تنسيق الجامعات 2025.. إعلان نتائج تنسيق الشهادات المعادلة العربية والأجنبية    التعليم العالي: نحو 4 ملايين طالب وطالبة يستعدون لبدء العام الجامعي في 132 جامعة و185 "معهد عالي"    هيئة فلسطينية: أكثر من مليون شخص بمدينة غزة يخضعون لحصار شديد    الخطيب يدلي بصوته في عمومية النادي الأهلي    الداخلية تكشف حقيقة مقطع فيديو عن خطف طفل بالقاهرة    "القومى للمرأة" يشيد بملتقى أولادنا الدولي التاسع لفنون ذوي القدرات الخاصة    مجانا.. 11 عيادة متنقلة للكشف على الأهالي بالأماكن النائية والقرى الأكثر احتياجا في دمياط    توجيهات من محافظ الجيزة قبل بدء الدراسة - تفاصيل    خريطة الأسعار اليوم: انخفاض اللحوم والبيض وارتفاع الذهب    مصر تدعو إلى شبكة عربية موحدة للرعاية الصحية خلال مؤتمر الهيئات الصحية العربية    رسمياً.. إعلان نتائج تنسيق الشهادات المعادلة العربية والأجنبية    زلزال بقوة 1 ,6 يضرب بابوا الإندونيسية ويسبب أضرارا متفرقة    برلماني: زيارة ملك إسبانيا تعزز الشراكة الاستراتيجية وترسخ البعد الثقافي والإنساني    "يونيفيل": الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان انتهاك لقرار مجلس الأمن 1701    هيئة المعابر الفلسطينية: إسرائيل تغلق معبر الكرامة لليوم الثاني    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من الجامع الأزهر    مجدي عبدالغني: سأظل وفيًّا للأهلي مهما كانت حدة الانتقادات    منتخب الشابات تحت 20عامًا يواجه غينيا الاستوائية اليوم في تصفيات كأس العالم    مدرسة بالإسماعيلية تستعد لاستقبال طلابها بالهدايا والحلوى (فيديو وصور)    الأنبا مكسيموس يترأس مؤتمر خدام إيبارشية بنها    بحضور نجله.. تكريم النجم الراحل محمود ياسين بمهرجان بورسعيد السينمائي (صور)    أميرة أديب تطلق أغنية "أحمد" من ألبومها الجديد    تعليم بني سويف تعلن جدول دخول الطلاب خلال الأسبوع الأول من العام الدراسي    نائب وزير الصحة: مهلة 7 أيام لتطوير سكن الأطباء في مستشفى قلين التخصصي    رجال الشرطة يتبرعون بالدم دعما للمرضى والمصابين في الشرقية    "يكذب على نفسه".. رئيس MI6 يهاجم بوتين بسبب أوكرانيا.. تفاصيل    كومبانى: هوفنهايم منافس خطير.. لكننا فى حالة جيدة    وزير النقل يعلن فتحا جزئيا للطريق الدائري الإقليمي غدًا السبت    صالون نفرتيتي يطلق فعالية ميراث النهر والبحر في دمياط ضمن مبادرة البشر حراس الأثر    بعد تماثلها للشفاء.. أول ظهور للفنانة الشابة رنا رئيس    ضبط متهم بالمنوفية لغسله 12 مليون جنيه متحصلة من نشاط الهجرة غير الشرعية    الداخلية: ضبط 98665 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    سائق يرفع الأجرة ويتلاعب بخط السير فى البحيرة.. والأمن يتدخل    نائب وزير الصحة يتفقد مستشفيات كفر الشيخ ويوجه بإصلاحات عاجلة    أول بيان من «الداخلية» عن حقيقة تحصيل أموال من مواطنين بزعم شراء وحدات سكنية تابعة للشرطة    مصادرة 1100 علبة سجائر أجنبية مجهولة المصدر في حملة ل «تموين العامرية» (صورة)    فيديو - أمين الفتوى يكشف عن دعاء فك الكرب وكيف تجعله