسلام ثم نتحسر لأن ما ينقصهم فقط هو أن يتحولوا إلى «الإسلام»! ما هذا البؤس؟! أنت لم تجد إسلاما ولم تجد مسلمين، ولكن وجدت حرية وليبرالية وديمقراطية وعدل وحوكمة وشفافية ومساءلة جعلت هذه المجتمعات تتطور للأفضل رغم ما فيها من مثالب ومشاكل وعيوب لا ينكرها أحد! حينما نتخلص من هذه النزعة المركزية البائسة في فهمنا لتطور التاريخ البشرى (السابق والتالي للرسالة الإسلامية)، فسيكون وقتها فقط هناك فرصة للتجديد وإعادة الحياة والفهم لتعاليمنا الإسلامية! "

والحقيقة أنه تعسف جدًا في فهم كلم الشيخ محمد عبده صاحب العبارة، والذي هو معروف أنه لم ينكر ايًا من (أفضال) و(أوجه تقدم) المجتمعات الغربية، بل كان معروفًا عنه – رحمه الله وعفا عنه – أنه شديد التأثر بها مما أثر على منهجه لاحقًا، ولو نزع كاتبنًا التحفز والتعسف في فهم مقولة الشيخ محمد عبده لاتضح له معناها بوضوح، فهو يقول أن المزايا التي عندهم والصفات التي يتصفون بها هي التي حض الإسلام عليها، من الحرية والجدية والعدل والمساواة والنظافة والشفافية وغير ذلك مما أفاض فيه، فهذا هو ما حض الإسلام عليه، فكأنه يرى فيهم وفيما يطبقون في بلادهم ما أمر به الإسلام، لا أنهم اكتشفوا الإسلام فتقدموا، أو أخذوا الإسلام فوصلوا به إلى ما وصلوا، أو أنه يغمطهم حقهم، كل هذا كلام خارج السياق، ويتعامل مع كلام الإمام محمد عبده بسطحية وتحفز، محمد عبده كانت رسالته للداخل، لينشط المسلمين ويثير فيهم الغيرة والنخوة على أن الذين وصلوا لتطبيق ما أمر الله فيه في دينه من الصفات الجيدة هم أهل الغرب، ولا بأس بالأخذ بوسائلهم طالما تقود إلى ما أمر الله، مع تجنب ما نهى الله (وإن كان هذا الفرز في الواقع لم تشدد عليه مدرسة الإمام محمد عبده للأسف، وهذا دليل إضافي على خطأ ما ذهب إليه الكاتب).

