إيران تطلب من الإسرائيليين مغادرة الأراضي الفلسطينية المحتلة " لإنقاذ حياتهم "    وزير الشباب يقترح إضافة مادة جديدة على تعديلات قانون الرياضة    ليعود في أسرع وقت.. الخطيب يوجه بتوفير الرعاية الكاملة لإمام عاشور    السيطرة على حريق بمولد كهربائي داخل ثلاجة خضار بسوق العبور    وزير الثقافة يفتتح الدورة 45 للمعرض العام بمشاركة 326 فنانًا    عزاء نجل الموسيقار صلاح الشرنوبى فى مسجد الشرطة بالشيخ زايد.. الثلاثاء    قبل عرض 7Dogs.. كيف روج تركي آل الشيخ للفيلم؟    عضو بالبرلمان التونسي: «الإخوان» اخترقوا قافلة الصمود وحولوها لمنصة تهاجم مصر وليبيا    محافظ جنوب سيناء وسفير الهند يبحثان سبل تعزيز التعاون السياحي وإنشاء مدرسة دولية متخصصة في رياضة اليوجا بسانت كاترين    "نقل النواب" تناقش طلبات إحاطة بشأن تأخر مشروعات بالمحافظات    «الشروق» تكشف موقف بن شرقي بعد الغياب عن مباراة إنتر ميامي    رحلة إلى الحياة الأخرى.. متحف شرم الشيخ يطلق برنامجه الصيفي لتعريف الأطفال بالحضارة المصرية القديمة    لميس الحديدي: كرة اللهب تتناوب بين تل أبيب وطهران.. ولا نهاية قريبة للحرب    شباب القلب.. 4 أبراج تتمتع بروح الطفولة    بعد تصدره «التريند».. الحسن عادل: «أغنياتي نابعة من إحساسي وبتعبر عن مشاعري»    أمين الفتوى يوضح حكم الزيادة في البيع بالتقسيط.. ربا أم ربح مشروع؟    وزير الشئون النيابية يحضر جلسة النواب بشأن قانون تنظيم بعض الأحكام المتعلقة بملكية الدولة في الشركات المملوكة لها    أوليس أفضل لاعب بمباراة بايرن ميونخ ضد أوكلاند سيتى فى كأس العالم للأندية    السعودية: وصول طلائع الحجاج الإيرانيين إلى مطار "عرعر" تمهيدًا لمغادرتهم    كيف تنظم المرأة وقتها بين العبادة والأمور الدنيوية؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    العمليات العسكرية الإسرائيلية وتوجيهات رئاسية جديدة تتصدر نشاط السيسي اليوم    رسمياً.. جينارو جاتوزو مديراً فنياً لمنتخب إيطاليا    عائلة تطرح جزيرة في اسكتلندا للبيع بسعر أقل من 8 مليون دولار    جبل القلالي يحتفل بتجليس الأنبا باخوميوس أسقفًا ورئيسًا للدير (صور)    «جزار الوراق» ينكر التعدي على تلميذة: «ردت علىَّ بقلة ذوق فضربتها بس» (خاص)    صراع مع آلة لا تعرف الرحمة.. «نيويورك تايمز»: الذكاء الاصطناعي يدفع البشر للجنون    ضبط المتهمين بقتل سائق توك توك وإلقاء جثته بمقابر أسوان    رامي جمال يوجه رسالة لجمهور جدة بعد حفله الأخير    تنسيقية شباب الأحزاب تحتفل بمرور 7 سنوات على تأسيسها.. وتؤكد: مستمرين كركيزة سياسية في الجمهورية الجديدة    التعليم: تدريب مجاني لمعلمي الإنجليزية بالتنسيق مع السفارة الأمريكية -(مستند)    بوستات تهنئة برأس السنة الهجرية للفيس بوك    10 سلوكيات خاطئة ابتعدى عنهم مع أطفالك حفاظا على صحتهم    التنظيم والإدارة يعلن ترتيب امتحانات مسابقات التوظيف بالجهاز الإداري للدولة    رئيس جامعة المنوفية يرأس لجنة مقابلات لتجديد مناصب مديري العموم وأمناء الكليات    إيران تنفي إرسال أيّ طلب إلى قبرص لنقل «رسائل» إلى إسرائيل    محافظ الغربية يجرى جولة مفاجئة داخل مبنى الوحدة المحلية بسبرباى بمركز طنطا    الجريدة الرسمية تنشر قرارا جديدا ل رئيس الوزراء (تفاصيل)    طب قصر العيني تُحقق انجازًا في الكشف المبكر عن مضاعفات فقر الدم المنجلي لدى الأطفال    طريقة عمل فطيرة السكر باللبن في خطوات بسيطة    قوافل الأحوال المدنية تواصل تقديم خدماتها للمواطنين بالمحافظات    في عيد ميلاده ال33.. محمد صلاح يخلد اسمه في سجلات المجد    قرارات إزالة لمخالفات بناء وتعديات بالقاهرة وبورسعيد والساحل الشمالي    سعادة بين طلاب الثانوية العامة في أول أيام مارثون الامتحانات بالقليوبية    "لا للملوك": شعار الاحتجاجات الرافضة لترامب بالتزامن مع احتفال ذكرى تأسيس الجيش الأمريكي    استمرار استقبال محصول القمح المحلي للمواقع التخزينية بالشرقية    "طوارئ" بشركات الكهرباء تزامنًا مع امتحانات الثانوية العامة    يسري جبر يوضح تفسير الرؤيا في تعذيب العصاة    ترقب وقلق.. الأهالي ينتظرون أبناءهم في أول أيام امتحانات الثانوية العامة| شاهد    محافظ أسيوط يشهد فعاليات اليوم العلمي الأول للتوعية بمرض الديمنشيا    تحرير 146 مخالفة للمحلات لعدم الالتزام بقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    «خلافات أسرية».. «الداخلية» تكشف ملابسات مشاجرة بالأسلحة البيضاء في البحيرة    تداول امتحان التربية الدينية بجروبات الغش بعد توزيعه في لجان الثانوية العامة    ماراثون الثانوية العامة بدأ.. طلاب الأقصر يتوافدون على اللجان لأداء أول يوم امتحانات    الأهلي أوقفه.. ميسي يتعطل لأول مرة في كأس العالم للأندية    بمناسبة العام الهجري الجديد 1447.. عبارات تعليمية وإيمانية بسيطة للأطفال    الغارات الإسرائيلية على طهران تستهدف مستودعا للنفط    تعليق ساخر من مجدي عبد الغني على مدرب الأهلي قبل مواجهة إنتر ميامي    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عمرو موسى ل«المصري اليوم»: التوسع الإسرائيلي يهدد السعودية ومصر.. وهذه المخططات تدفعنا لنجتمع معًا .. حوارات مستقبل الشرق الأوسط (الحلقة الأولى الجزء الثاني)
نشر في المصري اليوم يوم 14 - 11 - 2024

وسط عالم يموج بالتحولات السياسية والاقتصادية، وفى ظل الصراعات المتزايدة التى تهز منطقة الشرق الأوسط، التى تعيش واقعًا معقدًا، فى ظل عام على حرب الإبادة فى قطاع غزة دونما آفاق واضحة لإنهائها، مع تمدد النزاع إلى جنوب لبنان، ووصول أصدائه إلى اليمن والعراق، ثم إيران، نطرح فى سلسلتنا «مستقبل الشرق الأوسط» مسارات منطقتنا، عبر حوارات مع نخبة من الساسة والمنظرين والمفكرين والدبلوماسيين الحاليين والسابقين من مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، لتقديم رؤاهم مستندين إلى تجارب الماضى ودروس الحاضر، لنستشرف معًا الطريق
نحو المستقبل.
