يختزل الكثيرون خطأ اسم الفاتيكان فى كاتدرائية سانت بييترو «القديس بطرس»، وهى المبنى الرئيسى ذو القبة الخضراء، الذى يضم قبر «الرسول بطرس»، وتقع أمامها الساحة الشهيرة التى تحمل الاسم نفسه، والتى يحج إليها مئات الآلاف من الكاثوليك، الذين يتوافدون إلى الفاتيكان، ليخرج عليهم البابا من شرفته فيخطب فيهم أو يكتفى بالإشارة إليهم بيديه فى مشهد مألوف تتوق إليه قلوب الكاثوليك من جميع أرجاء العالم. غير أن الفاتيكان لا تقتصر على كاتدرائية القديس بطرس، إنما تضم كنوزا معمارية أخرى، منها ما هو أقيم فنيا، وأعظم تاريخيا، وأمتع سياحيا، على رأسها المكتبة والمتاحف المتعددة، والأهم بينها جميعا كنيسة «سيستين شابيل» التى حولتها لوحات مايكل أنجلو، المسقوفة والمعلقة، إلى تحفة فنية يؤمها عشاق الفن التشكيلى والباحثون عن أعمال عظماء عصر النهضة فى القرن ال 16، أمثال مايكل أنجلو، ورافييل، ودوناتيللو، وليوناردو دافنشى. وربما لا يعلم البعض عن هذه الكنيسة سوى أنها المركز الذى يجتمع فيه مجلس الكرادلة لاختيار بابا الفاتيكان، قبل انتظار صعود الدخان الأبيض، الذى يعتبرونه مباركة إلهية للشخصية المنتخبة. غير أن كنيسة «سيستين»، التى اكتسبت تسميتها من البابا «سكستوس الرابع»، هى تحفة فنية ومعمارية، لا يمكن لسائح فى روما أن يدعى رؤيته لإيطاليا دون إمتاع نظره بلوحاتها العالمية التاريخية التى طبقت شهرتها الآفاق. فداخل قاعة مستطيلة، شاهقة الارتفاع، خافتة الإضاءة، مساحتها تفوق ال 3500 متر مربع، لا يملك الزائر إلا أن ينسى آلام الرقبة فيترك رأسه معلقة للخلف، وهو ينظر لواجهتها الأمامية الشاهقة التى زخرفها الرسام الإيطالى مايكل أنجلو فى الفترة من 1508 - 1512 برائعته الشهيرة «يوم القيامة» على خلفية زرقاء سماوية تجسد أحداث المشهد الأخير بريشة أحد أبرع فنانى ذروة هذا العصر الذهبى. وداخل القاعة نفسها، وبينما تتحرك قدماك قليلا للأمام والخلف لضبط زاوية الرؤية، يظل نظرك عالقا بل ترتفع أكثر جهة السقف المزين بعشرات اللوحات التى ذاع صيتها، تتوسطها لوحة «سفر التكوين» أو «بداية الخليقة»، الذى تمتد فيه سبابتان فى طريقهما للتلامس لتجسيد لحظة الخلق الأولى ونفث الروح فى بنيان آدم. من أجل هذه القاعة تحديدا وربما لغيرها من غرف رافييل وممرات الخرائط واللوحات القماشية، أصبح المشهد اليومى لعشرات الآلاف من الزوار على بوابة كنيسة «سيستين» مألوفا على امتداد السور الطويل الممتد من يمين أعمدة ساحة القديس بطرس إلى الكنيسة. بل ومن أجله، ابتكرت شركات السياحة وسائل جديدة لاجتذاب السياح، بدعوتهم لشراء التذاكر بتكلفة أكبر عبر مكاتبها، وتخليصهم عناء الطوابير الطويلة، وهو ما يستجيب له الكثيرون، ليفاجأوا أنهم سيضطرون أيضا للانتظار ساعات فى صفوف طويلة لمجرد الحصول على التذكرة، قبل أن تبدأ رحلة اجتياز الأفواج البشرية لدخول الكنيسة.