هل يؤثر احتفال المسلمين بعيد ميلاد «المسيح» عليه السلام على شخصية الأمة، ويمثل تنازلاً منها؟.. هل تؤذى شجرة الميلاد المعروضة فى المحال التجارية مشاعرك كمسلم عندما تسقط عيناك عليها؟.. هل أنت آثم إذا ما شاركت صديقاً أو جاراً مسيحياً احتفالات عيد الميلاد، فقلت له: «كل سنة وانت طيب» وبادلك التحية؟.. هل أنت مسرف فى الإثم إذا ما تبادلت الهدايا مع أصدقائك بمناسبة ميلاد المسيح؟ أنت آثم ومفرط فى الإثم، تتنازل عن هويتك الإسلامية وتمسخ عاداتك وتقاليدك وأعيادك، وتحتفى برموز مسيحية بحماس لا تفعل مثله فى أعيادك الأصيلة، وهذا ليس حديثى وإنما جزء من خطبة الجمعة الأخيرة للعلامة الفقيه الدكتور يوسف القرضاوى، أحد رموز الفكر الدينى الحديث ورئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين، ورئيس لجنة الفتوى بمجلس مسلمى أوروبا، الذى بدا أنه أكثر فقهاء عصره استيعاباً لمشاكل المسلمين فى أوروبا وتحفيزاً لهم على الاندماج فى مجتمعاتهم الجديدة. قطعاً أنت تعرف أننى لا أستطيع أن أجادل مع الشيخ القرضاوى فى مسائل فقهية هو أقدر منى على حسمها، لا فارق العلم ولا العمر، ولا فارق المكانة والقدر يسمح بذلك، لكننى أريد أن أسجل ملاحظات مبدئية كمسلم تعلّم منذ صغره أن الإسلام جاء مكملاً للرسالات السماوية، وأن إيمان المرء لا يصح إلا بعد إيمانه بجميع الرسل والأنبياء، لا يفرق بين أحد منهم، وقرأ فى القرآن عشرات الآيات الكريمة التى تجل عيسى عليه السلام وغيره من أنبياء الله، تعلمت من الشيخ القرضاوى أن عيسى عليه السلام يخصنى كمسلم مثلما يخص غيره، لذلك فأنا حين أحتفل به فإننى أحتفل بما يخصنى فيه. دعك من أهل الكتاب قليلاً.. تعلمت كذلك أن المسلم يجوز أن يقبل هدايا الكفار.. عن أبى حميد الساعدى قال: غزونا مع النبى صلى الله عليه وسلم تبوك، وأهدى ملك أيلة للنبى صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء وكساه بُردا. رواه البخارى.. وعن كثير بن عباس بن عبد المطلب رضى الله عنهم قال: قال عباس: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فلزمت أنا وأبوسفيان بن الحارث بن عبدالمطلب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارقه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نُفاثة الجذامى. رواه مسلم.. وزارت أم أسماء بنت أبى بكر – وهى مشركة - ابنتها وأذِن النبى صلى الله عليه وسلم لأسماء رضى الله عنها أن تصِلها، وثبت أن عمر بن الخطاب أهدى حلة لأخيه وكان مشركاً. هل تتنازل الأمة إذن عن هويتها حين تحتفل بأحد أنبياء الله الذين تؤمن بهم دون تفرقة.. أليس ذلك إعمالاً لنص قرآنى يجلهم.. وهل تبادلك التهانى مع صديق قبطى ليس إعمالاً لحديث شريف يوصى بقبط مصر، ويدعو لبرهم. من حق الشيخ القرضاوى قطعاً أن ينزعج من أن يتكاسل المسلمون فى الاحتفال برموزهم المباشرة، وأن يجنحوا إلى احتفال صاخب على الطريقة الغربية بذكرى عيد الميلاد، وأن يحاول علاج ذلك بمزيد من إثارة الوعى، لكن كنت أتوقع منه وهو العالم المجدد أن يدعو المسلمين إلى ضرب نموذج خاص فى التعامل مع هذا الاحتفال الذى أصبح بفعل «الميديا» ثقافة عالمية، فلا يحرم الاحتفال ولا يؤثم المحتفلين، لكن يضع له «معايير» إسلامية. كان الأجدى يا شيخنا أن تعلّمنا كيف نحتفل بالمسيح بطريقتنا وخصوصيتنا التى تؤكد على مكانته لدينا، وتعطى إشارات واضحة حول حقيقة الإسلام وجوهره كرسالة خاتمة.. والله أعلم. [email protected]