وانطلاقًا من جذور الصراع العربى الإسرائيلى، مرورًا بالتدخلات الإقليمية وصعود بعض القوى الجديدة كالفواعل من غير الدول، وتعقد المشهد العربى، نفتح معًا أبواب نقاش مستنير حول الدروس المستفادة من التاريخ وتأثيرها على مستقبل منطقتنا؛ لطرح رؤى وأفكار لاستشراف الغد والدور الحاسم الذى يمكن أن تلعبه الدول العربية إذا ما أعادت إحياء روابط تاريخية فى محيطها والدفع نحو استقرار مستدام وتحقيق مصالحها.
فى الجزء الأول من حلقتنا الحوارية معه؛ تطرق الأمين العام الأسبق للجامعة العربية، وزير الخارجية الأسبق، عمرو موسى، إلى ملفات بالغة الأهمية، معتبرًا أن «الشرق الأوسط الجديد» بمفهومه الاستعمارى دخل مرحلة التنفيذ.
تناول «موسى»، فى حواره الاستثنائى، مع «المصرى اليوم»، «خطورة الهرولة نحو التطبيع المجانى» معتبرًا أن الاتفاقات الإبراهيمية بالمفهوم الإسرائيلى معناها «إجبار الدول العربية والإسلامية على طريق لا سلامة فيه» مرجحًا أن الصراع فى منطقتنا سيمتد إلى دول المتوسط ويلقى بظلاله على أوروبا، ما لم يوضع له حد وحل مستدام، داعيًا إلى «تحالف شرق أوسطى» بمفهومنا العربى يتسع ليشمل بلدانًا من القرن الإفريقى وغرب آسيا.
حذر «موسى» من أن هناك نية لفرض «هيمنة إسرائيلية على المنطقة»، معتبرًا أن حماية توسعاتها بمثابة إيذان بإعادة عهود الاستعمار فى المنطقة والعالم، لذا شدد على وجوب الحذر والحيطة من مخططات كهذه.
وأكد الأمين العام الأسبق للجامعة العربية، أن دولة الاحتلال تخطط لضم أراض عربية جديدة تطال أجزاءً من ستة بلدان عربية بينها مصر والسعودية، وهو التصريح الذى أثار ضجة إعلامية، ونقلته وسائل إعلام دولية وإقليمية.
وإلى الجزء الثانى من الحوار:
■ ملامح الدولة الفلسطينية التى تريدها إسرائيل؟.. وبرؤية اليمين المتطرف الذى يحكم الآن، إلى أين تمتد حدود إسرائيل؟
- إسرائيل ترفض قيام دولة فلسطينية وقد أعلنت ذلك بقرار من الكنيست. وهناك اقتراح لدولة «رمزية» أو «بلدية» علم ومزيكا، وعضوية فى الأمم المتحدة.. إسرائيل لا تريد أيضًا حل «الدولة الواحدة»، إنما احتلال من النهر إلى البحر وتريد فقط كيانًا فلسطينيًا إداريًا بلديًا تحت سيطرتها الكاملة.
لابد من الضغط العربى نحو قيام دولة فلسطينية بالمعنى الحقيقى مع كل الترتيبات اللازمة للأمن الإسرائيلى والأمن الفلسطينى، فى إطار أمنى إقليمى تتفق عليه دول الإقليم، تسانده إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية فى المنطقة دون أى استثناء..
قيل من أحد الشخصيات السياسية البارزة فى الولايات المتحدة إن إسرائيل «المسكينة الضيقة» تعيش فى حيز ضيق. سترين التوسع الإسرائيلى يهدد السعودية، وترين كيف طلبوا كيلومترين من الحدود المصرية.. هذه بدايات. هذه المخططات تدفعنا أن نجتمع، ليس شرطًا كل العرب، كما سبق أن قلت لنبدأ بالسعودية ومصر والأردن، هذه مسألة يجب أن تطرح داخل الحجرات العربية المغلقة.
■ حذرت فى الحلقة السابقة من الحوار من طموحات التوسع الإسرائيلي، وقلت إن إسرائيل تهدف إلى ضم أراضٍ عربية. وقد أحدثت هذه التصريحات ضجة كبرى، عكستها تصريحات إعلامية بين مؤيد ومعارض. هل تود التعليق على ذلك؟
كنت من بين من قرأوا تصريحات سابقة أدلى بها عدد من زعماء إسرائيل وبينهم وزير المالية الحالى بتسلئيل سموتريتش، قال فيها إن حدود إسرائيل يجب أن تمتد لتشمل أراضى من دول عربية حددها سموتريتش وهى ست دول عربية وجاء فى تصريحاته أن دولة إسرائيل الكبرى يجب أن تضم العاصمة السورية دمشق، والأردن وأجزاء من مصر والسعودية ولبنان والعراق.