مستجاباً    أستاذ بالأزهر يوضح حكم استخدام السبحة: إظهارها حرام شرعًا في هذه الحالة    نجم الزمالك السابق يكشف سر تصدر الفريق للدوري    تشجيعاً لممارسة الرياضة.. نائب محافظ سوهاج يُطلق ماراثون "دراجو سوهاج" بمشاركة 200 شاب وفتاة    صحة غزة: 800 ألف مواطن في القطاع يواجهون ظروفا كارثية    ملك وملكة إسبانيا يفتتحان إضاءة معبد حتشبسوت فى الأقصر.. صور    دونجا: عبدالقادر مناسب للزمالك.. وإمام عاشور يمثل نصف قوة الأهلي    غلق كلى لشواطئ الإسكندرية بسبب اضطراب حالة البحر    "نور بين الجمعتين" كيف تستثمر يوم الجمعة بقراءة سورة الكهف والأدعية المباركة؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة فى سوهاج    خدعة كاميرات المراقبة.. أبرز حيل سرقة الأسورة الذهبية من داخل المتحف    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 19 سبتمبر 2025    أسعار المستلزمات المدرسية في قنا 2025: الكراسات واللانش بوكس تتصدر قائمة احتياجات الطلاب    %56 منهم طالبات.. وزير التعليم العالي: المنظومة تضم حاليًا ما يقرب من 4 ملايين طالب    عمرو يوسف: مؤلف «درويش» عرض عليّ الفكرة ليعطيها لممثل آخر فتمسكت بها    أسعار العملات الأجنبية والعربية أمام الجنيه المصري اليوم    طريقة عمل الناجتس في البيت، صحي وآمن في لانش بوكس المدرسة    فلسطين.. قوات الاحتلال تداهم منزلًا في بلدة كفر قدوم شرق قلقيلية    سعر الفراخ البيضاء والبلدي وطبق البيض بالأسواق اليوم الجمعة 19 سبتمبر 2025    حي علي الصلاة..موعد صلاة الجمعة اليوم 19-9-2025 في المنيا    بعد رباعية مالية كفر الزيات.. الترسانة يقيل عطية السيد ويعين مؤمن عبد الغفار مدربا    رحيل أحمد سامى وخصم 10%من عقود اللاعبين وإيقاف المستحقات فى الاتحاد السكندري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوهام التعليم العالى وخطاياه

لا شك أننا مجتمع ثرى فى حياته وتراثه وتنوع أفكاره وشخوصه وعاداته وسلوكياته وسياساته وأيضاً مفارقاته، ولا أتجاوز الحقيقة بادعاء أن المفارقة هى السمة الأكبر فى مصرنا المعاصرة، فأينما تولى وجهك فثمة مظاهر التقدم ومظاهر التخلف، القبح والجمال، النظام والعشوائية، الأصالة والمعاصرة، القديم الكلاسيكى والحديث العصرى، الثقافة والجهل، القمة والقاع فى تعايش قل أن تجد مثيله فى أى من الدول الكبرى والمتقدمة.
وبمثل هذا القدر تجد على ألسنة البعض مقولات تفلسف مشكلاتنا وقضايانا المعاصرة، يعيدون ويزيدون فى ترديدها ورفعها عناوين لبعض أزماتنا ومشكلاتنا ويصورون لك أن فيها الحل والإصلاح والتقدم، وهى فى حقيقتها لا تعدو أن تكون عناوين مضللة ومفاهيم خاطئة واستدلالاً فى غير موضعه، وتوجهاً فيه الضياع والتخلف لا كما يؤكدون باعتباره الحل والتقدم، إنها ظاهرة من مظاهر التخلف تسمى «ذهان المعرفة» حيث يصور الوهم للمسؤول أنه عارف بكل بواطن الأمور، فيلتقط كلمة من هنا أو كلمات من هناك لمجرد أنها أعجبته فصار مأخوذاً بجدتها وترديدها دون فهم مستفيض لمعانيها ودلالاتها ولا معرفة لحدودها وأبعادها ولا تقدير لسياقها وظروفها وملابساتها، وهنا تكمن المفارقة.
