يقضى الرئيس «أوباما» أسعد لحظاته هذه الأيام، ويقول أحد مستشاريه إنه لا يذكر أنه رأى الرئيس بهذا القدر من السعادة، من قبل، ولا حتى فى أثناء حصوله على جائزة نوبل فى السلام نهاية شهر أكتوبر الماضى! وسوف تكون دهشتنا بالغة، حين نعرف، أن سعادة الرئيس ليست لها أى أسباب شخصية تتصل بحياته، أو زوجته، أو إحدى ابنتيه، وإنما سعادته الغامرة راجعة إلى أنه قد نجح أمس الأول، فى تحقيق حلم كان يراوده منذ كان مرشحاً للرئاسة العام قبل الماضى! والحلم يتمثل فى نجاحه فى تمرير مشروع التأمين الصحى على الأمريكان المحرومين منه، وعددهم 32 مليون مواطن، بتكلفة تصل إلى 940 مليار دولار!.. وربما تكون المفارقة اللافتة للنظر بقوة، أن التمرير تم بأغلبية 219 عضواً، فى المجلس، فى مواجهة 212 عضواً لم يوافقوا.. ولابد أن هذه هى الديمقراطية حين تتجلى فى صورتها الحقيقية التى تقول بأن موافقة 51٪ من إجمالى الأصوات، فى أى قضية، تكفى لأن يسلم ال49٪ الباقون، دون نقاش! ومع ذلك، فهذا كله، رغم أهميته، مجرد شكل فى الموضوع.. أما الجوهر الحقيقى، فهو أن ما نجح فيه «أوباما» فى 2010، كان قد فشل فيه رؤساء أمريكان سابقون بلا عدد، حاولوا جميعاً، ولكنهم فشلوا، وكان الرئيس نيكسون - على سبيل المثال - يتمنى لو تحقق هذا النصر على يديه، حين كان حاكماً للولايات المتحدة، وخرج من البيت الأبيض مطروداً فى قضية التجسس الشهيرة على الحزب المنافس عام 1974، ولكنه فشل وقتها فى إقناع الأمريكان أولاً، ثم إقناع البرلمان بمجلسيه ثانياً، بأن وجود تأمين صحى من هذا النوع على الملايين من المواطنين، يوفر مئات المليارات من الدولارات على الخزانة العامة! وعندما كان كلينتون رئيساً، من عام 1992 إلى عام 2000، فإنه كان ينام ويصحو، وهو يفكر فى التأمين الصحى، وكان منتهى أمله أن ينجح فيه، ولكنه فشل تماماً، رغم المساعدة الكبيرة التى كان يتلقاها طوال الوقت من زوجته هيلارى كلينتون، وزيرة الخارجية حاليا! ولم يكن غريباً، والحال كذلك، أن تصف وسائل الإعلام الأمريكية، ما تحقق لأوباما، بأنه أكبر نصر من نوعه، على مدى 40 عاماً كاملة فى تاريخ البلد! إننا أمام رئيس أنجز بعزم، ما كان رؤساء سابقون قد أخفقوا فيه.. ولكننا على مستوانا نحن فى القاهرة، لانزال نعيش أسرى عدة إخفاقات سابقة، ولانزال ندور فى فلكها، ولاتزال هذه الإخفاقات تحكمنا، ولانزال عاجزين عن مجرد الاقتراب منها، أو اقتحامها، فضلاً عن حلها طبعاً! فنحن جميعاً نعرف أن الرئيس عبدالناصر كان قد أخفق، حين قرر تشكيل مجلس الشعب ب50٪ عمالاً وفلاحين، و50٪ فئات، ونعرف أن استمرار البرلمان، بهذه الصورة، إنما هو إصرار على خطوة فاشلة، لم يكن لها أى مبرر من حيث مضمونها، فى وقتها، ولا هى تقوم على أى مبرر الآن، ومع ذلك، فنحن سعداء بها، ومتمسكون بها، ومصممون عليها، باعتبارها إرثاً غالياً لا يجوز التفريط فيه! ونعرف أن الدستور الحالى، هو فى مضمونه أيضاً، كان من وضع يد عبدالناصر، ولاتزال مواده الحاكمة، كما هى على الصورة التى أرادها عبدالناصر، حتى ولو كان الرئيس السادات فيما بعد، قد حاول أن يغير فيه من حيث الشكل، من خلال البدء عام 1976 فى تعددية حزبية شكلية، أما الأصل فهو واحد، وثابت من يومها، ولا تغيير فيه!.. وما ينطبق على الدستور، وعلى ال50٪، ينطبق على غيرهما.. وإلا.. فبالله عليك، كيف نملك الجرأة التى تقترب من البجاحة على أن نقول بمبدأ «المواطنة»، بمعنى أن المصريين جميعاً متساوون، بينما أعضاء البرلمان أنفسهم مقسمون، وموزعون هكذا.. فواحد منهم عمال، وواحد فلاح، والثالث فئات!.. وهكذا.. وهكذا! فضوها سيرة!!