■ واحد وخمسون عاماً لم يفز فيها الزمالك أبداً على الأهلى فى بطولة كأس مصر.. وحين لعب الفريقان مساء أمس الأول المباراة رقم ثلاثين بينهما، كان لكل طرف من أطراف اللعبة حساباته الخاصة به وحده.. حسام حسن أراد وطمع فى تأكيد جدارته واستحقاقه المجد الأبيض وانفراده بواحدة من أهم وأغلى الصفحات فى كتاب تاريخ الزمالك باعتباره المدرب الذى أنهى صيام وعذابات وجروح الواحد والخمسين عاماً.. وحسام البدرى كان يريد الفوز ليؤكد أن قرار إدارة الأهلى تجديد تعاقدها معه لموسم جديد لم يكن قراراً خاطئاً أو متسرعاً وأنه احتاج للفوز بالدورى ليوقع عقد الموسم الجديد مع الإدارة وسيحتاج للكأس ليوقع عقداً أهم وأجدى مع جمهور الأهلى.. أما لاعبو الأهلى فكانوا يفتشون عن فوز يردون به اعتبارهم ويثبت نجومهم الكبار أنهم كبار المقام والقيمة والمكانة وليسوا عواجيز الفرح الذين يجلسون، والجميع يعرفهم لكن لا أحد يعول عليهم أى إنجاز أو نجاح.. والصغار منهم كانوا يريدون انقلاباً يشبه ثورات الشعوب حين تتحرك وتستبدل قادتها القدامى بوجوه وأفكار وأحلام جديدة.. وفى المقابل كان لاعبى الزمالك يريدون فوزاً استعراضياً أو مسرحياً حيث كل نجم أو لاعب يقف دقائق على المسرح تكفى لتأكيد موهبته وممتلكاته الكروية، لفرض شروط جديدة على إدارةٍ فى الزمالك لن تبخل بأى مال لو تحقق هذا الانتصار الذى سيعنى انتصاراً لهذه الإدارة قبل اللاعبين ومدربهم خاصة قبل الحكم النهائى فى قضية بطلان الانتخابات.. أما فى المدرجات وأمام الشاشات، وفى البيوت والمقاهى والمكاتب.. فكان جمهور الأهلى لا يريده فوزاً للأهلى على الزمالك وإنما أرادوه فوزاً لجمهور الأهلى على حسام وإبراهيم حسن.. فهذا الجمهور الذى أوجعته طيلة الفترة الماضية تصريحات حسام الغاضبة والكارهة للأهلى وكلمات إبراهيم المستفزة والجارحة كان يتخيل أن خسارة الأهلى أمس الأول لن تعنى فى النهاية إلا مزيداً من الجنون والغضب والجرح والإهانة ولابد من وقف هذا التيار قبل أن يصبح سيلاً يتحول فى أى لحظة إلى طوفان.. وفى الناحية الأخرى كان جمهور الزمالك يبحث عن أول فوز له على الأهلى بعد ستة مواسم صعبة وموجعة وحزينة، وكان يريده فوزا بطعم حسام حسن وشيكابالا والمحمدى لتصبح له نكهة الروح حين تعود، والكبرياء حين يتعافى من أى خدوش أو جروح.. ولكن.. جاءت نهاية المباراة أمس الأول ليفوز الأهلى ويبقى الزمالك عاجزاً عن الفوز على الأهلى فى الكأس كما كان طيلة الواحد والخمسين عاماً.. انتصر البدرى فيما أراده وحقق نجوم الأهلى الكبار والصغار مبتغاهم، وخرج جمهور الأهلى فائزاً على حسام وإبراهيم حسن.. ومع كامل تقديرى واحترامى لكل استوديوهات التحليل الفنى التليفزيونى والصحفى.. فالحسبة هذه المرة لم تكن فنية على الإطلاق.. وإنما كانت حسابات من نوع خاص جديد.. شديد الحساسية والخصوصية.. ولهذا لم يكن فوز الأهلى أمس الأول يعنى غلق الدفاتر وإنهاء الحساب.. فالدفاتر كلها لاتزال مفتوحة.. والحسابات