هذه التصريحات علنية ومتكررة ومسجلة فى عدد من وسائل الإعلام الإسرائيلى وهى تلتقى بتصريحات أخيرة تتعلق بضيق مساحة إسرائيل، وعليه يجب التحوط والحذر، ووجب التحذير من خطط تنفيذية لهذه الأطروحات، وقد حذرت فى تصريحاتى لكم التى نشرت فى الحلقة الأولى بوضوح.
وقد قيل لى إن البعض هاجم هذه التصريحات وهو حق الاختلاف الذى لا أرفضه، لكن الاختلاف يكون على رأى وما قلته ليس إلا نقل معلومات نشرت وتدعمها تصريحات مثل ضيق مساحة إسرائيل التى تنطلق من أفكار توسعية وقراءة لموقف قمة فى الغرابة والخطورة، مما يستوجب هذا الحذر الذى أشرت إليه، وكذلك يستوجب تضامنًا عربيًا فى الإطار الذى شرحته سابقًا لمواجهة مختلف الاحتمالات وللتعامل مع هذه الأطروحات أو الأفكار بل ربما خطط جرت أو تجرى صياغتها بالفعل.
أعود هنا وأؤكد أن وقوف مصر والسعودية سويًا وتضامنهما وتنسيقهما ضرورى بل حيوى لمواجهة مختلف الاحتمالات.
■ فى الفترة ما بين لقائنا السابق والحالى انعقدت القمة العربية والإسلامية وأصدرت قرارات هامة.. كيف ترى نتائج هذه القمة ومدى تأثيرها على الموقف الراهن؟
لقد قرأت البيان النهائى بإمعان واهتمام كبيرين، وأرى البيان الختامى اشتمل على قرارات هامة منها مثلًا المطالبة بحظر تصدير السلاح إلى إسرائيل، والدعوة إلى حظر استيراد منتجات المستوطنين الإسرائيليين فى الأراضى التى استولى عليها هؤلاء فى الأرض المحتلة وبدء الإعداد بتجميد مشاركة إسرائيل فى الجمعية العامة للأمم المتحدة على أساس انتهاكها الواضح للميثاق وتهديدها للسلم والأمن الدوليين وعدم وفائها بالتزامات عضويتها بالأمم المتحدة، واعتبار أعمال المستوطنين من أعمال الإرهاب والدعوة إلى اتخاذ العقوبات ضدهم وضد كافة الاجراءات غير الشرعية فى الأراضى الفلسطينية، والدعوة إلى الاعتراف العام العالمى بدولة فلسطين وإدانة سحب الحصانة الدبلوماسية للأونورا فى الأراضى المحتلة، والعمل على تمكين الحكومة الفلسطينية من العمل فى إطار الوحدة السياسية والجغرافية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة كافة، والدعوة إلى التنسيق مع الجنوب العالمى فيما يخص مستقبل القضية الفلسطينية.
ولكن يتوقف الأمر على تنفيذ هذه القرارات وعلى رأسها تجميد مشاركة إسرائيل فى الجمعية العامة للأمم المتحدة.
■ كيف لمصر والسعودية أن تتعاملا مع هذه الرؤى، وتقودا موقفًا عربيًا موحدًا لمواجهة هذه المخاطر؟
أتحدث عن موقف موحد سعودى-مصرى، وقطعًا سينضم له عدد من الحكومات العربية، والرأى العام سيكون مؤيدًا لهذا. أنا هنا لا أتحدث عن حركة عربية شاملة، إنما أتحدث عن قيادة موقف معين، صاغته من قبل القمة العربية فى بيروت عام 2002، بحيث توازن بين الالتزامات المتبادلة.
تحدثنا فى هذه المبادرة عن التطبيع والاعتراف أمام ما هو مطلوب من إسرائيل من الانسحاب من الأراضى المحتلة وقيام دولة فلسطينة فاعلة فى مقابل هذا، عبر وثيقة متوازنة تمام التوازن.
وأظن أننى ذكرت من قبل أن التطبيع ليس موضوعًا ممنوعًا الحديث فيه، بل تناولته المبادرة العربية على أساس أنه شىء مقابل شىء. نحن لسنا معبئين لخدمة الأهداف الإسرائيلية، وسيكون هذا أمرًا غريبًا أن تُطرح مثل هذه الفرضية. نحن معبأون لقيام السلام. وليس لخدمة أى أهداف أخرى.
ذكرت فى الجزء الأول من حوارنا أننا لسنا بصدد المشاركة فى تخريب المنطقة، إنما فى بناء المنطقة وعلاج الكسور الموجودة فيها. وفى هذا الإطار تحدثت عن وجوب التنسيق المصرى-السعودى ويجب أن تنخرط معهم الأردن ومن يريد أن يلتحق برؤى عربية عاقلة تدرك ما هى طبيعة الظروف، وانطلاقًا مما جاء فى المبادرة العربية.
■ أثارت عودة ترامب للبيت الأبيض المخاوف بشأن سياساته فى الشرق الأوسط بشكل عام، وبشأن الحرب على غزة على وجه الخصوص.. يرى البعض أن هذا الرجل قد يساعد نتنياهو على إفراغ القطاع من سكانه كمنظور لإنهاء الحرب.. ما هى رؤيتكم؟
دعينا نرَ أولًا كيف سيكون توجه الرئيس الأمريكى المنتخب، الذى تحدث عن إنهاء الحروب وإقامة السلام، وهذا أمر له منطق ويجب أن يُبنى على منطق، ويكون أساسه التوازن. وربما الرئيس ترامب بعد التجربة الطويلة بين 4 أعوام فى البيت الأبيض و4 أعوام فى المعارضة متابعًا لهذه الملفات لا بد أنه شعر أن الوضع فى الشرق الأوسط لا يصح إذا تم الاستناد إلى موقف نتنياهو فقط الذى لا يقيم سلامًا بل يؤدى إلى تصاعد الاضطرابات.
