لعل أهم ما يستوقف أى باحث غربى فى نظام الانتخاب فى مصر هو التوليفة الغريبة التى يتسم بها هذا النظام، وهو أمر يدركه جميع الباحثين والمتخصصين فى الشأن الانتخابى، حتى إن غالبية هؤلاء يضطرون لمراجعة هذا النظام أكثر من مرة، كلما حلت انتخابات جديدة، فما بالنا بوضع المرشحين ومن باب أولى الناخبين.. وعامة فإن هذه «اللخبطة» هى جزء من «لخبطة» عامة يجدها المرء بسهولة فى المرور والتعليم والصحة والطوارئ وعشوائيات العمران وبيع الشركات..إلخ. والسؤال الآن هو ما هى أهم مظاهر «اللخبطة» الانتخابية فى مصر؟ 1- وجود مجالس نيابية تتباين فيها العضوية بين التعيين والانتخاب، حيث يعين ما لا يزيد على10 بالشعب، وثلث الشورى، كما تختلف مدة الانتخاب بين5 سنوات للشعب و6 لكل من انتخابات الرئاسة والشورى و4 للمحليات، كما يتباين حجم الانتخاب بين تجديد نصفى كل3 سنوات بالشورى، وشامل بالشعب. 2- عشوائية تقسيم الدوائر الانتخابية من حيث عدد الناخبين بين مجلسى الشعب والشورى، أو من خلال المقارنة بين وضع الدوائر فى كل مجلس على حدة، مما يضرب قيمة المواطنة فى مقتل، بسبب وجود نواب يفوزون حال تصويت الآلاف لهم، وآخرين فى دوائر أخرى يفوزون بتصويت المئات لهم. 3- الإشراف على الانتخابات بشكل مختلف، ففى انتخابات الرئاسة يوجد لجنة لا يُقبل الطعن على قراراتها، وفى انتخابات المحليات توجد وزارة الداخلية والمحافظات كجهة إشراف، وفى انتخابات مجلسى الشعب والشورى يوجد لجنة أخرى، رغم أنه يقبل الطعن على قراراتها، إلا أنه يهيمن على معظم الأدوار المفترض أن تناط بها كالسجلات والدوائر ولجان الاقتراع بوزارة الداخلية. 4- تباين وضع الأحزاب عن وضع المستقلين فى الترشيح لانتخابات الرئاسة، كما يوجد خلاف بين ترشيح الأحزاب قبل وبعد عام 2017، وخلاف بين ترشيح المستقلين فى تلك الانتخابات بالنسبة لعدد من يزكونهم من مجلسى الشعب والشورى والمجالس المحلية. 5- إعلان فوز العضو الخاسر فى المجالس الثلاثة المنتخبة مقابل خسارة الفائز لمجرد استكمال نسبة العمال والفلاحين فى تلك المجالس الثلاثة. 6- وجود انتخابات إعادة «دور ثان» فى الشعب والشورى التى يتم الفوز فيها بالأغلبية المطلقة على عكس المحليات التى يتم الفوز فيها من الدور الأول أى بالأغلبية النسبية، أما بالنسبة للتزكية فتتم فى الشورى والمحليات بمجرد ترشيح العدد المطلوب فقط، بينما فى الشعب فيشترط القانون فوق ذلك حصول المترشح على10% من الأصوات الصحيحة. 7- وجود كوتة للمرأة فى مجلس الشعب دون المجالس الأخرى، مما يخل بمبدأ المواطنة لصالح المرأة، وفى مجلس الشعب تصبح المحافظة كاملة (باستثناء ثلاث محافظات) دائرة انتخابية واحدة للمرأة، بينما تقسم محافظات مصر للناخبين خارج كوتة المرأة إلى عدة دوائر، مما يخل بمبدأ المواطنة ضد المرأة. 8- مرونة النظام الانتخابى بشكل سلبى، بمعنى السماح للأحزاب بترشيح أكبر من العدد المطلوب فى الدائرة الواحدة، وهو ما تكرر كثيرًا من قبل الحزب الوطنى فى انتخابات مجالس الشعب الماضية ومجلس الشورى الحالى، وكذلك السماح للمنشقين عن الأحزاب، وجميعهم تقريبًا من الحزب الوطنى بالعودة إلى حظيرة الحزب رغبة فى نيل الإجماع داخل الهيئات البرلمانية. 9- تباين شروط المرشح لرئاسة الجمهورية مقارنة بشروط عضو البرلمان، ففى حين تنخفض شروط ترشيح الأول وهو المنصب الأرفع إلى 4 كما فى المادة 75 من الدستور، تزيد شروط الثانى إلى 6، وهو أمر مرتبط بفتح الباب أمام الأول للترشيح ممن هم من ذوى أصول عسكرية، صحيح أن هناك شروطاً أخرى للترشح للرئاسة بالمادة 76 لكنها شروط مفصلة على من يرشحه الحزب الحاكم. وهكذا، يتبين أن هناك ما يشبه الفضيحة فى النظام الانتخابى، وهو أمر حتمه رغبة النظام الحاكم فى الاستمرار فى الحكم لأطول فترة ممكنة، وأيضًا وضع نظم انتخابية يصعب للغاية تعديلها كنسبة العمال والفلاحين السهل وضعها والصعب إلغاؤها.