"تشريعية النواب" تعقد اجتماعًا لمناقشة مشروع قانون مجلس النواب.. غدًا    السيسي يصدق على ربط الحساب الختامي لموازنة صندوق التنمية الحضرية 2023-2024    رابط تحميل كراسة شروط حجز شقق سكن لكل المصريين 7    وزير الخارجية: حريصون على تنفيذ المحاور الستة للشراكة الاستراتيجية والشاملة بين مصر والاتحاد الأوروبى    إيطاليا تستدعي السفير الإسرائيلي بعد استهداف الوفد الدبلوماسي في جنين    روسيا: نعمل على تنفيذ الاتفاق مع أوكرانيا على تبادل ألف أسير من الجانبين    باكستان تتهم الهند بالوقوف وراء هجوم على حافلة مدرسية    أخبار الإمارات اليوم.. عبدالله بن زايد يبحث تعزيز العلاقات مع وزير خارجية أرمينيا    عكاظ السعودية: لا يوجد عرض رسمي من نيوم السعودي للتعاقد مع إمام عاشور    اعتماد نظام غير مسبوق لتصفيات بطولة يورو 2028    وزير الرياضة يستقبل بعثة الرياضيين العائدين من ليبيا    المشدد 10 سنوات للمتهم بتهديد فتاة بصور خادشة للحياء بالقليوبية    قصور الثقافة بالوادي الجديد تناقش تغير المناخ وتأثيره على البيئة    5 مسكنات طبيعية أثبتت فعاليتها في مواجهة الألم.. أشهرها الكركم    بعثة "الداخلية" تتوج خدماتها لحجاج القرعة بزيارة الروضة الشريفة.. فيديو    استمرار الجدل حول تشكيل جهاز ريفيرو.. والنحاس وشوقي مرشحان لمناصب إدارية بالأهلي    تحقيقات موسعة داخل لجنة الحكام لهذا السبب    واشنطن تعين سفيرها لدى تركيا مبعوثًا خاصا إلى سوريا    ضبط 7 أطنان دقيق مدعم قبل تهريبها للسوق السوداء بالشرقية    استعداداً ل«الأضحى».. محافظ الفيوم يوجه برفع درجة الاستعداد القصوى    البورصة توافق على قيد أسهم شركة يو للتمويل الاستهلاكى    جودي فوستر تتألق في جلسة تصوير فيلم "Vie Privée" بمهرجان كان    «بالتوفيق لأم ولادي».. منشور طلاق أحمد السقا ومها الصغير يثير الجدل وتفاعل من المشاهير    وزارة الأوقاف تنشر نص خطبة الجمعة بعنوان "فتتراحموا"    حكم طهارة المريض المحجوز بالعناية المركزة؟ دار الإفتاء تجيب    غدا.. انطلاق امتحانات الصف الأول الإعدادي 2025 الترم الثاني في القليوبية    صحة الدقهلية: ختام الدورة التدريبية النصف سنوية للعاملين بالمبادرات الرئاسية    محافظ أسوان يشارك فى إحتفالية فرع الهيئة العامة للإعتماد والرقابة الصحية    تقارير: جنابري يقترب من العودة لمنتخب ألمانيا    أسعار العملات العربية والأجنبية مقابل الجنيه بختام تعاملات اليوم 21 مايو 2025    قرار جديد من القضاء بشأن معارضة نجل الفنان محمد رمضان على إيداعه بدار رعاية    ولي عهد الفجيرة: مقتنيات دار الكتب المصرية ركيزة أساسية لفهم التطور التاريخي    المشاط: مباحثات حول انعقاد المؤتمر الدولي ال4 لتمويل التنمية بإسبانيا    مصرع محامي إثر حادث تصادم بين موتوسيكلين في الشرقية    قد يكون صيف عكس التوقعات.. جوارديولا يلمح بالرحيل عن مانشستر سيتي بسبب الصفقات    قومى المرأة بالبحر الأحمر تطلق مبادرة معا بالوعي نحميها بمشاركة نائب المحافظ    بعد ارتفاع الأسمنت إلى 4 آلاف جنيه للطن.. حماية المنافسة يعلق قرار خفض إنتاج الشركات لماذا؟    