(4)
وبنفس المنهج كان تعامله مع الأسطورة الثانية بزعمه «العودة إلى الله كسبيل للتقدم»، حيث قال:
أعلم أن هناك حساسية كبيرة في أن اسمى تلك العبارة «أسطورة»! لكنها الحقيقة المؤلمة التي يجب أن نعيد فهمها! العودة إلى الله لا يجب أن تكون مشروطة بأي شيء! لا قبل العودة ولا بعدها! العودة إلى الله هو شعور سرمدي تتلامس فيه الغيبيات مع الفطرة مع الخبرة الشخصية والحياتية، وهى بهذا المعنى تختلف معانيها ومعالمها من شخص إلى آخر! هناك من «يعود إلى الله» بالصلاة أو الصوم أو الزكاة أو الحج أو غيرها من العبادات التي ربما قد يكون انقطع عنها فترة إنكارا أو شكًا أو كسلا أو ارتباكا! وهناك آخر يعود إلى الله بعد أن يصحح مظالم قد قام بها في هذه الحياة وآذى بها غيره من البشر، وهناك من يعود إلى الله بتنقية نفسه وروحه بالذكر أو التواشيح أو المديح! وآخرون يعودون إلى الله بالتأمل في البحار أو الجبال أو بالعطف على الحيوانات أو بمساعدة اللاجئين والعاجزين ومن تقطعت بهم سبل الحياة! العودة إلى الله ليست معادلة للتقدم أو التخلف، العودة إلى الله خبرة شخصية غير مشروطة وغير محدودة ولا يمكن وصفها إلا لمن مرَّ بخبرتها، وهى بهذا المعنى لا علاقة لها بالتقدم ولا بالتخلف، فأكثر المجتمعات تقدما في عالمنا المعاصر هي مجتمعات ينتشر بها الإلحاد!
مرة أخرى تعسف في قراءة النص (المقولة)، فسبيل التقدم ليس شرطًا للعودة إلى الله كما ذكر، بل نتيجة له !!، فكيف فهم أنه شرط على العودة إلى الله، أو محددًا له ؟!!، ولما كان فهم المقولة مغلوطًا ابتداءً- مثلما كان الحال مع المقولة السابقة - فمعظم ما أنبنى عليه خرج خارج السياق تمامًا، فهناك فارق بين العودة الشخصية إلى الله بالتوبة عن الذنوب الشخصية، أو التفكر في مخلوقات الله، أو رد المظالم، وبين الرجوع المجتمعي إلى الله، وهو تطبيق كل ما سبق ويزيد عليه تطبيق الآليات الإسلامية في المجتمع من تشريعات وبنى مؤسسية ورابط اجتماعية واقتصادية وسياسية مستقاة جميعها من ضوابط الإسلام وتصوراته لحركة المجتمع، كما بينها الكتاب والسنة، وكما جسدتها سيرة الرسول وخلفائه الراشدين، وكما استجلاها مفكرو الإسلام المحدثين من خلال تلك المصادر، وأما المقارنة الختامية التي صنعها الكاتب وأن أغلب المجتمعات المتقدمة ينتشر فيها الإلحاد، فإن هذه المجتمعات تقدمت في أوجه ومجالات وتأخرت كثيرًا في أوجه ومجالات أخرى تقر بها تلك المجتمعات وتعترف، فأما ألأوجه التي تقدمت فيها فمعظمها لا يتعارض مع ما دعا إليه الإسلام بل يكاد يتوافق معه، وأما المجالات التي تضعضعت فيها فهذا للبعد عن الله ولعل انتشار الإلحاد يفسره، فهذه المجتمعات ذاتها هي الأعلى في معدلات الكثير من الجرائم، وهل الأعلى في معدلات الانتحار، فلم ينقذهم التقدم العلمي من الهوة النفسية المستحكمة عندهم، فهم يحتاجون للأوجه من الإسلام المفتقدة عندهم تمامًا كما نحتاج نحن لأوجه من الإسلام مفتقدة عندنا، ولا يعمل الإسلام عمله في المجتمعات إلا بطريقة شمولية وقائمة على أسس من الإيمان، وليس مجرد الأخذ، " مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً "، " وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً "، هذه الآيات وغيرها تؤكد أن هذه المقولة التي يتحفظ عليها الكاتب حقيقة إيمانية وليس أسطورة.

(5)
ويتحدث الكاتب عن الأسطورة الثالثة:
«الإسلام ليس به كهنوت»! أشعر بالسخرية وأن الضحك يساوى البكاء كلما سمعت هذه العبارة! صحيح أن الرسالة لم يكن بها كهنوت، لكن وبنفس درجة الصحة فإن الإسلام عرف الكهنوت منذ أحداث الفتنة الكبرى وبعد وقت قليل للغاية من وفاة الرسول محمد (عليه الصلاة والسلام)! تاريخ الإسلام منذ ذلك الحين هو تاريخ كهنوتى خالص، وما دولة الخلافة المزعومة التي يسعى إليها ويحلم بها قطاع لا بأس به من المسلمين إلا دولة كهنوتية خالصة! وما قطاع كبير من «علماء» الإسلام الحاليين إلا مجموعة من الكهنة الكبار أو الصغار وفى انتظار فرص الترقي إلى أعلى هرم الكهنوت! هؤلاء الذين يلبسون غطاء على رءوسهم في استوديوهات مكيفة ليس بها شمس ولا حر هم كهنة!، هؤلاء الذين يتبعون «السلطان» ويحللون حلاله ويحرمون حرامه هم كهنة! هؤلاء الذين يحدثونك عن الزهد والطاعة وعدم الخروج على الحاكم، بينما هم ينعمون بالشهرة والمال من فتاوى الدين المنضبطة سياسيا هم كهنة! أولئك الذين يحرضون ضد المفطرين فى نهار رمضان أو ضد السافرات بينما يخرسون أمام الظلم والقمع والقتل هم كهنة! بل أن هناك تراثا إسلاميا كاملا يتمحور حول «السلطان» ضد كل قيم العدل والرحمة تطور عبر قرون طويلة من الخلافة العضوض، فهل ننكر كل ذلك لنريح أنفسنا؟!)