إن القوة التدميرية التى شهدنا إسرائيل تستخدمها لا يمكن أن تنتج سلامًا، ولا يمكن أن تقنع الشعوب، وبالتالى أدعو كافة الأطراف المعنية أن تتفهم أنه لا يمكن للسلام فى الشرق الأوسط أن يُقام بالاستناد إلى ما حدث فى غزة وما يحدث فى الضفة، إنما على أساس توازن سياسى وقيام دولة فلسطينية حقيقية وليست دولة كرتونية.
■ إذًا من وجهة نظرك، لو استمر الجانب الأمريكى فى دعم سياسات إسرائيل التدميرية.. هل تنزلق منطقتنا إلى مزيد من النزاعات أو الانفجار؟
المنطق يقول هكذا، لا أظن أنه سيفعل ذلك، وموضوع التطبيع يجب أن يوضع فى إطاره السليم، وإذا كان لى أن أطالب فإنى أطالب الدبلوماسية الأمريكية بالأخذ بالاعتبار أن الموقف العربى المتزن لا يستبعد التطبيع إنما يضعه فى إطاره السليم. أى أن التطبيع يعنى إنهاء الخلافات وإنهاء العداوة وإنهاء الاضطرابات، وهذا لا يمكن أن يتم على أساس النظرية الصهيونية التوسعية، ونتحدث هنا عن مصالح عربية فى مقابل مصالح أخرى، من مصلحة الجميع أن يسود الهدوء فى المنطقة وأن يتعايش الجميع معًا، لكننى لا أرى أن ما يطرحه رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو متماشيًا مع هذا.
■ إذاً التطبيع من وجهة نظرك يجب أن يكون مقابل قيام دولة فلسطينية حقيقية
كاملة السيادة؟
بلا شك، التطبيع يجب أن يكون على أساس حل المشكلة الفلسطينية حلًا منطقيًا سليمًا يعطى كل طرف جزءًا من المعادلة أو يقيم معادلة جديدة. الدولة الفلسطينية مسألة أساسية لإنهاء الصراع، لأنه دون إقامة دولة ستظل المشكلة قائمة، وسيظل هناك أكتوبر ونوفمبر وإلى آخره مرة أخرى.
نحن نريد إقامة سلام، وإقامة السلام بالمنطق الذى تعرفه الدبلوماسية والسياسة والقانون الدولى والتعاون الاقتصادى والتعايش هو إعطاء الحقوق، وتنفيذ الالتزامات. هذه أمور يجب أن توضع كلها على كفة الميزان.
■ قلت «ما من قوة سياسية منفصلة عن قوة اقتصادية وربما عسكرية».. من هذا المنطلق، ما مدى فاعلية توجه مصر والسعودية إلى تحالف بريكس، وهل يسهم ذلك فى خلق توازنات اقتصادية ولو على المستوى البعيد؟
نتحدث عن تعاون اقتصادى إقليمى، الدور السعودى والخليجى مهم فيه، والدور المصرى أيضًا مهم جدًا؛ نحن السوق الأكبر. هنا قناة السويس. هنا مسار التجارة الدولية والثقل الكبير فى مجال البحر المتوسط، الثقل الكبير فى المجال الإفريقى وخصوصًا القرن الإفريقى والبحر الأحمر.
مصر لها ثقلها، وكذلك السعودية ودول الخليج لها وضع خاص. هذه القوى لو وُضعت سويًا هى من سترسم الطريق نحو الاستقرار والسلام.
هذا الكلام يجب أن يُقال للإدارة الجديدة من الرؤساء العرب، وأعتقد أن هذا سيتم لأنه لا يمكن أن يُقال «حاضر يا فندم»، لأن المنطقة تحترق. وإذا لم نكن أمناء وصرحاء فى العرض والطرح فسنكون فى مسارات ليست جيدة، لكننى أثق فى مصر والسعودية، وأثق فى أنه سيكون لهما طرح جيد على الطاولة الأمريكية، وهذا انطلاقًا من الرفض المصرى لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم. نحن فى مصر لسنا فى وارد المشاركة فى تصفية القضية الفلسطينية، ومن ناحية أخرى أستشهد بتصريحات ولى العهد السعودى وآخرين من كبار الدبلوماسيين السعوديين ممن قالوا إن التطبيع يعنى قيام دولة فلسطينية. لكن يبقى أن يرمز لهذا بموقف عربى نشارك فى صياغته وتسويقه والتحدث فى شأنه عربيًا وعالميًا، ويتم التأكيد عليه صراحةً وياستمرار. إن حل المشكلة يكمن فى إقامة الدولة الفلسطينية. ثم بعد ذلك يأتى السلام والتطبيع والاستقرار.
■ ما رسالتك للفرقاء فى الداخل الفلسطينى فى هذه المرحلة الفارقة من تاريخ بلادهم والمنطقة؟ وهل تتحرر بلادهم فيما هم منشغلون فى حسابات الفرقة؟
لا يمكن أن تتحرر فلسطين بحسابات الفرقة، وهذه مسؤولية تاريخية كبرى على الفرقاء. وأقول إنه بقدر المسؤولية التاريخية للاحتلال عن الفوضى التى أدت إليها سياساته العنيفة، سيكون الفلسطينيون مسؤولين أمام التاريخ، إنهم لم يستطيعوا أن يتوحدوا فى مواجهة تحدٍّ مهول. هذا شيء غريب وشيء مؤسف، لقد أتوا للقاهرة مرارًا، وتفاوضوا ماذا ينتظرون؟ غزة قُسّمت إلى شمال وجنوب، والضفة يحدث فيها «بلاوى»، ثم ماذا بعد؟ العالم فى انتظار موقف فلسطينى موحد، وعلى أساس هذا الموقف الفلسطينى الموحد ستجدون موقفًا عربيًا موحدًا.