العثور على جثة حارس عقار داخل وحدة سكنية في قنا    إزالة 12 مخالفة بناء بمدينة الطود ضمن أعمال الموجة 26    363 شخصا فقط شاهدوه في أسبوع.. إيرادات صادمة ل فيلم استنساخ (بالأرقام)    تحرير 151 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    الرئيس السيسى ل الحكومة: ليه ميتعملش مصنع لإنتاج لبن الأطفال في مصر؟    لمواليد برج الحمل.. اعرف حظك في الأسبوع الأخير من مايو 2025    «بنسبة 100%».. شوبير يكشف مفاوضات الأهلي مع مدافع سوبر    قوات الحماية المدنية بالفيوم تنجح فى إنقاذ "قطتين" محتجزتين بأحد العقارات    بالأسماء.. «تعليم الإسكندرية» تحصد المركز الأول في المسابقة الثقافية المسيحية    زيارة ميدانية لطلاب جامعة بني سويف الأهلية إلى محطة كهرباء الكريمات    رئيس إذاعة القرآن الكريم الأسبق: أيام الحج فرصة عظيمة لتجديد أرواح المسلمين.. فيديو    ضبط شركة سياحية غير مرخصة بتهمة النصب والاحتيال على المواطنين    تثبيت دعائم الاستقرار    توفير فرص عمل لذوي الهمم في القطاع الخاص بالشرقية    استخراج جسم معدني خطير من جمجمة طفل دون مضاعفات بمستشفى الفيوم الجامعي    بالصور- محافظ أسيوط ينقل مريضة بسيارته الخاصة لاستكمال علاجها    هل يجوز سفر المرأة للحج بدون مَحْرَم؟..الأزهر للفتوى يجيب    بوتين: نخوض حرباً ضد النازيين الجدد    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    الإيجار القديم.. محمود فوزي: الملاك استردوا استثماراتهم.. الشقة كانت تُباع بألف وتُؤجر ب15 جنيهًا    تفسير حلم أكل اللحم مع شخص أعرفه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وداعاً مكتبة الإسكندرية
نشر في المصري اليوم يوم 07 - 02 - 2012

فى مثل هذا اليوم من الأسبوع الماضى، نُشرتْ هنا مقالتى التى عنوانها ومبتغاها (النداء الأخير لإنقاذ مكتبة الإسكندرية)، وعرضتُ فيها لما أراه من عمليات الإسقاط المتعمَّد للمكتبة، على يد مديرها العام «د. محمد إسماعيل أنيس سراج الدين»، وعرضتُ لوقائع متسلسلة، تحتف بها قرائنُ كثيرة دالة على أن المكتبة تترنَّح، وتتهيَّأ لسقوطها، الذى لن يكون إلا مروِّعاً، وأنهيتُ المقالة بدعوة المجلس العسكرى باعتباره الممثل الشرعى لرئيس الجمهورية (رئيس المكتبة بحسب ما ينص عليه قانون إنشائها) ورئيس الوزراء «د. الجنزورى» بصفته صاحب صلاحيات واسعة، للتدخل بسرعة لإنقاذ المكتبة، وأنهيتُ المقالة بقولى إننى لن أدخل مكتبة الإسكندرية حتى يرحل عنها مديرها العام «سراج».
فلما كان اليوم التالى مباشرةً على نشر المقالة «الخميس»، وبينما قلوب المصريين مكلومة على الفظائع التى جرت ليلاً ببورسعيد، جاء ندائى لإنقاذ المكتبة باستجابة سريعة من المدير العام «سراج»، الذى أصدر قراراً بإلغاء مناصبى ومهامى بالمكتبة، فجعلنى بذلك مجرد «موظف» بلا صفة، مثله كمثل الموقوف عن العمل أو المفصول، ثم مَرَّ يوما الإجازة «الجمعة والسبت» داميين فى شوارع مصر بسبب تداعيات ما جرى فى بورسعيد.
