في مصرنا الحبيبة مشكلة كبيرة تتمثل في فشل نظامها التعليمي الحالي في الوفاء بمتطلبات المجتمع من قوى العمل التي تستطيع حمل أمانة التقدم والرقي، أعتقد أن هذه العبارة تحتاج لتوضيح، فيمكن أن نقول أن المصانع مثلا تحتاج لعمالة فنية ماهرة، ولكنها لا تجد في مخرجات النظام التعليمي ما يلبي هذا الاحتياج، وكذلك شركات الكول سنتر تحتاج لعدد كبير من الخريجين الذين يتقنون اللغات الأجنبية ولكنها لا تجد سوى مخرجات ضعيفة تحمل شهادات فقط بأنها تجيد اللغة ولكنها في الحقيقة لا تعرف سوى القشور عن هذه اللغة، ويمكن أن نسرد هنا أمثلة أخرى كثيرة ولكني أكتفي بذلك، وبناء على ما سبق إذا اتبعنا المنهج العلمي في تحديد المشكلة سوف نقول أن مشكلة نظامنا التعليمي تتمثل في عدم ربط التعليم بسوق العمل، فنجد وظائف لا تجد من يشغلها ونجد خريجين لا يصلحوا لشغل أي وظيفة ؟! في الحقيقة ما سبق لا يمثل المشكلة بقدر ما يمثل قمة جبل الجليد التي تظهر أمامنا ونصطدم بها، أما الجزء الأكبر من المشكلة فهو غارق تحت الماء ويحتاج لغواص ماهر يستطيع أن يحبس أنفاسه فترة طويلة لكي يستطيع أن يدرك حجم المشكلة وأبعادها المترامية الأطراف، وإذا كان عندك متسع من الوقت فلتغص معي. قاع الجبل ويمثل عندنا المرحلة الابتدائية - وأنا في كل مقالي أتحدث عن تعليم عامة الشعب الذي أنتمي إليه – في هذه المرحلة المبكرة يصطدم الطفل ببيئة جديدة عليه، ويحاول أن يستكشف العالم الجديد هل تعرفون ماذا يجد؟! أقول لكم - والحديث هنا عن العدد الأكبر وليس عن الكل أي أني أتحث عن القاعدة ومن المعروف أن لكل قاعدة شواذ - يجد معلمات ليس بينهن وبين التعليم صلة من قريب أو بعيد، ففي الغالب هن خريجات دبلوم معلمين وما أدراك ما هو دبلوم المعلمين؟ هذا النظام الفاشل والذي ألغي والحمد لله ولكن مخرجاته لازالت تعيث فسادا في مستقبل مصر وعقول أطفالنا، فالمعلمة منهن أكثر همها أن تدخل أكبر عدد من الأطفال في المجموعة المدرسية والتي هي مرادف للدروس الخصوصية في هذه المرحلة، وعلى فكرة الموضوع ماديا يستحق فالفصل به 60 تلميذ *50 جنيه في الشهر = 3000 جنيه شهريا وسلم لي على الكادر، فالموضوع لا يستغرق سوى حصة أخرى تقضيها في المدرسة بعد اليوم الدراسي وتعود بعد ذلك للبيت. وهنا في هذه المرحلة تكمن كارثة التعليم المصري فيخرج الطفل منها مشبع بالجهل ولا يفيد معه بعد ذلك أي تقويم، فلقد قضي الأمر، بالإضافة لتحميله ببعض السلوكيات السيئة مثل الكذب والسلبية والخضوع الذي تعلمه له معلمته عندما تلقنه مجموعة من المحاذير عليه أن يلتزم بها مثل عدم إخبار أهله بتفاصيل ما يحدث في الفصل، وإذا سألت المديرة أو الموجهة عن الأحوال يجب أن يصف المعلمة بكل وصف عظيم، وأخيرا الاتكالية والغش حيث تكتب لهم إجابات الامتحانات على السبورة! في اليابان تلك الدولة العظيمة يعطون هذه المرحلة أهمية كبرى لأنهم يعرفون أن هذه المرحلة هي حجر الزاوية في النظام التعليمي ككل فعليها نستطيع أن نبني نظام جيد و قوي ودونها لا يوجد تعليم وللتدليل على ذلك يكفي أن تعرف أن معلمي هذه المرحلة من الحاملين لدرجة الدكتوراه! فبداية إصلاح نظامنا التعليمي تتمثل في عمل إختبار لكل معلمي المدارس الابتدائية على مستوى الجمهورية لتحديد من يصلح ومن لا يصلح أن نضع مستقبل مصر بين يديه؟ ولا أقصد إختبارات الكادر ولكن اختبارات حقيقة يشارك فيها أساتذة كليات التربية وعلم النفس، وتكون المقابلة الشخصية العامل الرئيس في اختيار الأصلح، ولا أذيع سرا أن اختبارات الكادر قد تحولت لتمثيلية كعادة كل الاختبارات الجماعية في مصر، وتناثرت الأخبار أن مدرسينا قد تجمهروا وتظاهروا ليسمح لهم بالغش الجماعي، حقا إنها الكارثة في أوضح معانيها. وللحديث بقية إذا كان في العمر بقية.