■ أعود مجددًا لإيران ومعها تركيا، كيف يمكن لنا أن نقيم تحالفات متوازنة مع هذين الطرفين، فى حين أن البعض يعتقد أن إيران لها وضع خاص بسبب علاقاتها مع الفواعل من غير الدول؟
فلندع هذا الوضع الخاص جانبًا، لأن إسرائيل هى الأخرى تقول إن لها وضعًا خاصًا. فى السياسة، لا يوجد شىء اسمه «وضع خاص فى مقابل لا أوضاع خاصة للآخرين» فالجميع فى المنطقة لديهم أوضاع خاصة ربما تتكامل، إنما ما يحدث هو تطور معين بناءً عليه يتحدد الموقف الاستراتيجى فى المنطقة، والقضية الفلسطينية فى لبِّه وفى قلبه أن هناك صدامًا جاريًا وربما مستأنفًا بين إسرائيل وإيران. وأرى من الأخبار أن هناك حديثًا عن جهات أمريكية تؤكد أن إيران كانت وراء محاولة اغتيال الرئيس ترامب، وهذا يعنى أن الأمر ليس مجرد أنباء، بل نتائج تتعلق بحيثية التعامل مع إيران.
كان هناك فرق بسيط فى التعامل مع إيران من جانب إدارة بايدن المغادرة، وإسرائيل التى تريد إنهاء وإسقاط النظام الإيرانى، بينما الأمريكيون تحت الإدارة السابقة يسعون إلى تغيير سياسات النظام الإيرانى. لكن بعد الحديث عن أن إيران كانت ضالعة فى التدبير لاغتيال ترامب، فنحن أمام تساؤلات: هل سيتعامل الرئيس ترامب بنفس المنطق؟ هذه مسألة على الدبلوماسيات العربية والجامعة العربية أن تتابعها عن كثب، وأن نكون على وعى بما قد يحدث بسبب هذا، لأنه أصبح واردًا الآن فى عهد الإدارة الجديدة إمكانية أن تُسد الفجوة بين سياسة أمريكا وإسرائيل فيما يتعلق بالتعامل مع إيران ليصبح إسقاط النظام الإيرانى هدفًا مشتركًا. هذا موضوع علينا متابعته، وأن يكون لنا فيه قول، لأنه سيؤثر على المنطقة، على استقرارها وعلى السلام فيها.
نأتى فى إطار الحديث عن الأسلحة النووية الإيرانية، وهنا علينا أن نتحدث عن منطقة خالية من السلاح النووى، ولا يجب أن نتحدث عن إنهاء البرنامج النووى الإيرانى دون أن نتحدث مع إسرائيل بشأن وضعها النووى.
■ إذًا، ترى أن بعودة ترامب واحتمالات اتجاهه نحو مزيد من الخلاف مع النظام الإيرانى، وسعيه لوقف أنشطة إيران النووية وربما إسقاط النظام الإيرانى، علينا نحن العرب أن يكون لنا موقف مغاير مع الجانب الإيرانى؟
من غير المنطقى التركيز فقط على النووى الإيرانى بينما المفاعلات النووية الإسرائيلية تقع على بُعد كيلومترات من مصر والسعودية والأردن وفلسطين والهلال الخصيب كله. هذا ملف لا يمكن تركه والسكوت عنه. لماذا؟ لأنه رغم ما قيل لنا بأن إسرائيل عليها ضوابط لاستخدام النووى، فقد سمعنا وزراء فى حكومة نتنياهو يطالبون باستخدام السلاح النووى فى غزة، بالإضافة إلى التهديد باستخدامه فى حروب سابقة مثل حرب 1973، بعدما شعروا بالقوة المصرية والعربية. خصوصًا أن الحديث تزايد فى أكثر من منطقة عن إمكان استخدام الأسلحة النووية التكتيكية، وهذا خطير جدًا ويمكن أن يحدث فى منطقتنا طبقًا لتلك التصريحات الإسرائيلية. ولذلك، حين التطرق لملف إسرائيل وإيران ودخول قوى كبرى وقوى خارجية إلى هذا الملف فلا بد أن يكون لنا رأى فى هذا، وهنا أرى أن موقف مصر والسعودية سويًا يمكن أن يُحدث فارقًا هامًا فى مسيرة هذا الملف.
■ على الصعيد الشخصى.. التقيت العديد من الشخصيات الدبلوماسية، لكننى سوف أسألك عن شعورك حين التقيت للمرة الأولى، إسحاق رابين.. بعد عقود من الصراع مع إسرائيل؟
- إسحاق رابين كان شخصية كتومة كارهة للمبادرات المنفردة أو التى تتم بدون علمه مثلما كان يفعل شيمون بيريز..
فى البداية كانت لديه شكوك فى صلابة اتفاق السلام مع مصر، ربما انطلاقًا من خلفيته العسكرية كرئيس لأركان الجيش الإسرائيلى خلال عقود الحروب المتعددة مع مصر، وأن إطاره الثقافى والفكرى محكوم بهذا الأمر، ولكن بدخوله كمسؤول إسرائيلى رئيسى فى عملية السلام التى بادر بها الرئيس السادات، بدأ يتطور ليصبح مؤيدًا لعملية السلام (طالما هو صاحب الكلمة الإسرائيلية فيها) وكان لا يثق فى صلابة مواقف بعض المسؤولين الإسرائيليين وعلى رأسهم بيريز وذلك حتى اغتياله على يد يهودى متطرف، كان رابين يتحرك نحو قبول قيام دولة فلسطينية (ربما قتل بسبب ذلك، ولكننى لست متأكدًا من مدى قبوله- لو كانت قد كتبت له الحياة- للملامح الرئيسية لتلك الدولة وهل هى دولة قابلة للحياة أم مجرد كيان صورى.
■ برأيك، هل كان تطور فكر رابين صوب قبول حل الدولتين نتاج القوة الرادعة التى أظهرتها مصر فى حرب أكتوبر المجيدة؟
- عوامل كثيرة أدت إلى ذلك، نصر أكتوبر طبعًا والأحاديث الطويلة التى جرت بين قادة مصريين وبينه فى المجال الدبلوماسى، إضافة إلى الدور الأمريكى فى المباحثات ودفع الأطراف جميعها لتقبل بفكرة «الدولتين».. ومن الطريف أن شيمون بيريز كان يدعى أنه هو الذى قام بتطوير فكر رابين، وهو أمر لو علم به رابين لتململ فى قبره.