هذه المرة جمع كلام الكاتب بين لفهم غير الدقيق للمقولة كما في المرتين السابقتين، وأضيف إلى ذلك قلة دراية بتاريخ المسلمين أوصلته لمجازفات تاريخية عجيبة مثل القول أنه (وبعد وقت قليل للغاية من وفاة الرسول محمد (عليه الصلاة والسلام) وتاريخ الإسلام منذ ذلك الحين هو تاريخ كهنوتى خالص، وما دولة الخلافة المزعومة التى يسعى إليها ويحلم بها قطاع لا بأس به من المسلمين إلا دولة كهنوتية خالصة!).

فالكاتب يفهم الكهنوت أنه مجرد ظهور بعض رجال الدين الموالين للسلطان بأقوالهم أو كتاباتهم، أو أضفاء مسحة دينية على الحكم، والحق أن هذا غير صحيح تمامًا، فالكهنوت كما ظهر في الديانات الأخرى هي ظهور طبقة دينية – أو مؤسسة دينية - تدعي العصمة وتدعي الوساطة بين العبد وربه، وهذه الطبقة الدينية أو المؤسسة الدينية المعصومة والواسطة أم تحكم بطريق مباشرة فتكون ما يطلق عليه (الثيوقراطية)، أو تتحالف مع الحكام وتعطيهم شرعية (الحكم بالحق الإلهي) فيكون الحكم الملكي المطلق المستند على الحق الإلهي (الأوتوقراطية)، وتاريخ المسلمين السنة – على كثرة ما فيه من زلات وأخطاء كما فيه من إنجازات – لم يعرف أبدًا الثيوقراطية، بل ولا حتى الأوتوقراطية بطريقة أوروبا في القرون الوسطي، حتى تحت حكم الأمويين والعباسيين، أما عن الثيوقراطية والكهنوت، فقد نجح أهل السنة في الابتعاد عنها منذ ا للحظة الأولى بنفي (العصمة) عن كل ما عدا الأنبياء، فلا يوجد معصوم عند أهل السنة من الخطأ ولا من التصويب، لا صحابي ولا تابعي ولا عالم ولا حاكم، مهما علا شأنه، بدءً من أبي بكر الصديق الذي قال في أول خطبه على المنبر بعد توليه الخلافة (وليت عليكم وليس بخيركم) مع أنه في الواقع كان خيرهم، لكنه التواضع في موضعه، وإثبات عدم العصمة وقابلية التقويم، فإن كان يقول (لست بخيركم) فأين هو الكهنوت، بل أين مجاله وأين مجرد إمكانيته ؟!!، وعندما يقول (اذا أحسنت فأعينوني واذا أسأت فقوموني) فأين هو الكهنوت وأين مجاله وأين مجرد إمكانيته ؟!!، وعندما يقرر عمر قرارًا فتعارضه احدى النساء علنًا فيقول ( كل الناس افقه منك يا عمر ؟!)، فأين هو الكهنوت وأين مجاله وأين مجرد إمكانيته ؟!!، وكيف تكون الدعوة لعودة خلافة على منهاج النبوة وتلك كانت مواصفاتها دعوة لدولة كهنوتية خالصة كما يذكر الكاتب ؟.
وإذا انتقلنا إلى عهد (الدولة) الأموية و(الدولة) العباسية حيث الملك العضوض الذي تلا الخلافة فإن أحدًا لم يكون رغم ذلك طبقة كهنوتية، وما كان ذلك ممكنًا مع نفي العصمة، بل إن أئمة المسلمين الكبار ضربوا أروع الأمثلة في ذلك في الابتعاد عن الحاكم بل وفي معارضته أحيانا مما استجلب عليهم الغضب والتعذيب، فقد عذب الأئمة الأربعة جميعًا على يد الحكام، فخلعت كتف الإمام مالك وجلد، ومات أبو حنيفة في السجن، واقتيد الشافعي في الأغلال من اليمن إلى بغداد وكان أن يعدم، وأما محنة الإمام احمد والتي طالت على يد ثلاثة من ملوك بعني العباس فمعروفة، فأين هو الكهنوت وأين مجاله وأين مجرد إمكانيته ؟!!.
وفي مقابل شيوخ السلطان الذين لم ينجحوا في تحقيق أي كهنوت كان شيوخ الحق أشهر بين الناس وأذكر وأقوى تأثيرًا. وهؤلاء كرسوا عدم العصمة، فقال الإمام مالك قولته الخالدة (كل يؤخذ من قوله ويرد عليه، إلا محمد صلى الله عليه وسلم)، ويرفض أن يعمم كتابه (الموطأ) في الأمصار بقوة الحاكم وأمره، فأين الكهنوت.

