بقدر وضوح مواقف جماعة الإخوان المسلمين العراقية قبل الغزو الأمريكى، بقدر تناقضها منذ قرارها المشاركة فى العملية السياسية تحت مظلة الاحتلال الأمريكى، وصولا إلى «فشلها الذريع» فى الانتخابات البرلمانية التى أعلنت نتائجها مساء أمس الأول، بإخفاق «جبهة التوافق» فى تحقيق نتائج إيجابية تذكر، ففى وقت كان فيه الإخوان يؤكدون رفضهم استبدال نظام صدام باحتلال أمريكى، سلك إخوان العراق نهجا مغايرا اعتبره البعض تراجعا عن تاريخهم الطويل الذى يعود إلى عام 1944. وبين عامى 1944 عندما بدأوا عملهم العلنى للمرة الأولى، و2003 ، عندما قبلوا الانخراط فى عمل سياسى تحت مظلة الاحتلال الأمريكى، مضت أكثر من 6 عقود، عاشها الإخوان فى أوضاع متقلبة، حيث تعرض بعض زعاماتهم للاعتقال من قبل الحكومات المتعاقبة، وبرزت وجوه عديدة، من بينها الشيخ محمد محمود الصواف، والشيخ أمجد الزهاوى. لم يكن اسم الإخوان قد تم تداوله، فكانت البداية «جمعية الأخوة الإسلامية»، التى تأسست عام 1944، واستمر نشاط الإخوان تحت هذا المسمى، فشهدت المساجد ودور العلم حركة نشطة لجذب أعداد كبيرة وضمهم إلى التنظيم، أما أول ظهور سياسى علنى لهم فكان بعد ثورة 14 يوليو 1958. وإثر صدور قانون الأحزاب السياسية فى عهد عبد الكريم قاسم، أعلنوا إنشاء حزب أطلقوا عليه «الحزب الإسلامى العراقى»، الذى لم ير النور قبل عام 1960. ومنذ ذلك الوقت انطلق نشاط الإخوان تحت اسم هذا الحزب، ولكن مع وصول حزب البعث للسلطة عام 1968، تعرض الإخوان للملاحقة، واعتقل عدد كبير من نشطائهم، وأعدم عدد آخر ، مما نقل نشاطهم إلى العمل السرى والدعوى، خاصة فى فترة التسعينيات فى عهد الرئيس الراحل صدام حسين، وظهرت بوادر هذه الدعوة من خلال الإقبال على المساجد التى تم بناؤها بأعداد كبيرة، كما انتشرت الكتب الإسلامية فى الجامعات، وكان للعمل الخيرى والإغاثى والاجتماعى دور كبير فى مجال الدعوة. ومع بروز قوى معارضة أخرى لنظام صدام فى بداية التسعينيات، تم الإعلان عن إعادة إحياء الحزب الإسلامى عام 1991 فى المهجر، بقيادة إياد السامرائى، رئيس البرلمان العراقى الحالى، ولكن بعد سقوط نظام صدام، أعاد الحزب إعلان نفسه بقيادة محسن عبدالحميد، ليشارك فى مجلس الحكم العراقى، الذى شكله الحاكم الأمريكى بول بريمر، وكان من المثير للانتقادات آنذاك أن بعض الإخوان وافقوا على العمل تحت سلطة المحتل الأمريكى، بل عملوا من خلال الحزب الإسلامى على تثبيت العملية السياسية الأمريكية، التى تقسم العراق إلى طوائف وأعراق. وفى حين يدافع الإخوان عن قبولهم العمل السياسى تحت سلطة الاحتلال، برغبتهم فى ألا ينفرد الأمريكيون بتقرير مصير الشعب العراقى وتحديد معالم دولته، أخذ عليهم منتقدوهم تقاسم السلطة وفق المحاصصة الطائفية والعرقية، وبينما اقتصرت تلك الانتقادات على الاجتهادات السياسية، ذهب آخرون إلى حد تخوين وتكفير الجماعة. ويعتبر «جيش الراشدين»، أحد أبرز فصائل المقاومة العراقية، الذى يستهجن مواقف الجماعة، معتبرا أن ما قام به الحزب من أفعال وما اتخذه من مواقف، ومرّره من قرارات وقوانين ودستور، وما صوّت عليه من اتفاقيات، وما سعى لإنشائه من كيانات.. مرفوض شرعا، ومُستنكر لا يعفى من تبعاته الشرعية، وسيسأله الناس والله والتاريخ عنها»، وتؤكد المقاومة فى هذا الصدد أن كل ذلك يصب فى صالح مشروع الاحتلال، وبالمقابل فهو ضد مشروع الجهاد. كما تنظر المقاومة العراقية لفرع الإخوان فى العراق باعتبار أنهم لا يمكن فصل قياداتهم بالداخل والخارج، مؤكدة رفضها لمسلك الإخوان فى العمل السياسى فى ظل الاحتلال و«معاونته»، على أساس أن العمل مع الأمريكان يضفى الشرعية لوجودهم العسكرى ويخدمهم، ويمكّن جهات تعمل لحساب مشاريعهم، وتغلّب مصالحها الخاصة على مصلحة الدين والوطن.