■ فى هذا السياق، كيف تنظرون للراحلين عبدالناصر والسادات؟.. وما العبر التاريخية التى نستحضرها لحاضر المنطقة من واقع تجارب الماضى؟
- الرئيس جمال عبدالناصر كان شخصية عظيمة، لا شك فى ذلك. شخصية قادت مصر إلى آفاق دولية كبيرة وإقليمية ضخمة، وكان له أجندة عربية قومية ثقيلة فى دورها، وربما غير مسبوقة فى العصر الحديث بالنسبة لبلورة مواقف عربية قومية موحدة إزاء مشاكل المنطقة ومستقبلها، وبقدر عظمته جاءت أخطاؤه قاتلة، وعلى رأسها قيادة مصر إلى هزيمة 1967 وأنا أحد الذين لا يتسامحون فيها، لأنها كانت مهينة وتشير إلى سوء تقدير من نوع خطير جدًا. وكذلك أخطاؤه الاقتصادية التى أدت إلى إضعاف الاقتصاد المصرى بدرجة ملحوظة، مستمر أثرها إلى الآن، لكن هذا كله لا ينفى تأثيره على جيلى، بل حتى اليوم لو صادفت حلقة عن خطبة لجمال عبدالناصر عبر يوتيوب أو غيره أسمعها من الألف للياء بل أتماهى مع حديثه، أما أنور السادات فالتاريخ سجل له تحرير الأرض المصرية، وإدارته مصر سياسيًا ودبلوماسيًا إبان ذاك المنعطف الخطير الناجم عن الهزيمة.. قد لا نتفق مع سياساته الاقتصادية أو فى خلطه الدين بالسياسة واستخدام التنظيمات الدينية فى عمليات سياسية، لكنه كان رئيسًا لمصر فى مرحلة خطيرة من تاريخها، وحرر الأرض المصرية المحتلة.
كلاهما له أدوار كبرى وأخطاء كبرى، أما الرئيس مبارك فحاول ألا تكون له أخطاء كبرى ولا أدوار كبرى.
وحين سئل مبارك: «أى نهج سوف تفضل.. نهج عبدالناصر أم السادات؟»، قال لا هذا ولا ذاك. اختار سياسة النأى بالنفس، وهذه سياسة عليها الكثير من التحفظات. وبالمناسبة لم تكن تلك السياسة تقنعني، وناقشته كثيرًا فى مدى فاعليتها.
نحن كمصر لا نرتضى دور المتفرج، لأن مصر ليست دولة هامشية ولن تكون. وبالمناسبة محاولات تهميش مصر ستؤدى إلى أن مصر «تخربش الكل»، الحق أن مبارك عاش 30 عامًا على سياسة النأى بالنفس، لكنه حقق تقاربًا عربيًا إيجابيًا وهدوءًا إقليميًا ملحوظًا، وكاد أن يحقق استقرارًا اقتصاديًا لكن نفسية الشعب المصرى التى لا تقبل بدور المتفرج فإنها فى الوقت نفسه تقدر مزايا الاستقرار.
■ ماذا عن رؤيتك لدور مصر فى قيادة القضايا الإقليمية؟
- الدور المصرى فى هذه المنطقة هو جزء من تعريف المنطقة، جزء من هويتها وتكوينها العقلى والاجتماعى والتاريخى وبدونه تهتز.
لا يوجد أى وريث لدور ومكانة مصر فى المنطقة مع حفظ الاحترام للوضع العربي؛ لأن الأدوار التاريخية التى لعبتها مصر ليس لها وريث.. علينا أن نتخذ دور الرائد فى مواقف، ودور الشريك فى أخرى وذلك بحنكة وحذر مع حفظ الاحترام لمصر وللوضع العربى فى الإقليم.
■ ما قولك فى أن الحرب على غزة ولبنان أساسها حرب طاقة لتمكين إسرائيل من حيازة الغاز من مياه غزة ومياه لبنان المتنازع عليها؟
- شؤون الطاقة مسألة خطيرة جدًا، ومن أجلها كانت هناك - ولاتزال- صراعات فى منطقتنا، لكن أن نحيل حرب غزة لمشاكل الطاقة هو قول فيه مبالغة وعدم دقة.. إن أساس الحرب منذ 7 أكتوبر هو الاحتلال الإسرائيلى ومحاولات إدامته وإلغاء القضية الفلسطينية.
■ فور اغتيال قائد حركة حماس، استدعى نشطاء مواقع التواصل تجربة الأرجنتينى تشى جيفارا.. ما التشابه والاختلاف بينهما من منظورك؟ وما السيناريوهات المرتقبة فى غزة؟
- فلنترك الناس والشعوب تشبه تجربة السنوار، بتشى جيفارا أو غيره، هذه انطباعاتهم. الأساس هو «مقاومة تيار استعمارى» عاتٍ أضر بفرص لحل سلمى للقضية، يحقق العدالة والاستقرار.
السنوار قاد عملية مقاومة، وإن رحل فالقضية قائمة وحماس قائمة، وحتى إن افترضنا أن حماس ستترك الساحة، فالعديد من فصائل المقاومة باقية طالما أن الاحتلال قائم، وطالما أن سبب وجودها قائم، وطالما أن إسرائيل تعمل على الهيمنة والسيطرة بالعنف والتخويف، المسألة هنا تتعدى السنوار، رحمه الله، بل هى أخطر من ذلك.
السنوار مرحلة من مراحل الكفاح والمقاومة الفلسطينية، وهو كفاح لن ينتهي، هو قضى ولكن القضية كبيرة جدًا ومناصروها كثيرون جدًا، وبالتالى السنوار مضى ولكن هناك الكثيرون، حتى حماس إذا افترضنا تراجعها، هناك فصائل ومنظمات أخرى سوف تصعد وتصر وتتدرب وتقاوم الاحتلال، وإلغاء الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
■ هل تعتقد أن ثمة فرصة لتحالفات استراتيجية يغلب فيها أمن المنطقة واستقرارها المستدام؟
- هذا الموضوع يخضع لتطورات كبيرة، رأيت ما حدث لحزب الله، لكن طالما بقى الحال كما هو عليه بعودة الغرب الى إطاحة القضية، فإن النتيجة هى فوضى عارمة.. لا الدول العربية ولا المجتمعات أو الشعوب العربية ستقبل بهذا.
أطالب بالتحدث إلى الدبلوماسية الأمريكية، وعلينا أن ندعم موقف المملكة العربية السعودية بأنه لا تطبيع بلا حل شامل للقضية يبدأ بالاعتراف بدولة فلسطينية حقيقية.