فلما كان اليوم التالى على اليومين الفاجعين للعباد، كنت فى طريقى إلى تقديم بلاغ للنائب العام، مفاده أن قرار «سراج» بإلغاء مهامى فى المكتبة، (مع أنه لم يكلِّفنى بهذه المهام أصلاً)، هو قرار غير قانونى ولا يستند إلى اللوائح والنظم المعمول بها فى المكتبة أو خارجها، وفوق ذلك كله هو «قرار» صادر عن شخصٍ يخالف القانون، لأنه يبلغ من العمر سبعةً وستين عاماً، والسن الأقصى للعاملين فى المكتبة (المعاش) هو الثانية والستون، علاوة على أن مجلس إدارة المكتبة، وهو الكيان الذى يستمد منه المديرُ العام «سراج» صلاحياته، ترأسه حتى الآن «سوزان مبارك»، زوجة الرئيس المحبوس حالياً على ذمة المحاكمات، ومعروف أن ما يُبنى على باطل فهو باطل، لكن القرار، علاوةً على ما سبق كله، كان فاحش البطلان، لأنه لم يُرجع فيه إلى مجلس إدارة مركز المخطوطات، ولم يُستشر أى واحد منهم (لماذا؟ لأنهم علماء كبار فى التراث العربى، ولن يرضوا عن مثل هذا التهريج الإدارى).
فى طريقى إلى النائب العام عرفتُ تليفونياً بأمورٍ فاضحة، أدركتُ معها أن ندائى لإنقاذ المكتبة راح سُدىً، وأن محاولتى حفظها من السقوط لن تجدى، لأن الحال وصل إلى مستوى القفز من الشبابيك.. وتوالت على مسامعى تلك الأمور التى منها أن المدير العام «سراج»، غفر الله له، سوف يتحدث فى معرض القاهرة الدولى للكتاب عن (التراث الإسلامى).. يا سلام.. وأن طائفة المنتفعين به فى المكتبة يدعون له بالتوفيق، لكن الجلسة تحوَّلت إلى منبر للتلفيق، حتى إن رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب (وهو المنصب الذى عُرض علىَّ قبل عامين فاعتذرت عنه لارتباطى بالمكتبة) صرَّح بأن «سراج» لم يكن مدعوَّاً لندوة المعرض، ولا بد من محاسبة المسؤول عن اعتلاء هذا الرجل لمنصة الندوات فى أول معرض كتابٍ بعد الثورة (بالمناسبة، قبل قرابة أسبوعين دعانى رئيس هيئة الكتاب نفسه، د. أحمد مجاهد، لعمل ندوة بالمعرض عن روايتى الأخيرة، فاعتذرت منه لانشغالى بالدواهى الجارية فى مكتبة الإسكندرية).. وبلغنى بالتليفون أيضاً، أن بطاقة دخولى إلى مكتبى تم إلغاؤها! وأن الإجازة التى تقدمتُ بها تم استبعادها سراً والسكوت عنها، حتى أصير بمثابة (موظف منقطع عن العمل) فيصدر بعد خمسة أيام قرارٌ بفصلى نهائياً عن العمل بسبب الانقطاع! وأن العاملين معى منقسمون على بعضهم البعض، فريقٌ منهم يجمع التوقيعات الرافضة لقرار «سراج» بإلغاء مهامى الوظيفية بالمكتبة، وفريقٌ يلتزم بما طلبته من الجميع بعدم التدخل فى مواجهتى الأخيرة مع «سراج»، حيث قلتُ لهم بالحرف الواحد، فى آخر يومٍ كنتُ فيه بالمكتبة الأسبوع الماضى: هذه حربى الأخيرة من أجل مكتبة الإسكندرية، فلا تتدخلوا فيها كى لا يتم البطش بكم فى غيابى.
