فى يناير 2009، تولى باراك أوباما رئاسة الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد حملة انتخابية «سينمائية» تابعتها شعوب العالم وهى ترتدى «نظارات الأفلام ثلاثية الأبعاد» الوردية، فقد تكفل عنوان الحملة «نجرؤ على الحلم.. نعم نقدر» بفتح أفق الأمريكيين وإسالة لعاب «التغيير» عندهم بيد رجل أسود قدم نفسه فى صورة «المخلص» أو «المسيح» الذى سيهدى الإدارة الأمريكية ويعيدها إلى رشدها، بل يتحمل «محو خطاياها» على غرار النصف الأول من فيلم «الإغواء الأخير للمسيح»، بعد أن أصبحت «صورتها» فى العالم أسوأ من كادرات فيلم «المرأة القطة». واكتملت الحملة بوعود إعلامية محبوكة الصياغة مثل الوعد بغلق معتقل جوانتانامو فى يناير 2010، وسحب القوات الأمريكية من العراق بحلول عام 2011، لكن بعد انتهاء نصف الفيلم، وتوليه الرئاسة، وعودة المشاهدين إلى أماكنهم «مخدرين» بحلم التغيير، بدأت سياسة أوباما الحقيقية فى الظهور تدريجيا مثلما حدث فى النصف الثانى من فيلم «الإغواء الأخير للمسيح» عندما اتهم «يهوذا» «المسيح» بخيانته ونقض اتفاقهما، فقد فشلت «استراتيجية الابتكار» التى تكلفت 100 مليار دولار لتطوير التعليم والبحث العلمى فى إنقاذ أمريكا من الأزمة الاقتصادية العالمية أو حتى خفض معدل البطالة الذى وصل إلى 9.8%، كما أقر «أوباما» محاكمة المعتقلين فى جوانتانامو أمام المحاكم العسكرية، وتعهد بدفع 7.5 مليار دولار لباكستان على 5 سنوات تدفع بمقدار ما تقتله حكومتها من مواطنين باكستانيين يدعمون حركة طالبان فى أفغانستان، ونتج عن ذلك، تحول باكستانوأفغانستان إلى شلالات دماء مثل فيلم «قلب شجاع» لميل جيبسون، وتراجع عن تعهده بفتح حوار مع إيران، وأصر على توقف تخصيب اليورانيوم فيها واستمرار العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها منذ عام 1995، بل لم يستبعد استعمال القوة العسكرية لإيقافها عن مخططاتها. وقد بدأ «أوباما» الحكم محاطا بشعبية بين الأمريكيين وصلت يوم تنصيبه إلى 78%، لكنها فى أكتوبر الماضى انخفضت إلى 55%، بعد خروج مظاهرات فى واشنطن مناهضة لسياسته تحمل لافتات مكتوبا عليها «يوجد فى حديقة الحيوان أسد أفريقى، ويوجد فى البيت الأبيض كذاب أفريقى» و«أغلقوا الكونجرس وأعيدوا أوباما إلى كينيا». وكالعادة، لجأت الإدارة الأمريكية إلى الوسيلة الوحيدة والسحرية لرفع نسبة شعبية الرئيس بين الأمريكيين، وهذه الوسيلة هى الإعلام وبالتحديد «السينما» التى خدمت أمريكا طوال سنوات بنشر سياساتها وترسيخ توجهاتها بين الأمريكيين وباقى شعوب العالم أيضا، فهى أقوى صناعة سينما فى العالم والأكثر تأثيرا، ولو كره الأوروبيون. وكان اختيار السينما أيضا لأنها وسيلة مجربة، فقد أنتجت هوليوود أفلاما ضخمة على مدار سنوات طويلة بأمر مباشر من البنتاجون والإدارة الأمريكية، بل توجد قائمة معلنة لمخرجين كانوا متخصصين فى إخراج هذه الأفلام، فلو أرادت أمريكا مصالحة العرب تنتج هوليوود، التى يسيطر عليها اليهود، أفلاما يظهر فيها العربى بصورة طيبة، ولو أعلنت