على مدار ولايتين رئاسيتين تاريخيتين، تمكن المصور الرسمي للبيت الأبيض بيت سوزا من تأريخ اللحظات الأكثر حميمية، وصراحة، وهزلاً في رئاسة باراك أوباما. في الأسبوع نفسه الذي تأكد فيه وصول ترامب كمرشح رسمي للحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأميركية، حيث بدا غير ممكن إيقافه، التقى أوباما ب فرجينيا مكلورين، التي تبلغ من العمر 106 أعوام، وفقاً لتقرير لصحيفة الجارديان البريطانية. تظهر صورة التقطها المصور الرسمي للبيت الأبيض بيت سوزا هذا اللقاء، حيث يبتسم أوباما ابتسامة عريضة بينما ترقص زوجته مع مكلورين، والتي دُعيت لزيارة البيت الأبيض اعترافاً بفضلها في العمل المجتمعي الذي قامت به على مدار عقود طويلة في العاصمة الأميركية. كانت الزيارة أيضاً احتفالاً ب"شهر تاريخ السود"، والصورة التي التقطها سوزا بدت حميمية وتاريخية. إنها تضم ثلاثة أميركيين من أصول أفريقية داخل البيت الأبيض، وتحديداً داخل الغرفة الزرقاء، والتي تزينها النجوم الذهبية، وأثاثاً على الطراز الإمبراطوري، بالإضافة إلى صورة لقائد وطني يحمل منديلاً أبيض في يده البيضاء. هذه الصور هي من بين مجموعة كبيرة ذات الطابع الإنساني، والمضحك غالباً، والتي لم يتوقف نشرها عند المكتب الإعلامي للبيت الأبيض فقط، بل نُشِرت عبر موقعي فليكر وإنستجرام، وقد تمكن فيها سوزا من توثيق لحظات من إدارة أوباما لن تُنسى أبداً. وهي بمثابة وثائق تاريخية قيمة, ربما يوجه النقاد من اليسار إلى اليمين أصابع النقد إلى أوباما على كل شيء، بداية من الفشل في إغلاق معتقل جوانتانمو (ما زال يحاول فعل ذلك)، وصولاً إلى الضائقة الاقتصادية المستمرة والتي ساهمت في إنتاج أكثر الانتخابات تطرفاً منذ عام 1860. تخبرنا الصور التي التقطها سوزا بقصة مختلفة، وهي القصة الأهم. حقق أوباما المستحيل، وجعل من البيت الأبيض منزلاً أميركياً أفريقياً لثمان سنوات. ففي صورة مكلورين، والتي وُلِدت عام 1909، في الوقت الذي كانت فيه الحرب الأهلية ذكرى حية في ذاكرة الأميركيين، تزور السيدة أول رئيس أميركي من ذوي البشرة السمراء. والتقط سوزا في عام 2012، صورة لأوباما ينحني للطفل جاكوب فيلاديلفيا البالغ من العمر خمس سنوات في ذلك الوقت ليتحسس رأسه، حيث قال الطفل لأوباما "أريد أن أرى ما إذا كان شعرك مثل شعري"، فكان رد الرئيس "قم بتحسسه يا فتى". جاكوب فيلاديلفيا هو واحدٌ من بين قائمة طويلة من الأطفال الأميركيين من أصول أفريقية التقوا أوباما في البيت الأبيض، وقد تمكنت كاميرا سوزا من التقاط المشهد الذي كان مؤثراً، تلقائياً، وهزلياً. وهناك صورة للطفل كلارك رينولدز (3 سنوات) بينما يبدو عليه الخوف في الوقت الذي يضع فيها أوباما يده على وجهه. التقطت الصورة من مستوى ارتفاع الطفل وصورت بذكاء نظرة الطفل لأوباما، بينما لا تظهر سوى يد أوباما فقط في الصورة على وجه كلارك. وبخلاف الرسومات والصور السابقة للرؤساء، اليد ليست بيضاء هذه المرة. كيف يمكن لأحدهم أن يقول إن هذا الأمر لا يعني شيئاً؟ كلارك الصغير نفسه يظن أن هذا يعني شيئاً، وكذلك سوزا، والذي أصبحت صوره خلال السنة الأخيرة من رئاسة أوباما أكثر شعرية، كما أنها تبدو أكثر تأثيراً. بالتأكيد لم تكن جميع اللقطات الدافئة والإنسانية التي سجلها سوزا داخل البيت الأبيض فصلاً من التاريخ. في كثير من الأحيان، كان سوزا يلتقط ببساطة روح الدعابة وسرعة بديهة أوباما. هناك صورة كبرى رائعة للرئيس يتظاهر فيها أنه وقع في شبكة خفية ألقاها طفل يرتدي ملابس شخصية الرجل العنكبوت. وفي لقطة أخرى رائعة، يظهر فيها في أفضل لحظات الأبوة داعماً لابنته. ربما يبدو أن هناك روابط أكثر بين ريجان وأوباما للوهلة الأولى، وسوزا استطاع رؤية الأمر بالكامل. كلاهما كانا عظيمين فيما يتعلق بالتواصل، حيث لم يفقدا روحهما بسبب المنصب. ريجان -تماماً مثل أوباما- كان ذا نزعة إنسانية، وقدرة على الاتصال بالناس. أن تكون إنساناً هو شيء نادر بين السياسيين المعاصرين. أن تبدو وكأنك تشعر بالراحة داخل مكتبك هو شيء أكثر ندرة. كان ريغان يشتهر بهذا الأمر أيضاً، لدرجة أنه كان من الممكن أن يمزح بشأن الحرب النووية. ربما أخاف نشطاء السلام، إلا أن الشعب الأميركي استمد الثقة من تلك السهولة التي أظهرها ريغان في إدارة الأمور. يُظهر أوباما أيضاً ما أظهره ريغان سابقاً من الفطنة في رئاسته، وذلك ليس حباً في السلطة. لم تظهر صور سوزا أوباما كشخص متعجرف أو منعزل أو خطير. في هذه الصور، دائماً ما بدا سعيداً ومتواضعاً في مكتبه: تظهر إحدى الصور أوباما واضعاً قبضة يده أمام قبضة يد أحد عمال النظافة في مبنى حكومي، وهي تصور إحساسه بالحقائق الكبرى حول عدم المساواة التي ستستمر بعد فترة رئاسته التي امتدت لثماني سنوات.؟ فهذه الصور تخبرنا عن القصة الحقيقية لرئاسة أوباما والتي لم تصفها الكلمات, بعد كل الغضب والكراهية والانتقادات اليمينية، وحتى أوصاف الليبراليين الضعيفة للفترة، تستمر صور سوزا في إخبارنا عن قصة الزعيم الذي كان هادئاً تحت النيران، والذي لم يكن منزعجاً على الإطلاق داخل مكتبه، والذي أظهر لهؤلاء الأطفال الذين مروا أمام مكتبه البيضاوي، والملايين غيرهم، كيف يصبحون أشخاصاً صالحين، كجزء من الولاياتالمتحدة والعالم. هل سنفتقد الشخص الذي يظهر في كل تلك الصور. شاهد الصور..