■ فى ظل الأحداث الراهنة كيف تنظر لمستقبل «حماس» و«حزب الله»؟
- فى رأيى تشير الأحداث الأخيرة إلى تراجع دور «حزب الله» وتراجع بنيته أيضًا وهناك شكوك فى إمكانية استمرار دوره المستقبلي، والحال مشابه فيما يتعلق بحماس، لكن دعينى أوضح أن هذه مظاهر تقليدية بالنسبة للمنظمات ذات الأرضية العقائدية أو التى تنبع من قضية وطنية سرعان ما تحل محلها «ميليشيات» أخرى من نفس المنطلق، حال استمرار نفس الأسباب مثلما هو متوقع فى حالة حماس.
أما حزب الله فمصيره مرتبط بإيران، خصوصًا بعدما ترك دون دعم حيوى منها فى اللحظات الحرجة ومرتبط بالسياسة الإيرانية فى الإقليم والتى أتوقع أن تشهد تغيرًا جذريًا، وهنا على حزب الله أن يستند فى سياسته ومواقفه إلى المصلحة اللبنانية واحترام لبنان كدولة عربية لها وزنها الاستراتيجى ودورها فى إطار القوة الناعمة.. مصالح حزب الله يجب ألا تعلو على السياسة اللبنانية.
■ كيف تنظر لحديث الخارجية المصرية عن العلاقات مع إيران وماذا عن حديثك فى مذكراتك عن وجوب النظر نحو المتوسط بشقيه؟
- لماذا لا نطبع مع إيران، ولمصر معها علاقات تاريخية، وعلاقات مصاهرة سابقة، بل توافق سياسى جاء مثاله الأهم أيام ثورة مصدق فى بداية خمسينيات القرن الماضى.
ثم ألا ترين أن كل بلدان الخليج العربى لها علاقات مع إيران وتتبادل العلاقات الاقتصادية معها؟.. ألا ترين علاقتها بالغرب والشرق كله؟.. فلماذا نقف بعيدًا عن طهران؟. نعم كانت هناك أسباب خاصة أعاقت التطبيع منذ اغتيال الرئيس السادات، ولكن الآن يجب إزاحتها لأن العلاقات مع إيران مهمة أيًّا كان النظام الحاكم هناك.
■ البعض يرى أن إيران ونظامها الحالى تشكل تهديدًا على الأمن القومى العربي.. ما قولك؟
- التهديد الحقيقى هو إسرائيل كما شرح نتنياهو أهدافها، نعم وضعت السياسة الإيرانية نفسها موضع الاتهام ولها أخطاؤها الخطيرة فى حق العرب وخاصة بعض جيرانها لكن لا يجب مناظرتها بإسرائيل التى تطمح فى التوسع على الأراضى العربية بشكل بالغ الخطورة.
لا أعتقد أن إيران بشكلها الحالى والذى يجرى تطويره، سوف تشكل تهديدًا على منطقتنا يتوازى أو يقارن بالتهديد الحقيقى الذى تشكله إسرائيل.. علينا صياغة سياسات جوار تقوم بها الجامعة العربية مع البلدان غير الأعضاء التى تمس تفاعلات الإقليم وتتقاطع معها، يجب أن تكون مثل هذه الأمور مطروحة.
على الجامعة العربية أن تفتح باب التشاور لبلدان الجوار لتتبادل الحديث وتناقش المواقف التى يجب أن يجمعها بالتجمع العربى.. بحيث تناقش المصالح والقضايا المشتركة بدءًا من القضايا الأمنية مرورًا بالتبادل التجاري، والتعاون الاقتصادى. أما إسرائيل نعم هى دولة جوار ولكن ذات طابع خاص وعلاقتنا بها ترتبط بمشكلة كبرى وتاريخية لا يمكن تجاهلها، ونحن بصدد قيام نظام إقليمى جديد؛ لذا تقاربنا معها يجب أن يكون فى إطار تبادل الالتزامات كما جاء فى المبادرة العربية عام 2002.
■ فى ضوء الأزمات المستمرة فى السودان، هل يمكن توضيح التحديات المعقدة التى تواجه المسارات المحتملة لحل القضية؟
- أزمة السودان تحتاج لقاءً كاملاً، لكن دعينى أؤكد أنه لا يمكن ولا يصح تصور أن يتم تنصيب رئيس «منظمة مرتزقة» رئيسًا للسودان، وهذه مسألة غير مقبولة، وإذا كان هناك سياسة بهذا المعنى فهى سياسة «غبية» ولا يصح من قبيل احترام الدول لنفسها أن تقبل بمثل هكذا أطروحات. هذه إهانة للسودان وتاريخ السودان وحاضر السودان.. لكن فى الوقت ذاته على الفريق البرهان أن يعلم أن السياسة السابقة وخلط الدين بالسياسة عفا عليها الزمن، وعليه أن ينظر لبلاده نظرة جديدة تتماشى مع العصر، ومع التوجه السودانى المدنى العام، لأن أمامنا تحديات كبيرة، ومن الأفضل أن ينطلق السودان مع مجموعة الدول العربية والإفريقية نحو المستقبل.
■ هل غيرت الحرب الروسية- الأوكرانية مسار النظام الدولى؟، وهل تعتقد أن العالم فى طريقه أو إلى طور مختلف من هذا النظام؟
- ممكن، ولكن لا شك عندى فى أن هذه الحرب قد غيرت من طبيعة العلاقات الدولية وأثبتت مرة أخرى، فشل النظام الدولى المتعلق بحفظ السلم والأمن الدوليين فى القيام بوظيفته.
لقد طرحت هذه الحرب، -ومعها أحداث 7 أكتوبر وتدمير غزة وقتل المدنيين فى مجمل الأراضى الفلسطينية المحتلة،- نقاط الضعف الرئيسية فى النظام الدولى المشار إليه مثل:
- فرض المقاطعة الاقتصادية خارج النظام الدولى رغم التأثير السلبى لها، ليس فقط فى أحوال الأطراف المباشرة فى الحرب وإنما فى أحوال عدد كبير من الدول غير الأطراف مثل مصر وتعويض إمداداها بالقمح.