(6)
وأما عن تشريع عقوبة الردة التي يراه الكاتب متعارضًا مع حرية العقيدة، ويراه أعراض مجتمع مأزوم ومذعور يُفضِّل التظاهر بالإيمان للحفاظ على «النظام العام»، فلا يطمئنه فقط أن يقال (أنها متروكة لولي الأمر لينفذها)، ويراها أسطورة تتعارض مع سماحة الدين، وهو هنا يرد التشريع أو يشكك في مصدره وفي دقة نسبته، فطبيعي أن يرد ما وراءه من طرق التنفيذ ولو كانت ضمانة واضحة.



(7)
وتبقى الأسطورة الخامسة التي يسخر الكاتب منها «الإسلام المتآمر عليه» فيقول: العالم كله وفقًا لهؤلاء يستيقظ وينام متآمرا على الإسلام! تحليل محتوى بسيط لخطب الكثير من الشيوخ والعلماء فى أنحاء البلاد التي تقطنها أغلبيات مسلمة، تكشف عن كارثة الغرق فى نظرية المؤامرة! الشبكة العنكبوتية مؤامرة، والسينما مؤامرة، والموضة مؤامرة! بل وحتى لو كنت مسلما موحدا وأردت أن تنتقد أو حتى مجرد تفكر بشكل مختلف وعبرت عن ذلك بالكتابة أو شفاهة فإن الوصف البسيط لأفكارك هو أنك «متآمر على الإسلام»، هكذا دفعة واحدة !، مع العلم أنه لا أحد يتآمر على الإسلام ولا على المسلمين "
ونقول لكاتبنا أنت وما انتقدت على طرفي نقيض غير صحيح، فلا الإغراق في توجسات المؤامرة صحيحة، ولا نفيها بالكلية كما فعلت صحيح، فلا شك أن هناك جهات تتآمر وتتربص، أما بسبب الإسلاموفوبيا المنتشر حاليًا ويعرفه الجميع، أو بتأثيرات الخلفيات التاريخية التي ترقد عميقًا في أذهان ونفسيات البعض، أو المصالح يا عزيزي، ألم تكن المصالح هي التي صدت الكثيرين عن الرسالة منذ ظهورها ودفعتهم لحربها، ومازالت المصالح تحكم وتدفع الكثيرين لصد والتآمر على نمو التيار الديني لتعارضه مع مصالحهم، فكيف يتم نفي نظرية المؤامرة كلية ؟!، وما هي إثباتات هذا النفي ووقائع الأربعة الأعوام الماضية محليًا وإقليميا ودوليًا تثبت الكم الهائل من المؤامرات في كافة الاتجاهات، إن الانقلابات والانعطافات الحادة السياسية والأمنية هي أحداث بطبيعتها نتاج مباشر للمؤامرات والتدبير الخفي، هذه هي طبيعتها، فكيف يمكن محاولة سلخ أشياء عن طبيعتها ؟.

(8)
من هنا يتضح أن كاتبنا تعامل مع الأساطير بمنطق الطير حين ينقر الحب نقرًا، فيلتقط حبة من هنا وحبة من هناك، دون أن يعكف عليها بدراسة جدية، ولعل هذه المقالة وغيرها من التعليقات التي سترد لكاتبنا تفتح له مجالًا لإعادة النظر فيما يظنه من الأساطير وليس بذاك.

م/يحيى حسن عمر
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.