البريطانيون يعاقبون «العمال» لحساب المحافظين.. ومصير الحكومة الجديدة فى يد «الأحرار»

حقق حزب المحافظين البريطانى فوزاً غير حاسم بحصوله على أكبر عدد لمقاعد البرلمان لكنه لم يحقق الأغلبية المطلقة فى أول انتخابات متقاربة تشهدها البلاد منذ 36 عاما، الأمر الذى يجعل مصير البرلمان معلقا والحكومة بلا حزب أغلبية وتخضع لتشكيل ائتلاف يلعب حزب الأحرار دوراً مؤثراً لأول مرة منذ نحو 70 عاما، وذلك فى مؤشر قوى على عقاب الناخبين للحزب الحاكم بزعامة رئيس الوزراء جوردون براون.
وأشارت النتائج الأولية إلى أن حزب «المحافظين» بزعامة ديفد كاميرون احتل المرتبة الأولى بحوالى 305 مقاعد، دون أن يحقق الأغلبية المطلقة المقدرة ب326 مقعدا والتى تتيح له تشكيل الحكومة. وحل حزب «العمال» بزعامة براون الذى يحكم البلاد منذ 13 عاما فى المرتبة الثانية بحوالى 255 مقعدا من 650 هى إجمالى مقاعد البرلمان، ثم فى المركز الثالث حزب «الديمقراطيين الأحرار» بزعامة نك كليج، بحوالى 61 مقعدا فى حين تتوزع بقية المقاعد على الأحزاب الأخرى.
ووفقا لهذه النتائج حصل «المحافظين» على 100 مقعد إضافياً مقارنة بالانتخابات الماضية فى 2005، بينما خسر حزب العمال أكثر من 85 مقعدا. ومن مفاجآت الانتخابات فوز حزب الخضر بأول مقعد له فى مجلس العموم عن مدينة برايتون الساحلية.
وجرت العادة فى بريطانيا على منح الحزب الذى يحصل على الأغلبية الفرصة الأولى لتشكيل الحكومة، وأن يصبح زعيمه رئيساً للوزراء ولكن فى حالة عدم حصول أى حزب على أغلبية مطلقة، يعطى العرف الدستورى فى بريطانيا لرئيس الوزراء المنتهية ولايته الحق فى التحالف مع القوى السياسية الأخرى لتشكيل الحكومة، وفى حال عجزه عن ذلك، يفتح الباب أمام الحزب الحاصل على العدد الأكبر من المقاعد.
ويتوقع المراقبون أن يتم تشكيل حكومة ائتلافية، مما يجعل الديمقراطيين الأحرار فى موقع الحزب الحاسم لمثل هذا الائتلاف. وإذا حدث ذلك فإن الأحرار سيشاركون فى الحكومة للمرة الأولى منذ أكثر من 70 عاما. وأسفرت أخر انتخابات عن تشكيل برلمان معلق فى عام 1974، ولكن لم يسفر ذلك عن منح مناصب حكومية إلى حزب الأحرار.
ومن المرجح أن تتسبب أول انتخابات غير حاسمة فى بريطانيا منذ 36 عاما وعدم اليقين بشأن من سيشكل الحكومة القادمة فى اضطراب اسواق المال، خاصة أن مراقبين يرون أن الناخبين عاقبوا براون فى هذه الانتخابات بسبب الملف الاقتصادى وأشار المراقبون إلى أن الناخبين يتهمون براون بالمسؤولية عن العجز الكبير فى الموازنة البريطانية الذى بلغ 163 مليار جنيه إسترالينى (242 مليار دولار).
ونشرت الصحف البريطانية تحذيرا من المفوضية الأوروبية بأن عجز الموازنة المتوقع أن يصل إلى 12% من الناتج المحلى الإجمالى فى عام 2011 قد يتجاوز ما حدث فى اليونان،
وفى هذا السياق تقول صحيفة التايمز البريطانية، إن أولوية الأولويات بالنسبة للحكومة الجديدة ينبغى أن تكون ترميم المالية العمومية وإعادة البلاد إلى النمو مجددا، خاصة بعد أن كشفت الأزمة المالية العالمية عن أن 16 سنة من الرخاء لم تبعد شبح الفقر عن شرائح واسعة من المجتمع البريطانى.
وفيما قال زعيم حزب المحافظين ديفيد كاميرون إنه «من الواضح أن حكومة العمال خسرت التفويض لتحكمنا»، ولم يقدم، أى مؤشر الجمعة بأنه سيتنحى عن منصبه بعد أن حل حزبه ثانيا فى الانتخابات العامة البريطانية.
وأعرب براون بعد فوزه بمقعده فى إسكتلندا عن فخره بما حققه حزب العمال خلال 13 عاما من وجوده فى الحكم، واعتبر فى خطاب ألقاه فجر أمس أن من واجبه الاضطلاع بدور فى أن تصبح بريطانيا ذات «حكومة قوية ومستقرة ولها مبادئ». وقال المحرر السياسى فى «بى بى سي» نيك روبنسون، إن أعين براون خلال الخطاب «أبانت عن هزيمة».
وفيما يتعلق بنسب المشاركة أظهرت النتائج أنها تجاوزت ال65% مقارنة ب61% فى الانتخابات الماضية، وذلك على الرغم من أن مئات الناخبين البريطانيين لم يتمكنوا من الإدلاء بأصواتهم بسبب الطوابير الطويلة التى تكدست أمام مراكز الاقتراع وفى إحدى الحالات قلة عدد أوراق الاقتراع. وقالت مفوضية الانتخابات إنها طالبت بإجراء «مراجعة شاملة» للأحداث، والتى لم يتمكن الناخبون خلالها من الإدلاء بأصواتهم حتى إغلاق صناديق الاقتراع فى تمام الساعة العاشرة مساء بتوقيت بريطانيا.
وتحت عنوان «محرومون»، قالت صحيفة الجارديان البريطانية أمس إن عدم تمكن المئات من الإدلاء بأصواتهم قد يؤثر على نتائج الانتخابات»، خاصة أن المراقبون كانوا يتوقعون نسبة مشاركة مرتفعة تناهز نسبة ال71% فى انتخابات 1997 التى فاز بها العمال.
ودُعى نحو 45 مليون ناخب بريطانى إلى التصويت فى 40 ألف مركز انتخابى فى إنجلترا وويلز وإسكتلندا وأيرلندا الشمالية لاختيار 650 نائبا، يشكلون العدد الإجمالى لمقاعد مجلس العموم، ويتكون البرلمان البريطانى من مجلس العموم الذى يجرى انتخابه مباشرة، ومجلس اللوردات، وهو مكون من 704 أعضاء يجرى تعيينهم أو وراثتهم للعضوية.