فلما كان اليوم التالى على ذلك «الإثنين» وجدت المدير العام «سراج» ينشر فى «المصرى اليوم» مقالاً لطيفاً ناعماً مثل بطن الحرباء، يتَّشح فيه بمسوح الفلاسفة والحكماء ويجعل عنوانه (تأملات..) ويرمينى بالسعى إلى الجلوس على كرسيه البائس، الذى أعلنتُ مراراً أننى لن أقبل به أبداً، وأشهدتُ الجميع على التزامى بذلك، ثم يزعم «سراج»، سامحه الله، أنه كان «يظننى مثقفاً وكاتباً، ولكنه اكتشف أننى أريد منصباً!!»، ثم يتحدث كالمخلصين، وهو يدلِّس على الناس، بأنه تبرع للمكتبة بمليون ونصف، نتيجة محاضرات ألقاها فى أنحاء العالم عن المكتبة، بينما لم أتبرع أنا بشىء (كأنه حين يذهب لاستلام مبلغ من جهة مانحة فيلقى هناك كلمة، يكون هو الذى منح)، ثم يتحدث كالحملان عن نشاط المكتبة المزدهر، ثم يلاطف العاملين بالأمن الداخلى والإدارة الهندسية كأننى هاجمتهم فى مقالتى، وهو الذى يواسيهم (آملاً فى احتشادهم ضدى بعد ذلك).. ثم الأهم من ذلك كله، أنه لم يردّ فى مقالة «الرد»، التى نشرتْها له الجريدة، على أىِّ واقعة من تلك التى ذكرتُها يوم الأربعاء الماضى فى مقالتى التى من المفترض أنه يرد عليها، بل تبلغ به الأمور أن يقول فى نهاية مقالته إنه لن يعود مجدَّداً للرد على أى شىء سأكتبه ثانيةً، كأنه ردَّ أولاً.
فلما كان ذلك كله، ولما لم أجد أىَّ استجابة لندائى لإنقاذ المكتبة إلا ما قام به المدير المتألِّه، ولما رأيتُ الانقسام بين العاملين.. وجدتُ أن الورقة الأخيرة التى يجب أن أقدمها لمكتبة الإسكندرية بعد سبعة عشر عاماً من العمل المتصل فيها، هى ورقة استقالتى التى كتبتُ فيها، فقط، ما نصه: أتقدم باستقالتى من العمل بالمكتبة اعتباراً من اليوم (الإثنين 6/2/2012).
***
ما الذى يبقى من بعد ذلك، تبقى «متاريس» ثقافية ومعرفية كثيرة سوف أتحصن خلفها لاستكمال الدور الذى أقوم به، فإذا كان «متراس» المكتبة قد سقط وتم تخريبه عن عمد، فلا يزال هناك: الكتابة، التأليف الأدبى، المحاضرات، المناقشات الفلسفية والمعرفية.. وغير ذلك الكثير.
ويبقى من بعد ذلك، أننى تركت ورائى فى مكتبة الإسكندرية رصيداً لا يمكن حسابه بالعملات النقدية: قرابة تسعين ألف مخطوطة مصوَّرة، كان المفترض أن تتكلف عشرات الملايين من الجنيهات، لكننى جمعتها لتكون فى خدمة الباحثين من دون أن أكلِّف ميزانية المكتبة أى شىء.. ومعمل ترميم هو الأفضل من نوعه على مستوى العالم، وقد أقمته فى المكتبة بمنحة حصلت عليها من الحكومة الإيطالية قدرها مليون دولار.. وقاعة عرض متحفى للمخطوطات، شهد الجميع بأنها الأجمل من نوعها والأكفأ فى مجال التعريف بالتراث والمخطوطات.. وقرابة العشرين مجلداً من المؤلفات التراثية المحقَّقة والفهارس وأعمال المؤتمرات الدولية المتخصصة فى مجال المخطوطات.. ووحدات فنية لا يزال الخبراء يحسدون مكتبة الإسكندرية على أعمالها.
والأهم عندى، مما سبق، أننى أترك «إدارة المخطوطات» بالمكتبة بعد هذه السنوات الطوال (التى سبقت ظهور المدير العام بسبع سنين)، وفيها قرابة المائة متخصِّص فى الفروع التراثية، أعطيتهم من قلبى وعقلى ما جعلهم قادرين على استكمال مسيرة العمل التراثى بمكتبة الإسكندرية، إذا ما قدَّر الزمانُ للمكتبة أن تعود يوماً لدورها الريادى فى مصر والعالم.. ولهؤلاء أقول: كونوا على استعداد لاستكمال مسيرتكم من بعدى، فقد قدمتُ كل ما أمكننى تقديمه لهذا الكيان الهائل الذى كان حلماً وأملاً، فصار كابوساً وألماً.. ولعل الله يُحدث من بعد ذلك أمراً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.