ولقد هالنى تصريحات وزارية وحكومية تضع تطوير التعليم العالى مرادفاً للوفاء بمتطلبات سوق العمل أو تعلق تقدم البحث العلمى على اكتشاف الموهوبين والمخترعين والمبدعين من الشبان والباحثين، وفى ذلك وضع للعربة قبل الحصان، وهى مغالطات فى بنية فكر التحديث والنهضة ومقولات تؤكد «ذهان المعرفة» وتنفى قدرتنا على تشخيص أزمة التعليم العالى والبحث العملى، ناهيك عن وضع الحلول لها، وهى تنذر بعدم فهم لطبيعة إشكاليات التنمية ومقومات التحديث والنهضة، وهى عناوين تكرس «لبغبغة» فكرية لا معنى لها ولا أمل لتقدم بها، إذ هى انعكاس لفكر استاتيكى ينظر تحت الأقدام ولا يخاطب فعل المستقبل واحتماله، فكر سقيم يكرس لحاكمية السوق وتسليع البشر وتعليب الكوادر والنظرة إلى المستقبل بمنطق السماسرة والبائعين وأصحاب التوكيلات.
إذ كيف نسلم بأن تكون متطلبات سوق العمل هى المحدد لشكل وطبيعة وفلسفة وأهداف ووظيفية التعليم؟. سوق العمل مهما اتسعت آفاقها أو تشعبت دروبها، لا تزال محدودة فى مجتمع نام ودولة من العالم الثالث، بينما ينبغى أن تربط السياسات التعليمية وبنائية منظومة التعليم ووظيفيتها بخطط تنموية طموحة فى إطار مشروع أكبر للنهضة يتحول معها التعليم العالى والبحث العلمى إلى المحور الرئيسى فى علاقات الإنتاج، وتكون فيه السياسات التعليمية هى المتغير الأساسى فى معادلة التطوير والتحديث والتنمية، لا المتغير التابع لسوق العمل ومتطلباتها المحدودة والمتخلفة بطبيعتها وظروفها عن مثيلاتها فى الدول الصناعية الكبرى والمتقدمة.
التعليم العالى والبحث العلمى هما قاطرة التنمية والتحديث والنهضة والتى ينبغى ربطها لا بسوق العمل وإنما باقتصادات ما بعد الحداثة فى الدول الكبرى، وهى اقتصادات المعرفة، أى ربطها بإقامة مجتمع المعرفة، أى مجتمع إنتاج وإدارة المعرفة، بمعنى أن تتوجه سياسات التعليم العالى والبحث العلمى إلى الاقتصاد المبنى على المعرفة، بما يشمل توطين وتطوير التكنولوجيا وإحداث نقلة نوعية فى الاقتصاد وتحديث الصناعة ورفع تنافسية المنتج المصرى وتحويل المعادلة الحدية للإنتاج فى المجتمع من موازنات رأس المال العينى: المصانع والماكينات والمنشآت وتكاليف خطوط الإنتاج وسوق العمل، إلى رأس المال الفكرى،
أى الكوادر المؤهلة والاختراعات والإبداعات والتكنولوجيات الحديثة وبراءات الاختراع ووديان العلوم والتكنولوجيا والمدن الصناعية وجميع مخرجات ما بعد الحداثة، هكذا تصبح السياسات التعليمية هى الموجه للاقتصاد والحاكم لطبيعة ونوع سوق العمل وبالتالى فائض القيمة الضخم الذى يعنى طموحات التنمية وتفوق آلياتها وليس العكس.
وهكذا تكون على منظومة التعليم العالى والبحث العلمى صناعة المبدعين والمخترعين لاانتظار الصدفة لاكتشافهم ومحاولة توظيف إمكاناتهم وقدراتهم.
علينا وضع الخطط اللازمة لصنع المبدعين والمخترعين، وهى خطط معروفة ومدروسة وناجحة، وسبق تجريبها فى كل من كوريا والصين واليابان وماليزيا، ويمكننا الكتابة عنها تفصيلاً فى مرات قادمة. أما الأفكار المسلوقة على عجل، أفكار «التيك أواى» فهذه لا تصلح عنواناً لتطوير التعليم وتحديثه، بل تصلح عنواناً على ذهان المعرفة، وأوهام التقدم وخطايا سياسات التعليم العالى والبحث العلمى.
أما الوفاء بمتطلبات سوق العمل فهو واحد من الخطط القصيرة المدى التى تضطلع بها مؤسسات وزارة التجارة والصناعة مثل مصلحة الكفاية الإنتاجية ومثل مجلس التدريب الصناعى فى اتحاد الصناعات ومراكز التأهيل المهنى والإنتاجى ومؤسسات التعليم الفنى، وهى ليست خططاً بعيدة المدى لمؤسسات التعليم العالى والبحث العلمى التى ينبغى أن يكون دورها أكبر من ذلك وأهم فى وضع خطط بعيدة المدى للتنمية واقتصادات المعرفة، وبالتالى وضع البرامج والسياسات التعليمية للوفاء بشروط النهضة وليس العمل سمساراً للكوادر ومكاتب «مخدمين» فيما يسمى بالتعليم التبادلى، وهو واحد من العناوين المضللة والسياسات الوهمية التى تكرس لتخلف التعليم وضياع المستهدف من ورائه.
