تعرفت على ملامح أحمد ربيع أزد أحمد أو «سيد أحمد» قبل وصولنا إلى مدينة أورهوس من خلال رؤيتى صورته فى صحيفة أخبار الدنمارك، حيث يحرر بابا ثابتا فى صفحتين كاملتين للاستشارات القانونية للجالية العربية، وكان فى ذهنى سؤال واحد له: «كيف يستطيع مهاجر أجنبى بلا أوراق ثبوتية عن جنسيته أن يصل فى خلال أعوام محدودة إلى منصب نائب رئيس المجلس البلدى فى مدينة هى الثانية فى حجم عدد السكان بالدنمارك». عائلة الشاب البالغ من العمر 34 عاماً مثل عشرات الآلاف من فلسطينيى المخيمات اللبنانية، لا يمتلك جنسية محددة، لكن أحمد يُصر، وعلى حد قوله لنا بعد أن قطعنا 400 كيلو متر من كوبنهاجن للقائه، على التأكيد للدنماركيين أنه فلسطينى، ومن مدينة عكا. الشاب الأسمر بالملامح المصرية الجنوبية التى تشبه كثيرا ملامح أحمد زكى رد على سؤالى بالقول: «الظروف فى بلد ديمقراطى مثل الدنمارك خدمتنى.. ولم أكن أحلم بأن أصل إلى منصب العمدة (لكل مدينة أكثر من عمدة، ولكل واحد منهم مهام محددة ويتزعمهم رئيس البلدية)ب. وأضاف: «قلت لنفسى مادمت أستطيع أن أخدم الناس أكثر، وبما أن حزب الشعب الاشتراكى الذى انتمى إليه يؤمن بما أقوم به، فلماذا لا أكون طموحاً وأرشح نفسى لمنصب نائب رئيس البلدية.. بل لماذا لا أرشح نفسى للبرلمان فى الدورة المقبلة». وصلنا المدينة وأحمد يلقى خطابا فى عدد من الدنماركيين والمهاجرين بمناسبة الاحتفال بعيد الدستور الدنماركى، وهو احتفال تنظمه جماعة أطلقت على نفسها «الدنماركيون الجدد»، وخلال الاحتفال كان المنظر اللافت هو سيطرة الأجانب والمسلمين على المكان.. عشرات المحجبات وعشرات الأفارقة.. وبنات صغيرات دون سن العاشرة بالحجاب.. وعرفنا فيما بعد أن 70% من سكان المدينة هم من الأجانب، مما شجع أحد رجال الأعمال فى المدينة من الداعين للتعايش مع الأجانب واسمه أولف دى لندا، إلى إقامة سوق تجارية ضخمة اسمها «بازار فيست» تضم نحو 65 محلاً تجارياً تجمع الأطعمة والمشروبات الحلال من خلال محال البقالة والجزارة والمطاعم والمقاهى وغيرها. وخلال زيارتنا للمكان رأينا كيف أنه استطاع أن يجمع كل الجنسيات الإسلامية الباحثة عن الأطعمة الحلال، لكن جزءاً كبيراً من المتسوقين فى المكان كان من الدنماركيين أيضا. أما عن أحمد سيد أحمد «أول عمدة أجنبى فى الدنمارك» فبدأ حكايته معنا بخروجه وعائلته من بيروت فى عام 1989 بعد أن خسر اثنين من إخوته فى الحرب الأهلية، وقال: «لم يكن لدينا أنا وعائلتى أى مقصد، ولكن كان علينا اللجوء إلى أى بلد أوروبى، فكانت الدنمارك». أضاف: «ألحقتنى عائلتى بالمدرسة فور وصولى هنا، وأتذكر أننى كانت لى مشاكل عديدة مع المدرسين فى حصة الجغرافيا حين يشيرون إلى فلسطين بوصفها إسرائيل، وكنت أرد عليهم بعنف وينتهى الوضع عند مدير المدرسة، وكنت أقول لهم: هذه بلدى.. وإذا لم تعترفوا بأننى فلسطينى فهل أكون