لاتزال معلقة.. وجمهور الزمالك وإدارته بقيادة حسام حسن سيبدأون من بعد غد تشجيع الأهلى حتى يفوز بكأس مصر، وبالتالى تسنح الفرصة لمواجهة رابعة بين الفريقين هذا الموسم فى بطولة كأس السوبر ليعود كل الأطراف يحملون أوراقهم وأقلامهم ويعيدون كل هذه الحسابات من جديد. ■ كنت أشاهد مباراة أمس الأول وضيفى الوحيد وشريكى فى الفرجة هو محمد روراوة، رئيس الاتحاد الجزائرى لكرة القدم، لم يكن معى ولكننى كنت أرى المباراة بعينيه الطامعتين فى أى شغب أو انفجار سلوكى وأخلاقى، ليجرى ويصرخ متهما المصريين كعادته بالشغب والإجرام الكروى، وليكرر من جديد أكاذيبه وادعاءاته بأن «الفيفا» هدد مصر بطردها من تصفيات كأس العالم المقبلة فى حالة ممارسة أى شغب جديد.. وتخيلت روراوة يشاهد هذه المباراة مسلحاً بآلات تسجيل للصوت والصورة ليضم مستندات جديدة لملف كراهيته لمصر.. وحين انتهت المباراة دون أى شغب أو خروج على أى نص أو قانون، أحسست بالفرحة الهائلة والامتنان الحقيقى لكل مشجع كان فى الاستاد سواء انتمى للأهلى أو الزمالك.. تمنيت لو كان باستطاعتى أن أقف عند باب الاستاد وأصافح كل مشجع خارجا وأشكره لأنه نصرنى على روراوة وكل كارهى مصر والكرة فى مصر.. فهذا الجمهور العظيم نجا من الكمين المنصوب له وأثبت أنه عاشق حقيقى لمصر وللكرة المصرية.. وبعيدا عن روراوة.. فإن ما جرى فى تلك المباراة كان درسا يستحق التوقف والتحليل والتطبيق فى ملاعب ومناسبات أخرى.. فليس هناك جمهور فى مصر ستحزنه خسارة بقدر حزن جمهور الزمالك أمس الأول.. وبالتالى تسقط كل المبررات التى قد تسوقها جماهير أخرى للخروج على القانون والنظام.. ويصبح كل من يثير الشغب فى أى مباراة أو أى ملعب يستحق المساءلة والعقاب دون أى ضعف أو تهاون.. أيضا كان من الضرورى معاقبة الذين رفعوا تلك اللافتات المسيئة للزمالك فى استاد القاهرة، وكان من الواجب إزالتها فورا، لأنها كانت لافتات مسيئة وتنتقص من قدر الزمالك ومكانته.. فلا الزمالك أبدا كان ناديا للإنجليز.. ولا هو فى مزبلة التاريخ.. فالزمالك هو الذى قاد ثورة التمصير ضد الإنجليز عام 1917 وهو الذى أسس أول بطولة كروية فى مصر هى الكأس السلطانية، وهو الذى فاز بأول بطولة لكأس مصر، وهو الذى أسهم فى رواج وشعبية هذه اللعبة الساحرة فى مصر كلها.. ولو كان الزمالك بكل انتصاراته وعطائه الرائع إلى مزبلة التاريخ فنحن بذلك نفقد نصف تاريخنا.. ثم إننى لا أفهم سر المعايرة بالإنجليز مع أن أول رئيس للنادى الأهلى كان إنجليزيا ولم ينتقص ذلك من وطنية الأهلى كأول ناد فى مصر للمصريين أو النادى الذى قاد الروح الوطنية فى ملاعب الكرة طيلة مائة سنة. ■ الذين يكرهون حسام حسن.. سيقولون إن مباراته أمام الأهلى أمس الأول فى كأس مصر كشفت حقيقة قلة حيلته وضآلة خبرته وتواضع تجربته وأبانت حدوده وقدراته كمبتدئ لايزال فى خطواته الأولى فى مشوار التدريب.. والذين يحبون حسام حسن سيقولون إنه لم يخطئ ولم يفشل ولكنها كرة القدم ومفاجآتها، ومن