انطلقت هذا الأسبوع شائعة تقول إن الولاياتالمتحدة قامت بتهريب مواطنيها المقبوض عليهم فى قضية التمويل الأجنبى، وإن عملية التهريب تمت عبر إسرائيل وبمساعدتها. وزارة الداخلية نفت الشائعة، ولم يكن ذلك كافياً، لذا قامت السفيرة الأمريكيةبالقاهرة بنفى الشائعة من جانبها، معنى هذه الشائعة خطير، وهو أن مصر باتت دولة منتهكة، ويقوم أى إنسان سواء كان مصرياً أو أجنبياً بفعل ما يحلو له، خارج إطار القانون، وأنها لم تعد قادرة حتى على الحفاظ على عدد من المسجونين الأمريكيين، وفيما يخص الولاياتالمتحدة فالشائعة تعنى أنها ليست دولة وأنها لا تحترم أى قوانين أو قواعد، ناهيك عن سيادة الدولة التى تتعامل معها والصديقة لها. لاحظ توقيت الشائعة، بعد زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة لمصر، واجتماعه مع المشير طنطاوى، ثم مع الفريق سامى عنان، وصدور تصريحات تشير إلى أن الزيارة كانت ودية وناجحة. الزيارة وما سبقها من تصريحات أمريكية تثبت أن الأزمة حول المواطنين الأمريكيين تتجه إلى التهدئة، ويبدو أن الأمور فى طريقها نحو الحل، فى هذا التوقيت ظهرت الشائعة ونشرت على بعض المواقع. وربما لا يمر يوم دون أن تنطلق فى فضائنا العام شائعة أو أكثر من هذا النوع، مثل شائعة أن جمال مبارك المسجون فى طرة شوهد على كوبرى 6 أكتوبر يتجول بسيارة «سبرانزا»، وقبلها شائعات خروج حسنى مبارك نهائياً من مصر، والشائعات ليست سياسية فقط، هناك شائعات اقتصادية واجتماعية وبعضها يتعلق بحياة بعض الشخصيات العامة، مثل شائعة وفاة الفنان سمير غانم، ثم الفنان عادل إمام، وفى أثناء معرض القاهرة الدولى للكتاب انطلقت شائعة بوفاة روائى كبير وكنا نجلس معه. وفى لحظات التحول وأوقات الاضطراب والفوضى، فضلاً عن لحظات الحروب والانكسارات، وأيضاً الانتصارات، تنتشر الشائعات، ومجتمعنا المصرى ليس مبدعاً فى ذلك، ففى سنة 1952 وبعد خروج الملك فاروق من مصر كانت تنطلق شائعات من هذا النوع، حتى إنه فى يونيو 1953 ومع الاستعداد للاحتفال بمرور عام على «الحركة المباركة»، انطلقت شائعة بأن الملك فاروق شوهد فى فايد، وأنه فى معسكر للإنجليز، وأنه سيعود قريباً إلى قصر عابدين، وهناك أحد التجار أقسم بأنه رآه هناك وصافحه بيديه، وفى الوسط الصحفى انطلقت شائعة أن كريم ثابت، المستشار الصحفى للملك فاروق، سوف يتولى رئاسة تحرير مجلة «التحرير»، التى كان قد أسسها ثروت عكاشة، لتعبر عن ضباط يوليو وتكون صوتهم، الطريف أن كريم ثابت كان مسجوناً وقتها بالكلية الحربية ويحاكم أمام المحكمة العسكرية التى تشكلت برئاسة عبداللطيف البغدادى لمحاكمة رموز النظام السابق، حينها قرر وزير الداخلية زكريا محيى الدين تخصيص خط تليفونى رقم (41836) للرد على أى شائعة تقابل أى مواطن، وكان يجلس على هذا الخط الصول على محمد زهران، الذى وصف بأنه «شاب لبق يعرف كيف يقضى على الشائعة فى مهدها»، وأثناء ثورة 1919 انطلقت شائعات، ولكن من نوع مختلف، مثل أن حقلاً للفول فى بنى سويف أثمر قروناً من الفول مكتوباً عليها «يحيا سعد» ورددها المصريون على نطاق واسع واعتبرها خطباء بعض المساجد «معجزة إلهية»، الشائعة عموماً تعكس الحالة النفسية والمزاجية، فضلاً عن الموقف السياسى العام للجماعة التى تظهر وتنتشر بينها. لا تتوقف الشائعات عن الظهور، ولن تتوقف أبداً، فهى مرتبطة بظروف وأطراف عديدة، هناك الميالون والراغبون فى الثرثرة وعشاق النميمة، وبيننا أصحاب المصالح الذين يعبرون عن مصالحهم ومخاوفهم، وكذلك أصحاب الإحن والأحقاد الخاصة، الذين يسعون إلى تدمير خصومهم بالشائعات، وهناك المتخوفون من التحولات والثورات، وهناك كذلك الخائفون على الثورات والحركات الاجتماعية التقدمية، لكن هناك من هم أخطر (الطابور الخامس)، أولئك الذين يقومون على صناعة الشائعة وتعمد ترويجها، وهؤلاء قد يكونون أجهزة أمنية أو مخابراتية تتعمد تخليق شائعة لهدم الروح المعنوية لشعب أو مجموعة ما، وربما تهيئة المناخ العام لحدث يجرى الاستعداد له، أو جس نبض الشارع والرأى العام. ونحن نعيش حالة ثورية منذ سنوات، بلغت ذروتها يوم 11 فبراير 2011، وكل الأطياف السياسية والاجتماعية حاضرة، هناك من أنهت الثورة دورهم السياسى، وهناك من يتطلعون إلى دور فى المرحلة الجديدة، بيننا من يريد وأد الثورة تماماً والاكتفاء بخروج مبارك ونجليه من الصورة، وبيننا من يقلق من عدم تحقيق الثورة لكل أهدافها حتى الآن - لم تحقق ثورة فى التاريخ أهدافها فى عام - وهناك الأطراف الخارجية القلقة من الثورة، أو التى تريد أن تقفز عليها، وهذه كلها أمور تقود إلى إفراز الشائعات، والخطورة فى أيامنا أن الشائعات تجد طريقها إلى النشر السريع. لا مفر من الشائعات، لكن الرد بسيط، وهو المعلومات والشفافية الكاملة قدر الإمكان، صحيح أن هواة الابتزاز والتخويف لن تردعهم المعلومة الصحيحة، لكنها تضمن عدم انتشار الشائعة.