قادما من المريخ، ونجحت إلى حد ما فى فرض هذه المسألة فى محيطى بالمدرسة ووسط زملائى». وحول مشاكل العرب فى مدينته بالدنمارك بوجه عام يقول: «95% من الشباب الدنماركى تعليمه جامعى، وهنا 10% فقط من الدنماركيين العرب لديهم شهادات مماثلة، فمعظم الشباب قادم من بلاد بها حروب ومشاكل سياسية وتحدياتهم أكبر من قضية الحصول على تعليم مناسب، والجيل الجديد أفضل كثيراً». ويضيف: «لدينا مشروع هنا اسمه (القدوة) ومن خلاله نستضيف الحاصلين على شهادات عالية ولهم مناصب مرموقة ليحدثوا الشباب عن أهمية التعلم». وعن «دولة الرفاهية» التى يعيشها الدنماركيون ومعهم الأجانب قال: «الدستور هنا هو الركيزة الأساسية للديمقراطية، فهو يؤمن للناس حقوقهم، ويؤمن حق المعارضة وحق التظاهر، لكن الأزمة الاقتصادية وبعض القرارات والممارسات اليمينية أثرت بالسلب بعض الشىء على حقوق الأجانبب، وأضاف: «حتى الآن الآثار السلبية محدودة، ومثالاً على ذلك، كان كل طفل دنماركى يحصل على دعم بقيمة 3 آلاف كرونة كل 3 شهور (الكرونة تساوى جنيهاً واحداً تقريباً) وذلك لتغطية اشتراكه فى النوادى والممارسات الرياضية، وهذه الميزانية تم تقليصها مؤخراًب. وأشار أحمد إلى أن الاندماج المتبادل له الأهمية القصوى فى مسيرة الأجانب فى الدنمارك وأوروبا بشكل عام، قائلاً: «أحترم عادات الآخرين، وعلى الآخرين احترام تقاليدى ودينى أيضاً، فلدينا هنا مفاهيم خاطئة عن العرب والمسلمين إضافة إلى التشويه الحادث فى قضايا الحجاب والنقاب والإرهاب، لكنهم لديهم رغبة فى الفهم ومراجعة المواقف عندما يثبت العكس». وأوضح أحمد أن العرب ليسوا مطالبين بأن يكونوا دنماركيين تمامًا، ولكن عليهم تقبل ثقافة المجتمع وقيمه، وأشار إلى أن أى احتفال تتم دعوته إليه يجد وبشكل تلقائى مجموعة من الأكلات الخالية تماماً من الخنزير والكحوليات، وقال: «المعاملة تقرب الناس، وكثير من الدنماركيين صوتوا لى فى الانتخابات لأنهم يشجعون الاندماج، ويريدون متابعة سياسات وممارسات جديدة». وأشار إلى أن اليمين المتطرف يتزايد فى الدنمارك وفى مدينة أورهوس بالتحديد، ولكنه فى الوقت نفسه أكد وجود حملة ضد ممارساتهم، وقال: فى المقابل يوجد لدينا عرب بأفكار متطرفة ومنهم من يرفض العمل السياسى مثل أنصار حزب التحرير وبعض الصوماليين المتشددين. وحول قضية الرسوم المسيئة للرسول قال أحمد: «معظم الأنظمة الإسلامية والعربية لا مصداقية لها هنا، وبالتالى فإن تدخلها فى القضية أضر بالصورة العامة، فالقضية بدأت بممارسة خاطئة للتعبير عن الرأى الذى يكفله الدستور، ولو تركت العواصم الإسلامية الأمر برمته للمسلمين الدنماركيين لكانوا قد عالجوه على أفضل وجه». ونوه أحمد بأن المقر الرئيسى للصحيفة التى نشرت الرسوم فى مدينته أورهوس، وأنه اجتمع مع رئيس التحرير فى حينها وأفهمه أن نشر الرسوم بهذه الطريقة عمل خاطئ تماماً.