حربها على المسلمين، تنتج ما يخدم هذا التوجه. ولم تجد الإدارة الأمريكية أفضل من جوائز «أوسكار» لتكريم أفلام أنتجتها تخدم سياستها، فعلى مدار 82 دورة (لم يتم إلغاء أى دورة طوال هذه المدة وهذا دليل الحرص على توزيع الجوائز كل عام)، كانت الإدارة الأمريكية تتدخل فى اختيار الأفلام الفائزة، والأمثلة عديدة، نذكر منها حصول السود «دينزل واشنطن» و«هالى بيرى» و«سيدنى بواتييه» على 3 جوائز أوسكار فى أول دورة أقيمت بعد ضرب برجى التجارة العالميين، لخدمة محاولة الإدارة فى لم شمل المجتمع الأمريكى بفئاته المختلفة، تمهيدا لإعلان خطتها الحرب على الإرهاب وعدم ظهور أى معارضة لها خاصة من الأمريكيين السود الذين يشعرون بالعنصرية فى التعامل معهم، لدرجة أن عددا من الأفلام وبرامج الأطفال أيضا التى أنتجت بعد هذه الحادثة، كانت حريصة على وجود شخصية سوداء إيجابية. ووفقا لفيلم «هز ذيل الكلب» بطولة «روبرت دينيرو» و«داستن هوفمان» الذى يفضح استخدام الرئيس الأمريكى للسينما لزيادة شعبيته بالاستعانة بمخرج يصنع له فيلما غير حقيقى يحكى بطولة وهمية، لجأ «أوباما» إلى الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم المانحة لجوائز اوسكار لإنقاذ شعبيته، فمنحت فى دورتها التى وزعت جوائزها فجر الاثنين الماضى 6 جوائز من 9 ترشيحات لفيلم «خزانة الألم» ليضرب عدة عصافير بحجر واحد: أولها منح الجائزة لفيلم عن وحدة إزالة الألغام فى الجيش الأمريكى الموجود فى بغداد، والذى حرص مؤلفه «مارك بول» على عدم إدانة العراقيين خلال الأحداث، كما لم يظهرهم بصورة جيدة لكنه حافظ على الصورة الجيدة للجندى الأمريكى، وللمرة الأولى، أهملت الأكاديمية اعتراضات أفراد من الجيش الأمريكى على الفيلم، واتهام أحدهم صناع الفيلم بسرقة شخصيته وتقديمها دون علمه وتهديده باللجوء إلى القضاء، بل أهملت أيضا انتهاك واحد من منتجى الفيلم الأربعة قواعد التصويت على الجوائز عندما أرسل رسالة إلكترونية إلى عدد كبير من الأشخاص طالبهم فيها بوضع فيلمه فى المقدمة ووضع فيلم «أفاتار» المنافس له فى فئة أفضل فيلم فى آخر الترتيب، وقد أعلنت المتحدثة باسم الأكاديمية قبل حفل توزيع الجوائز بيوم واحد، أن الأكاديمية ستتخذ إجراء سريعا لضيق الوقت وهو حرمان المنتج من حضور الحفل فقط دون اتخاذ أى إجراء تجاه ترشيحات الفيلم. ثانيها، حصول مخرجته على جائزة أحسن إخراج لتكون أول امرأة تحصل على هذه الجائزة فى تاريخ الأوسكار، لتترك الدورة تأثيرا إيجابيا، يحتفل به الأمريكيون لمدة ليست قصيرة خاصة أنها شهدت أيضا فوز عدد كبير من المرشحين للمرة الأولى بجوائز منهم «كاثرين بيجيلو» مخرجة «خزانة الألم» وفازت بجائزتين. ثالثها، إقصاء فيلم «أفاتار» الذى يناهض فكرة التحضر الأمريكى وينتقد سياسة التدخل فى حياة شعوب ربما تبدو غير متحضرة، بينما تملك أدوات تحضرها وتمارسها ولكن بطريقتها، وينتقد تدمير الدول الكبرى للبيئة بغرض الحصول على الثروات، كما ينتقد فكرة الاستعمار بشكل عام والتى تصب فى غير مصلحة سياسة الولاياتالمتحدة.