الظلم والعبث تقييم تجربة حسام المدهشة والرائعة مع الزمالك واختصارها فى مباراة واحدة خسرها، وكان من الممكن أن يكسبها.. وأنا لا أوافق الذين يكرهون حسام حسن لأننى باختصار لا أكره هذا الرجل ولا أضمر له شرا أو حقدا.. ولا أوافق أيضا الذين يحبون حسام حسن فأعفيه من أى لوم ومسؤولية وعتاب.. وبعيدا عن الفريقين والذين يمارسون الكراهية أو الحب.. أؤكد أن حسام كان فى حاجة لهذه الصدمة حتى يفيق ويكف عن التحليق فى فضاء الغرور والوهم الزائف ويعود من جديد يقف على أرض الواقع مدربا مالكا كل الأدوات التى يحتاجها أى مدرب لينجح ويلمع ويتألق ويحترف صناعة الفرحة والانتصار.. وأنا أؤمن بأن هزيمة الزمالك أمس الأول هى التى ستهدينا مدربا رائعا للمستقبل اسمه حسام حسن.. ولست أخترع قصصا وهمية أو أصيغ كلاما فارغا.. ولكننى أستند إلى تجارب كثيرة وحقيقية محليا وعالميا، وأعرف أن حسام كان فى حاجة لهذا الدرس حتى يتفرغ للتدريب فقط ويتخلى تماما عن أدوار أخرى بدأ حسام يمارسها، رغم أنه لم يملك بعد المؤهلات الضرورية لذلك.. فحسام لم يفز حتى الآن كمدرب بأى بطولة، وبالتالى لايزال مبكرا جدا أن يرتدى حسام ثوب وهيئة جوزيه مورينيو، مدرب ريال مدريد الجديد، أو أى مدرب آخر.. وحسام الآن عليه أن يعترف بنيله شهادة رسمية وشعبية وإعلامية معتمدة تعترف به كمدرب ناجح.. ولابد أن يسعى للترقى ليصبح الناجح قديرا وخبيرا.. وهذه الخطوة لن يصنعها تهليل المدرجات وصخبها ومقالات الصحافة أو تصريحات التليفزيون وإنما فقط الملعب ونتائجه.. وأثق فى أن حسام لو تفرغ للملعب والمذاكرة والتركيز.. فسيصبح قريبا أنجح مدرب فى مصر وسيصبح مرشحا دائما لقيادة منتخب مصر. ■ أيضا هناك من يحبون حسام البدرى ومن يكرهونه.. والذين يحبون البدرى سيقولون هذا هو حسام وهذا هو ما يقدر عليه.. والذين يكرهونه سيقولون إنه مدرب متواضع ومحدود الفكر والمستوى ولايزال الأهلى فى حاجة لمدرب خواجة.. وأنا شخصيا دون حب أو كراهية.. لا أعرف ما هو المطلوب بالضبط من البدرى حتى ينال شهادة الاعتراف والتقدير.. لماذا نرى أخطاء البدرى واضحة وساطعة بينما حسناته ومزاياه وإيجابياته لا نلتفت إليها ونحب أن نتخيلها بسبب الحظوظ والمصادفات وأقدام النجوم؟! تماما مثل عماد سليمان.. الرائع الذى يقود الإسماعيلى إلى مزيد من التألق يوما بعد يوم دون أن يلتفت إليه أحد ويمنحه ما يستحقه من تقدير وحفاوة واحترام.. فلم أجد حتى الآن أحدا يتوقف ليؤكد بالصورة والوصف والتحليل والإشارة والتفسير أن الإسماعيلى الآن.. بقيادة عماد سليمان.. يقدم أحلى كرة قدم فى مصر.. ربما لأن عماد وفريقه خارج وهج وصخب ودوائر الأهلى والزمالك.. ولكننى سعيد جدا بعماد سليمان وحسام البدرى وحسام حسن وطارق العشرى وطلعت يوسف.. أراهم وجوها مشرقة وورودا صابحة فى عوالم التدريب وملاعب الكرة.. يخطئ أحدهم يوما أو يتعثر أو يخسر.. لكنهم بالتأكيد يبقون جميعهم رهانا جميلا وحقيقيا للكرة المصرية. [email protected]