توجه ملايين البريطانيين إلى مراكز الاقتراع، أمس، للإدلاء بأصواتهم فى انتخابات تشريعية يصفها المراقبون بأنها «تاريخية وحاسمة»، حيث يُتوقع أن تجىء نتائجها متقاربة بدرجة لم تحدث منذ عام 1992، مع آمال حزب «المحافظين» المعارض بزعامة ديفيد كاميرون فى تحويل التقدم الذى تظهره استطلاعات الرأى إلى فوز على حزب «العمال» الحاكم منذ 13 عاماً، دون أن يكون متأكداً من تحقيق الأغلبية المطلقة المطلوبة لتشكيل الحكومة. وفى الوقت الذى يصعب فيه التكهن بالفائز فى هذا السباق الانتخابى المحموم وسط تردد الناخبين فى اختيار مرشحهم، أظهرت أحدث 6 استطلاعات للرأى فى الصحف البريطانية أمس تقدم حزب «المحافظين» على «العمال»- بقيادة رئيس الوزراء البريطانى المنتهية ولايته جوردون براون- بما يتراوح بين 6 و9 نقاط مئوية، مما يجعله أكبر حزب من حيث عدد الأصوات، لكن ذلك لا يمنحه سيطرة صريحة. كانت استطلاعات نشرت أمس الأول توقعت حصول المحافظين على 35% من الأصوات مقابل 29% للعمال و26% للديمقراطيين الأحرار بقيادة نيك كليج، وهى نتيجة تعطى لحزب العمال العدد الأكبر من المقاعد (272) مع تقدم طفيف على المحافظين (270)، مقابل 79 للأحرار. ويعد النظام الانتخابى البريطانى، وهو نظام أغلبية أحادى من دورة واحدة، أكثر ملائمة كثيراً ل«العمال»، وقد يتيح لهم الاستمرار فى شغل العدد الأكبر من المقاعد حتى وإن خسروا فى الانتخابات. وقد زاد المعادلة صعوبة صعود التأييد لحزب «الديمقراطيين الأحرار»، وهو حزب وسط اكتسب نشاطاً وقوة من الأداء القوى الذى ظهر به زعيمه «كليج» فى المناظرات التليفزيونية، والذى يتشارك مع كاميرون فى صغر سنه النسبى (43 عاماً) ويسر أسلوبه. لذا فالنتيجة المرجحة هى «برلمان معلق» لا يفوز فيه أى حزب بأغلبية مطلقة أى 326 نائبا على الأقل من أعضاء المجلس النيابى ال650، مما يفتح الباب أمام تشكيل تحالف أو حكومة أقلية. ويمكن لهذا السيناريو أن يمنح حزب «الديمقراطيين الأحرار» فرصة الإمساك بميزان القوى، ومن المؤكد أنه سيضغط من أجل الدفاع عن قضيته الخاصة بإصلاح النظام الانتخابى وتقريبه أكثر إلى نظام القائمة النسبية. وقد أعلن كليج عشية الانتخابات أنه سيجد صعوبة فى التعامل مع براون إذا حل حزب العمال فى المركز الثالث، لكنه لم يستبعد التعاون مع زعيم آخر لحزب العمال أو مع المحافظين. ولم تشهد بريطانيا مثل هذا النوع من الانتخابات غير الحاسمة منذ عام 1974، وهى غير معتادة على الائتلافات التى يشيع تشكيلها فى دول أوروبية أخرى، حيث يتولى حزب العمال السلطة منذ عام1997، لكنه عانى بسبب حالة الركود الاقتصادى وغضب المواطنين إزاء فضيحة متعلقة بمصروفات برلمانية طالت كل الأحزاب الرئيسية. وفتحت مراكز الاقتراع أمس أبوابها أمام أكثر من 45 مليون ناخب بريطانى للاختيار من بين 4149 مرشحاً يطمحون لدخول البرلمان، ويشمل الاقتراع أيضاً انتخابات محلية فى جزء من البلاد. كان القادة السياسيون فى بريطانيا عرضوا، أمس الأول، أفكار التغيير والاستمرارية فى نداءاتهم الأخيرة للناخبين قبل الانتخابات العامة الحاسمة أمس. وحث براون- الذى يناضل حزبه من أجل فترة رابعة غير مسبوقة فى الحكم- الناخبين على عدم «المخاطرة بالتعافى الاقتصادى» داعيا إياهم إلى دعم حزبه. وخاطب حشداً انتخابيا قائلاً «إذا كنت تريد شخصاً ذا رأى ثاقب وقيم سليمة فإنى أطالبك بالتمسك بى». وقال فى مناسبة أخرى «إننى مقاتل ولن أستسلم». وبدوره، قام منافسه كاميرون بجولة طوال الليل شملت مصانع ومخابز ومراكز إطفاء، فيما واصل كليج التحدث عن عملية التغيير، قائلاً «حان الوقت لأن نختار بين سياسات الماضى والسياسات القديمة وبين شىء ما جديد ومختلف للمستقبل». وسيكون على المحك فى هذه الانتخابات الاقتصاد البريطانى وقدرته على الخروج من حالة الكساد التى يعانيها، وكيف ستخفض الحكومة الجديدة عجزاً هائلاً فى الميزانية لإبطاء زيادة متنامية فى الدين العام. وتريد الأسواق نتائج واضحة من الانتخابات، وتخشى من أن يؤدى أى جمود إلى إصابة البلاد بشلل سياسى، مما يعطل جهود معالجة العجز الذى زاد على 11% من إجمالى الناتج المحلى. ووسط اهتمام عالمى بمتابعة سير الانتخابات البريطانية، اعتبر مسؤول إسرائيلى أن فوز كليج سيكون «خبراً سيئاً لإسرائيل»، بعدما نقلت صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية عن المرشح البريطانى قوله إنه معجب بإسرائيل، لكنه لن يتوانى عن انتقاد حكومتها.