كشف المخرج أحمد فؤاد، مخرج مسرحية «أم كلثوم»، تفاصيل العرض الذى يعيد سيدة الغناء العربى إلى خشبة المسرح بروح جديدة تجمع بين الأصالة والابتكار، ويكشف للجمهور جوانب جديدة من حياة أم كلثوم لم تُعرض من قبل، وتتناول قصصًا إنسانية مرتبطة بمشوارها وأغانيها، بالإضافة إلى محطات مؤثرة فى حياتها. وتحدث «فؤاد» ل «المصرى اليوم»، عن التحديات الإخراجية التى واجهها خلال تنفيذ العمل، خاصة ما يتعلق بتحقيق صورة سينمائية على المسرح من خلال الديكور والإضاءة والأزياء، إلى جانب التعامل مع النقلات الزمنية والمكانية التى تمتد على مدار عقود طويلة من حياة كوكب الشرق. وأكد المخرج أن سر التميز فى التجربة لم يكن فى استخدام التقنيات الحديثة بحد ذاتها، بل فى كيفية توظيفها داخل السياق الدرامى بما يخدم روح المسرح ويحافظ على صدق الحكاية، وإلى نص الحوار: ■ حدثنا عن بداية مشروع المسرحية.. كيف بدأ الأمر؟، وهل تحمست للفكرة منذ البداية، أم كانت هناك بعض التخوفات؟ - بدأ المشروع عندما عُرضت علىَّ فكرة من خلال جلسة مع الدكتور مدحت العدل وأبدى رغبته فى تقديم عمل مسرحى عن أم كلثوم، الحقيقة أنه صاحب الفكرة والحلم من البداية، تحمست للفكرة كثيرًا؛ لأنه كان حلما لى أيضًا، لكنه لم يكن مجرد تقديم عمل عن أم كلثوم، بل أن نُقدّم فى مصر عرضًا بمستوى عروض «برودواى»، كما أرى فى الخارج، وكنت دائمًا أتساءل: لماذا لا يكون لدينا فى مصر «برودواى» خاص بنا؟، ومن غير أم كلثوم تصلح لتجسيد هذا الحلم؟، فهى مصرية وعربية وعالمية فى الوقت ذاته، وتحمست كثيرًا كون أم كلثوم مطربة ونحن نقدم عرضا مسرحيا غنائيا، أما التخوفات فكانت أقرب إلى التحديات، فى كيفية تنفيذ هذا النمط من العروض فى مصر، وكيف نحافظ على المستوى المطلوب، لكن مع وجود الدكتور مدحت العدل وفريق من أفضل العناصر فى كل مجال، قررنا أن نخوض التجربة بكل طاقتنا لتحقيق هذا الحلم. \ ■ هذا هو أول عرض «ميوزكال» تقدمه.. ما أبرز التحديات التى واجهتك فى هذه التجربة؟ - منذ عودتى من البعثة فى إيطاليا عام 2017 أحلم بتقديم عرض على طريقة «برودواى»، بحجم إنتاج كبير، لكن لم تكن هناك إمكانيات كافية، عندما تعاونت مع الدكتور مدحت العدل، وجدنا إنتاجًا سخيًا يليق بالفكرة، وإصرارًا على تنفيذها بشكل دقيق ومحترف، أكبر التحديات كانت فى الغناء الحى على المسرح، لأننا فى مصر لسنا معتادين على ذلك فى العروض المسرحية، كما واجهنا صعوبة فى تقديم قصة تمتد ل70 عامًا من حياة أم كلثوم دون ملل أو اختزال مخلّ، أيضًا اختيار الممثلين كان تحديًا كبيرًا، لأن الجمهور يعرف شكل وصوت معظم الشخصيات، مثل القصبجى والسنباطى وعبدالوهاب، لذلك بحثنا عن وجوه جديدة تملك الموهبة الكاملة تمثيلًا وغناءً ورقصًا، مع روح الشخصية التى تجسدها. ■ شخصية أم كلثوم تحديدًا معقدة فنيًا.. هل كانت هى الأصعب؟ وهل كان هناك نية منذ البداية لتقديمها بثلاث شخصيات؟ - بالفعل كانت أم كلثوم من أصعب الشخصيات، لأنك تحتاج إلى «ظاهرة صوتية»، بالتأكيد لن تكون أم كلثوم الحقيقية، لكن على الأقل يجب أن تشعر وأنت تستمع إليها بأنك فى حالة طرب حقيقية، كنا فى البداية نخطط لتقديمها بثلاث ممثلات، لكن مع تطور أداء الفنانة أسماء الجمل وهى فى الأساس مغنية، قررنا أن تستمر فى تقديم الدور بمراحله المختلفة، خصوصًا بعد التطور الكبير فى قدراتها التمثيلية، تحت إشراف محمد مبروك، المخرج المنفذ، وشعرنا بأن الحفاظ على استمراريتها فى الدور سيجعل الجمهور أكثر ارتباطًا بالشخصية. ■ هل كانت هناك شخصيات أخرى صعبة غير أم كلثوم؟ - الشخصيات جميعها كانت صعبة تقريبًا، مثل عبدالوهاب ومحمد فوزى، فهؤلاء جميعًا موسيقيون كبار، فكنا بحاجة إلى ممثلين يجيدون الغناء والعزف والتمثيل معًا، الأمر لم يكن مجرد أداء تمثيلى، بل كان يتطلب كيمياء دقيقة بين جميع الممثلين ليظهر العرض متكاملًا ومتناسقًا على المسرح. ■ حدثنا عن التكنيك المستخدم فى الديكور والإضاءة، وكيف ساعدت هذه العناصر فى الانتقال بين الأزمنة داخل العرض؟ - الحقيقة أن مهندسى الديكور والإضاءة بذلا جهدًا ضخمًا لتحقيق صورة سينمائية على خشبة المسرح، النص نفسه مكتوب بروح سينمائية، مع نقلات زمنية ومكانية متكررة، الهدف كان أن ينتقل المشاهد من زمن إلى آخر فى لحظات دون أن ينفصل عن العرض، استخدمنا تقنيات متعددة فى الإضاءة والديكور والأزياء لتعكس تغير الزمن من عام 1898 حتى السبعينيات، كان علينا أن نظهر كبر الشخصيات وتطورهم من خلال الملابس والشعر والإضاءة، وكل ذلك فى ثوانٍ معدودة، هذه الدقة كانت ضرورية للحفاظ على الإبهار المستمر دون فقدان الإيقاع الدرامى، كما استخدمنا تقنيات حديثة مثل الذكاء الاصطناعى والجرافيكس داخل المشاهد، لكن دون أن يشعر الجمهور بالانفصال عن روح الزمن الأصلى. ■ هل ترى أن هذه التقنيات الحديثة تمثل مرحلة جديدة فى تطور المسرح المصرى؟ - فى الحقيقة، إدخال أى عنصر جديد إلى المسرح المصرى يُعد إضافة مهمة فى حد ذاته، لكن المسألة ليست فى مجرد استخدام التقنيات الحديثة، بل فى كيفية توظيفها داخل العمل المسرحى دون أن تُخل بطبيعته أو تُفقده روحه، نحن نستخدم أدوات معروفة منذ سنوات، مثل الشاشات أو المؤثرات، لكن القيمة الحقيقية تكمن فى طريقة الاستخدام؛ كيف تُوظَّف هذه التقنيات لتخدم الدراما وتدعم الفكرة الأساسية، لا أن تطغى عليها، التحدى الأكبر بالنسبة لنا كان دمج التكنولوجيا الحديثة كالذكاء الاصطناعى والجرافيكس داخل المشهد المسرحى التاريخى من دون أن يشعر المشاهد بالانفصال عن زمن الأحداث، كان من المهم أن نحافظ على الإحساس بالعصر الأصلى، وأن تظهر التقنيات كجزء طبيعى من الصورة، لا كعنصر دخيل عليها، استخدمنا كل ما هو متاح من إمكانيات فنية وتقنية من أجل الوصول إلى أفضل جودة فى الصورة والصوت، مع الحفاظ على صدق الأداء وروح المسرح الحية، وأعتقد أن كل إضافة جديدة، إذا تم استخدامها بذكاء ووعى، تضيف للمسرح المصرى وتفتح الباب أمام المبدعين القادمين لتقديم أفكار وأساليب مبتكرة. ■ بعد مرور عدة ليالٍ من العرض، ما أكثر ما لفت انتباهك فى تفاعل الجمهور؟ - سعيد جدًا بتفاعل الجمهور، المدهش أن العرض جذب فئات عمرية مختلفة؛ من جيل حضر حفلات أم كلثوم بالفعل، إلى جيل الشباب الذى لم يعرفها إلا بالاسم، كل فئة وجدت شيئًا خاصًا بها، الجيل القديم استعاد ذكرياته، والجيل الأوسط وجد زوايا جديدة فى شخصية أم كلثوم، أما الجيل الأصغر فاكتشف رمزًا مصريًا عظيمًا ربما لم يكن يدرك قيمته من قبل، الأجمل أن العرض جمع بين المتعة البصرية والموسيقية والمعلومة الثقافية، فخرج الجمهور فخورًا بانتمائه لبلد يمتلك هذا التراث. ■ أنت ابن مسرح الدولة.. ما الفرق بينه وبين مسرح القطاع الخاص من حيث الإمكانيات والأجواء وما توفره لك كمخرج؟ - نعم، أنا ابن مسرح الدولة وأدين له بالكثير، فوزارة الثقافة كانت سببًا رئيسيًا فى تطوير أدواتى، حصلت على جائزة الدولة للإبداع، وسافرت فى بعثة إلى إيطاليا، كما تخرجت فى مركز الإبداع الفنى، وهى منحة من الدولة، وأنا أيضًا موظف فى البيت الفنى للمسرح، كل خبراتى تقريبًا تكونت داخل هذه المنظومة، لكن هناك فرقا جوهريا بين مسرح الدولة والقطاع الخاص؛ فمسرح الدولة يقدم منتجًا ثقافيًا بالأساس وغير هادف للربح، بينما يعتمد مسرح القطاع الخاص على الترفيه والربح. فى عرض «أم كلثوم»، حاولنا المزج بين الاثنين؛ أن نقدم منتجًا ثقافيًا ممتعًا، وفى الوقت ذاته يحقق عائدًا ماديًا، أعتقد أن هذا هو الاتجاه الصحيح، أن يثبت المسرح الثقافى أنه يمكن أن يكون مربحًا إذا تم الاستثمار فيه بشكل جيد وتوفرت له الإمكانيات المناسبة، أما فى مسرح الدولة، فالإنتاج يعتمد أكثر على الجهد الفردى، مع ميزانيات محدودة نظرًا لتعدد المسارح والعروض، كما أن أسعار التذاكر مدعومة، ومع ذلك، هناك تجارب ناجحة مثل عروض الدكتور يحيى الفخرانى التى أثبتت أن المسرح الثقافى يمكن أن يجمع بين القيمة الفنية والجماهيرية، وأيضًا عرض «خطة كيوبيد»، قدمنا 170 ليلة عرض وجميعها كاملة العدد. ■ كان هناك مشروع آخر بعنوان «عرض عام» على مسرح السلام.. حدّثنا عن تفاصيله. - «عرض عام» مشروع قائم بالفعل، لكنه تأجل، ومن المقرر تقديمه قريبًا، هو عمل غنائى كوميدى بفكرة مختلفة، ومن المخطط عرضه فى عيد الفطر القادم على المسرح الكبير بمسرح السلام. ■ هل هناك مشروعات أخرى بعد «أم كلثوم» و«عرض عام»؟ - حتى الآن لا توجد مشروعات ضخمة أخرى، لأننا مازلنا نعيش تفاصيل «أم كلثوم» حتى هذه اللحظة، العمل كان مجهدًا جدًا وغنيًا بالتفاصيل، وما زال يتطور مع كل عرض، لأنه عمل حى يعيش معنا، لكننى أعمل حاليًا على مشروع جديد بدار الأوبرا المصرية، ومن المقرر الإعلان عنه قبل نهاية العام.