عندى صديق عجيب عجيب.. عندما أراد أن يتأهل ويكمل نصف دينه.. سألته عن مواصفات «فتاة الأحلام» فقال دون تردد.. «جميلة وتافهة».. ضحكت ظناً منى أنه «يهدرز» أى «يهزر»، باللهجة الليبية ولكنه كان جاداً جداً.. ومرت الأيام وتزوج امرأة «تافهة» فعلاً ولكنها للأسف لم تكن جميلة.. كان صاحبىيتصور أن المرأة صاحبة الدماغ العالى هى صداع أزلى يمشى على قدمين ولكنه اكتشف فيمابعد أن العكس أشد بطشاً وأشد تنكيلاً.. والأجيال الجديدة لا تعرف شعار «جميلةوتافهة»، ولكنها ضحية شعار جديد هو «تافه ولذيذ».. فى كل شىء.. فى الإعلانات وفىالأغانى وفى الإنترنت.. «تافه ولذيذ».. أنا شخصياً ضحية الشعار وكم من مرة أضبط نفسى متبحلقاً مفتوح الفم عن آخره وأناأتابع أشياء «تافهة ولذيذة» وأقنع نفسى أن العباقرة ذوات أنفسهم شخصياً يحتاجون بينحين وآخر إلى وسادة من «البلاهة» حتى يريحوا عليها عقولهم قليلاً.. وسادة وليست «لحافاً» ولا «بطانية» ولا «مرتبة».. الموضوع فلت من أيدينا وانتشرت «التفاهاتاللذيذة» فى كل مكان.. فى البيت وفى المنزل وفى السيارة.. ولا بيروسول نافع ولاقصور ثقافة نافعة.. ولا حسن نافعة يستطيع أن يغير من الأمر شيئاً.. «الجدية» دمها ثقيلة.. و«المثقفون» غير مرغوب فيهم.. وأدمغة التلامذة تزداد «تفلطحاً وانبعاجاً» من جراء «الحشو والتزغيط».. وقديماً قالوا «لكل داء دواء يستطببه إلا التفاهة أعيت من يداويها».. ويا ليل يا عين وهات يا مواويل.. تعرف أنا نفسىفى إيه؟.. نفسى أعرف الناس المش تافهين راحوا فين.. هاجروا.. حددوا إقامتهم.. شردوهم فى المنافى.. أين؟.. ولماذا أطلقوا علينا من لا يخافه ولا يرحمنا ليزينوا لنا الأمور بزينة أعيادميلاد الأطفال.. منفوخة على الفاضى.. وتفرقع من شكة دبوس.. أو منفوخة مثل كرة القدمفى مباراة مصر والجزائر.. لماذا نخاف من مواجهة أنفسنا فى المرآة؟!.. لماذا نخاف من التفكير بعمق؟.. لأنه مرهق.. مرة سألنى الشاعر سيد حجاب سؤالاًمفاجئاً.. فيك نفس تسمع قصيدة طويلة؟.. هو يرى أن التلقى والتفاعل والتأمل والتفكيرمع الطاقة الفكرية والروحية لقصيدة الشعر أمر مرهق جداً ويحتاج إلى صبر وجلد.. أماالمزاج المصرى هذه الأيام فهو مع أغنية أحب الناس الرايقة اللى بتضحك على طول أماالعالم المتضايقة أنا ماليش فى دول.. صح.. نحتاج إلى مزيد من البهجات ولكننا لوتأملنا الحديث الشريف «والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ». أوروبا كلها بكت كثيراً وعاشت معارك فكرية ضارية حتى خرجت من الظلام إلى التنويروالنهضة ونجحت فى تشكيل العقل الحديث وهو تعبير كرين برنتون.. فمن يشكل الآن عقلمصر الحديث؟!.. ومن له السطوة فى ذلك؟.. المعلقون الرياضيون أم العلماء؟!.. صناعالتفاهات اللذيذة أم الفلاسفة؟!.. الحنجوريون أم العباقرة؟.. الهتيفة أم السياسيونالوطنيون؟.. الذقون أم الكرافتات؟.. نحن أم الخواجات؟.. إذا عرفت الحل اتصل فوراًبالمجلس الأعلى للثقافة. [email protected]