استعادت واشنطن زمام المبادرة فى الجدل الدائر حول الملف النووى الإيرانى بإعلانها اتفاقاً بين القوى العظمى على مشروع قرار قدمته لفرض عقوبات جديدة على طهران، فيما يعد رفضاً ضمنياً من الغرب لاتفاق مبادلة الوقود النووى الذى وقعته إيران وتركيا والبرازيل الاثنين الماضى. أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون، أمام مجلس الشيوخ بواشنطن أمس الأول، «عملنا بشكل وثيق مع شركائنا فى مجموعة ال6 على مشروع قرار جديد لفرض عقوبات على إيران، ويسعدنى أن أقول إننا توصلنا إلى اتفاق على مشروع قرار متشدد بالتعاون مع روسيا والصين». واعتبرت هيلارى أن مشروع القرار الجديد- الذى رفع على الفور إلى مجلس الأمن- «هو أفضل رد يمكن أن نقدمه على الجهود التى بذلت فى طهران خلال الأيام الأخيرة»، واصفة الاتفاق الذى وقعته إيران مع تركيا والبرازيل بأنه محاولة ل«تخفيف الضغط». وقالت هيلارى، أمس الأول، إن مواصلة التخصيب لا يمكن تبريرها فى إطار اتفاق لتخصيب اليورانيوم الإيرانى فى الخارج، معربة عن قلقها من استمرار إيران فى «تكديس» كميات جديدة من اليورانيوم المخصب منذ الخريف الماضى. وطرح مشروع القرار على مجلس الأمن، وهو يستند إلى القرارات ال3 السابقة المذيلة بعقوبات بحق إيران، «مع تشديدها» كما قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية فيليب كراولى، فيما أفاد مسؤول أمريكى كبير بأن مشروع القرار الجديد لا يتيح لإيران الاستثمار فى الخارج فى قطاعات حساسة، مثل مناجم اليورانيوم والتخصيب أو الأنشطة المرتبطة بالصواريخ البالستية، ويجعل السفن الإيرانية التى يشتبه بأنها تحمل شحنات ذات صلة بالبرامج الصاروخية أوالنووية، معرضة للتفتيش فى عرض البحر. وقال المسؤول - طالبا عدم ذكر اسمه - قبل اجتماع مجلس الأمن- إن المشروع يمنع بيع 8 أنواع من الأسلحة الثقيلة الجديدة إلى طهران، خصوصاً الدبابات والصواريخ، كما يطال القرار قائمة الشركات والأفراد الذين هم على صلة بالبرامج النووية والصاروخية الإيرانية الذين يخضعون لتجميد أموالهم فى الخارج، وبعضهم ممنوع من السفر. وستضاف شركات على علاقة بالحرس الثورى الإسلامى إلى القائمة إذا ما تبين أنها على صلة بأنشطة إيران النووية. وفى القطاع المصرفى، يطلب القرار من الدول رفض إعطاء ترخيص للبنوك الإيرانية التى قد تكون على صلة بأنشطة الانتشار النووى للعمل على أراضيها. وكذلك منع بنوكها من فتح فروع فى إيران إن كان من المحتمل أن تكون لأنشطتها علاقة بالانتشار النووى. وبذلك يزيد مشروع القرار الضغوط التى تمارسها الولاياتالمتحدة فى إطار اختبار القوة الدبلوماسى بين المجتمع الدولى وإيران، غداة التوقيع على اتفاق تبادل الوقود النووى الذى اعتبره مسؤولون أمريكيون مناورة من قبل إيران لتأجيل فرض المزيد من العقوبات عليها، كما قالت القوى الغربية إنه لن يكون كافيا لتهدئة مخاوفهم ومخاوف إسرائيل التى تعتبر القدرات النووية الإيرانية خطرا مباشرا عليها، مشيرين، فى الوقت نفسه، إلى أن استصدار قرار يفرض عقوبات على إيران لا يتعارض مع مواصلة الحوار معها. وقلة من الإجراءات المقترحة فى مشروع القانون تعتبر جديدة، غير أن دبلوماسيين غربيين قالوا إن النتيجة النهائية هى، على الأرجح، أفضل ما كانوا يأملونه بالنظر إلى تصميم الصين وروسيا على تفادى الإجراءات التى قد تضر باقتصاد إيران، بينما أعربت سفيرة البرازيل لدى الأممالمتحدة، ماريا فيوتى، عن استياء بلادها لأن الولاياتالمتحدة وحلفاءها تجاهلت فيما يبدو اتفاق مبادلة الوقود الذى وصفته بلادها بأنه «انفراجة كبيرة». وأوضحت فيوتى أن «البرازيل لا تشارك فى أى مناقشات بشأن مشروع قرار فى هذه المرحلة، لأننا نشعر بأنه قد طرأ وضع جديد»، فيما قال دبلوماسى تركى طلب ألا ينشر اسمه إنه لا يستبعد إمكانية إجراء مناقشات بشأن مشروع القرار، لكنه استدرك بقوله «التركيز على المسار الآخر» وهى إشارة إلى اتفاق مبادلة الوقود، غير أن السفيرة الأمريكية سوزان رايس قالت إن الاتفاق ليست له صلة بتخصيب اليورانيوم الذى أدى إلى التهديد بفرض عقوبات على إيران، واستدركت بقولها إن «الباب مفتوح أمام إيران إذا كانت مستعدة لقبول عروض حل الأزمة من خلال الحوار». ومن ناحيته، قال السفير الصينى لى باودونج إن «الغرض من العقوبات هو إعادة الجانب الإيرانى الى مائدة التفاوض»، مؤكدا، فى الوقت نفسه، أن العقوبات لا تهدف إلى معاقبة الأبرياء ولن تضر بالتجارة المعتادة. وفى المقابل، اتهم رئيس الوزراء التركى رحب طيب أردوجان مجلس الأمن بالافتقار ل«المصداقية» فى تناوله ملف طهران النووى، موضحاً أن الدول ال5 دائمة العضوية فى مجلس الأمن (الولاياتالمتحدةوروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين)، كلها تمتلك أسلحة نووية. وتساءل «أنى لهم الحق فى مطالبة الدول الأخرى بعدم امتلاكها؟». ودعا أردوجان «المجتمع الدولى إلى دعم» اتفاق تبادل الوقود النووى، و«الكف عن التحدث عن عقوبات» ضد إيران بعد هذا الاتفاق، فيما اعتبر، فى الوقت نفسه، أن إيران ستكون بمفردها إذا لم تف بشروط الاتفاق بتسليم اليورانيوم إلى تركيا خلال شهر. ومن ناحيته، اعتبر أحمد داود أوغلو، وزير الخارجية التركى، أن الوقت ليس مناسبا لمناقشة فرض عقوبات دولية جديدة على إيران، محذرا من أن المناقشات بشأن العقوبات «ستفسد الأجواء» وتستفز الرأى العام الإيرانى. ومن جهته، حذر وزير الخارجية البرازيلى سيلسو أموريم، أمس الأول، من مغبة تبنى مشروع قرار جديد لفرض عقوبات، معتبرا أن «تجاهل الاتفاق الذى وقعته طهران ستكون من نتيجته ضرب إمكانية التوصل إلى حل سلمى عرض الحائط».