التعليم التبادلى قامت فكرته فى الدول الصناعية الكبرى على المزاوجة بين الدراسة النظرية والتطبيق العملى، وهو برنامج معمول به فى مؤسسات وزارات الصناعة والتجارة وليس التعليم العالى، وهو على غرار نظام التلمذة الصناعية الذى كان معمولاً به فى الترسانة البحرية والسكك الحديدية ومصانع الحديد والصلب ومصانع النحاس المصرية وفنادق وزارة السياحة المصرية، وهو يؤهل الدارسين للقيام بمهام العمالة الفنية الماهرة والمدربة، مايدرسه نظرياً يقوم بتطبيقه عملياً وليس لوزارة التعليم العالى فى أى دولة متقدمة دخل أو دور فيه، هو مسؤولية الصناعة وإحدى أدواتها لتنمية قدرات ومهارات العاملين فيها،
أما وزارة التعليم العالى المصرية فقد اخترعت حديثاً ذلك البرنامج ضمن خلطتها السحرية غير المدروسة والمصنوعة على عجل لمجرد طرح مسميات تؤكد قدرتها على الابتكار والاختراع، وماهى إلا دليل على وهم ذهان المعرفة والتباس الرؤى وخلط الأفكار وتضارب المعايير، قامت فكرة الوزارة على أن يدرس الطالب «تيرم» أو سنة دراسية فى الجامعة، ثم يقوم فى التيرم التالى أو السنة التالية بالتدريب العملى فى الصناعة،
فمثلاً طلاب كلية السياحة والفنادق يطبق عليهم هذا البرنامج الفاشل الذى يصرخ الطلاب وأولياء أمورهم منه، إذ أقبل عليه الطلاب لأنه يعطيهم مكافأة شهرية قدرها أربعمائة جنيه شهرياً مقابل التدريب العملى والذى يرتب لصاحب العمل أن يتحكم فى خمسين فى المائة من درجات الطالب، وماذا كانت النتيجة؟ صاحب العمل يضع شروطاً مجحفة لساعات العمل ونوعيتها بما يحقق له أقصى استغلال لطاقات الشباب الدارسين ووضعهم تحت ضغوط التشغيل المجحف والخصومات وسيف الرسوب فى درجات التدريب العملى بما يحولهم سخرة وعمالة رخيصة تمتهن كرامتها ولا تؤمن لها حقوقها،
ذلك لأن التعليم التبادلى فكرة تلفيقية هى أشبه بمتعهدى التشغيل والسمسرة فى توظيف العمالة وليس التعليم والتدريب، إذ يلزم لنجاح الفكرة أن تكون المؤسسة القائمة عليها واحدة تتبع الصناعة وليست تعاقداً جائراً يتم التلاعب فى شروطه بين وزارة التعليم العالى التى ليست هذه مسؤوليتها ولا مناط عملها وبين رجال أعمال وأصحاب عمل مهمتهم الأولى تعظيم الربحية بصرف النظر عن توابع ذلك وتداعياته.
الوفاء بمتطلبات سوق العمل عنوان لن تصافحه عيناك إلا فى الدول العربية والأفريقية والتى قصد الغرب إلى تكريس تخلفها الصناعى وتعويق تقدمها لتظل سوقاً لإنتاجه ومستهلكاً لمخرجات صناعاته ومعارفه ومستنزفاً لمواده الخام وموطناً لصناعاته الملوثة للبيئة.
متطلبات سوق العمل عنوان زائف وخطيئة لا تقل عن مقولة اكتشاف المواهب والموهوبين الذين ينبغى صناعتهم منذ الصغر وتكوين عقولهم ومهاراتهم وإمكاناتهم فى منظومة تعليمية حداثية واعية لا تعانى ذهان المعرفة وخطأ التوجه وخطيئة التثاقف وادعاء العلم والمعرفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.