- سوء استخدام الفيتو وتأكيد الضعف المؤسسى فى نظام عمل مجلس الأمن وفشل جهاز الحفاظ على السلم والأمن الدوليين.
ولكن يمكن القول بأن النظام الدولى الحالى يحتاج إلى معالجة وتنشيط وتجديد دمائه، لكن هناك تحديات أهمها شلل مجلس الأمن وتوقف فاعليته، وربما يكون هو الآخر عصيًا على الإصلاح؛ إذ من الصعب أن يتنازل أصحاب الفيتو عنه، ومن الصعب أن يقبلوا دولاً جديدة دائمة العضوية به تتمتع بالفيتو؛ بسبب الخلافات المعتادة حول تمثيل إفريقيا وغيرها من بلدان الجنوب، بل إن أوروبا نفسها منقسمة فى هذا الشأن، على سبيل المثال إيطاليا فى حالة رفض؛ لأن تكون ألمانيا هى الدولة دائمة العضوية المضافة إلى التمثيل المكثف لأوروبا فى مجلس الأمن.. الحديث الآن عن إعادة تقسيم وتقييم العضويات الدائمة بمجلس الأمن، وهذا
أمر صعب.
■ فى ملفات وأزمات عديدة تمس الأمن القومى المصرى، يشير البعض بأصابع الاتهام نحو إسرائيل بما فى ذلك أزمة سد النهضة.. ما تعليقك؟
- الاتهامات ليست موجهة لإسرائيل فقط، بل لدول عربية وأخرى منها دول أوروبية ولكن أمريكا ليست من بينها، قد تكون هناك مبالغة ومحاولة وقيعة وقد تكون فى الاتهامات بعض من الصحة، وللتحقق من ذلك أقترح أن تلتقى «المصرى اليوم» وزير الخارجية بدر عبدالعاطى لأن لديه المعلومات الأدق فى هذا الصدد.
■ بعد أن تلقى الحرب أوزارها.. ما توقعاتك لليوم التالى فى غزة وفلسطين؟، ومن يتحمل إعادة إعمار القطاع ويعيد المهجرين؟
- اليوم التالى للحرب علامة استفهام مفتوحة، لكن إذا أردنا سلامة الموقف من الضرورى الانخراط فى طرح وحدة الحكم فى غزة والضفة والقدس الشرقية.
إذن، اليوم التالى للحرب يتوقف على حماس وفتح، فهل ستنخرطان فى حكم موحد؟.. أنا مثلك مندهش من شدة البلوى وأدعو كلاًّ من فتح وحماس للعودة لتشكيل خط وموقف موحد، لأنهما يعلمان أن وحدة الداخل الفلسطينى، وكذلك الموقف الفلسطينى هى حجر الأساس فى أى حل للقضية الفلسطينية، ولن يكون هناك حل مع بقائهما منقسمين متعاركين بهذا الشكل.
■ الرأى العام العالمى والشارع الغربى الآن يتجه نحو دعم القضية الفلسطينية، وهذا موقف لم نشهده من قبل.. كيف يؤثر ذلك على مستقبل الصراع؟
- نعم حراك الشارع أمر مهم للغاية الرأى العام العالمى مهم، والرأى العام العربى مهم، الرأى العام العالمى يتمتع بمساحة حرية، وإن كانت نسبية وبدرجة معينة، إنما الرأى العام العربى الغاضب مكتوم، وسينفجر يومًا فيما أتوقع، كما سبق أن أشرت.
■ فى الختام، طالما أن احتلال فلسطين بوصلة هذه الخلافات، هل تعتقد أن ملف السلام وحل الدولتين على حافة هاوية؟
- نعم على حافة هاوية، لكنه لم ينزلق فيها بعد، كان الحديث قبل 7 أكتوبر عن حل الدولتين «شماعة» و«مجرد كلام» كاد يصل إلى ما يسميه الشوام «طق حنك».. فى رأيى يجب أن نتوقف عن ترديد عبارة «حل الدولتين» خصوصًا أن إسرائيل قائمة بالأساس، وعلينا الانتباه لوجوب الحديث فقط عن قيام دولة فلسطينية حقيقية قابلة للحياة فى أراضى الضفة وغزة والقدس الشرقية على حدود 1967 أما الكلام العام فهو حديث لفض المجالس، ولا يعنى شيئًا، وأخشى أن يصل هذا التعبير ليكون شماعة أخرى يتحدث بها الدبلوماسيون والساسة لتخليص ضمائرهم.
■ متى وكيف تقام دولة فلسطين، من وجهة نظرك؟
- حل الدولة الفلسطينية سيحدث عاجلاً أو آجلاً، جيلكم سوف يراها.. أنا وجيلى لن نراها، ولكن يجب الحذر هنا.. المطلوب ليس أى دولة ،أو دولة وخلاص، فهناك محاولات تجرى الآن للإقناع بإقامة دولة فلسطين بطريقة رمزية يضحكون بها على ذقون العرب، أى دولة شكلية بلا صلاحيات حقيقية أو سيادة بالمعنى القانونى الصحيح، إنما دولة تقوم على جزء صغير من أراضى فلسطين التاريخية ومن دون القدس ومعظم الضفة الغربية ونصف قطاع غزة الشمالي، ولكن بعلم وسلام وطنى ومقعد فى الأمم المتحدة.
هذا طرح جرى بالفعل فى إطار ما سمى ب«صفقة القرن» التى اقترحها الرئيس ترامب، وأعتقد أنه قد يعاد طرحه، وفى رأيهم سيكون الفلسطينيون وبعض العرب سعداء بحل كهذا.
وفى مواجهة ذلك علينا الالتفات لضرورة طرح رؤيتنا نحن، والإصرار عليها؛ وهى قيام دولة فلسطينية حقيقية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ولنترك النتيجة للمفاوضات التى ينبغى ألا يكون نتنياهو طرفًا فيها ،وأن يكون التمثيل الفلسطينى قويًا ومخلصًا، قائمًا على رأى فلسطينى موحد وتفويض تاريخي، وألا يكون التمثيل العربى بعيدًا عنها وأن تكون تحت إشراف الأمين العام للأمم المتحدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.