في هجوم وصف ب «الفشل الأمني والاستخباراتي» للمؤسسات الإسرائيلية، شنت حركة حماس هجوما على مستوطنات غلاف غزة في عملية «طوفان الأقصى» يوم 7 أكتوبر 2023، والتى أوقعت أكثر من 1200 إسرائيلي وأسر أكثر من 200 أخرين، العملية التي لا تزال تلقي بظلالها ليس فقط على الساحة الفلسطينية بل على منطقة الشرق الأوسط ككل. صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية كشفت في تقرير لها أمس عن ملابسات الهجوم، موضحة أنها المسؤولين الإسرائيليين حصلوا على وثيقة من 40 صفحة تقريبًا تشمل تفاصيل خطة حماس قبل أكثر من عام من وقوع الهجوم، وسمت السلطات الإسرائيلية الخطة المسربة باسم «جدار أريحا»، لكنهم استبعدوا إمكانية تنفيذها ووصفوها بأنها طموحة. ولم تحدد الوثيقة موعدا محددا، لكنها تضمنت تفاصيل الهجوم -الذي وقع في 7 أكتوبر- بما يشمله من إطلاق وابل من الصواريخ، وطائرات بدون طيار لتدمير الكاميرات الأمنية والمدافع الرشاشة الآلية على طول الحدود، وتدفق المسلحين إلى إسرائيل بشكل جماعي في طائرات شراعية ودراجات نارية وعلى الأقدام، بهدف اجتياح التحصينات المحيطة بقطاع غزة، والاستيلاء على مستوطنات الغلاف واقتحام قواعد عسكرية رئيسية وتضمنت الخطة أيضًا تفاصيل حول مواقع وحجم القوات العسكرية الإسرائيلية ومراكز الاتصالات وغيرها من المعلومات الحساسة، مما أثار تساؤلات حول كيفية قيام حماس بجمع معلوماتها الاستخبارية وما إذا كانت هناك تسريبات داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. الهجوم يتجاوز قدرات حماس.. الأجهزة الأمنية تستهين ب «جدار أريحا» وذكر نيويورك تايمز أن الوثيقة تبدأ في صفحتها الأولى بآية من القرأن الكريم «ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ»، وتضمنت الخطة هجمات صاروخية لإلهاء الجنود الإسرائيليين ودفعهم إلى المخابئ، وطائرات بدون طيار لتعطيل الإجراءات الأمنية على طول السياج الحدودي بين إسرائيل وغزة، وبعد ذلك، سيخترق مقاتلو حماس 60 نقطة في الجدار، وكان أهم أهداف الخطة السيطرة على فرقة غزة المسؤولة عن حماية المنطقة. وتداولت الوثيقة على نطاق واسع بين القادة العسكريين والمخابرات الإسرائيليين، لكن الخبراء قرروا أن هجومًا بهذا الحجم يتجاوز قدرات حماس، وصف مسؤولون في «فرقة غزة»، الخطة بأنها «البوصلة»، بمعنى أن حماس تعرف إلى أين تريد الذهاب، لكنها لم تصل إلى هناك بعد. وبرر مسؤولون ل «نيويورك تايمز» أن جرأة المخطط جعلت من السهل الاستهانة به، موضحين أن «كل الجيوش تكتب خططًا لا تستخدمها أبداً»، ورجح المسؤولون الإسرائيليون أنه حتى لو غزت حماس، فإنها قد تحشد قوة من بضع عشرات، وليس المئات. ويعترف المسؤولون سراً بأنه لو أخذ الجيش هذه التحذيرات على محمل الجد وأعاد توجيه تعزيزات كبيرة إلى الجنوب، لكان بإمكان إسرائيل أن تخفف الهجمات أو ربما حتى تمنعها، بحسب ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز. وذكرت نيويورك تايمز أنه من غير الواضح ما إذا كان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أو غيره من كبار القادة السياسيين قد اطلعوا على الوثيقة أم لا. مذكرة ليبرمان 2016.. نقل المعركة إلى الداخل الإسرائيلي الحديث عن نقل ميدان المعركة إلى الداخل الإسرائيلي ليس فجديد ففي عام 2016 ذكرت مذكرة لوزارة الدفاع الإسرائيلية التي اطلعت عليها صحيفة التايمز، إن «حماس تنوي نقل المواجهة التالية إلى داخل الأراضي الإسرائيلية»، مرجحة أن يشمل أخذ رهائن والسيطرة على مستوطنات. وجاء في المذكرة،، أن حماس اشترت أسلحة متطورة وأجهزة تشويش GPS وطائرات بدون طيار، كما زادت قوتها القتالية إلى 27،000 فرد – بعد أن أضافت 6،000 إلى صفوفها في فترة عامين، وتهدف الحركة إلى الوصول إلى 40 ألف بحلول عام 2020. وقعها حذر وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيجدور ليبرمان، أن الغزو واحتجاز الرهائن «سيؤدي إلى ضرر جسيم لوعي ومعنويات مواطني إسرائيل». الإنذار الأخير.. مناورات حماس قبل ثلاث أشهر من طوفان الأقصى الشواهد لم تتوقف عند وثيقة «جدار أريحا»، وفي 6 يوليو 2023 قبل ثلاثة أشهر فقط من طوفان الأقصى، حذر محلل في الوحدة 8200 ب «وكالة استخبارات الإشارات الإسرائيلية»، من أن حماس أجرت تدريباً مكثفاً دام يوماً كاملاً، تحت إشراف كبار قادة الحركة، بدا مشابهاً لما ورد في المخطط، مؤكداً أنها «خطة مصممة لبدء الحرب وليست مجرد غارة على قرية». لكن عقيدًا في فرقة غزة تجاهل تحذيراته، مشيراً إن التدريب كان جزءا من سيناريو «متخيل تماما»، وليس مؤشرا على قدرة حماس على تنفيذه، وكتب العقيد: «باختصار، دعونا ننتظر بصبر»، ويشير تقرير نيويورك تايمز أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، انقسمت بين تصديق إمكانية الهجوم واستبعاده. السنوار والضيف بطلا استراتيجية خداع للأجهزة الأمنية الإسرائيلية خداع حماس للأجهزة الأمنية الإسرائيلية لم يتوقف عند الجانب العسكري فقط، فقبل اندلاع «طوفان الأقصى» تفاوضت حماس للحصول على تصاريح للسماح للفلسطينيين بالعمل في إسرائيل، الأمر الذي اعتبره الإسرائيليون علامة أن الحركة لا تسعى إلى الحرب، حسب ما ذكرت نيويورك تايمز. وتسلط صحيفة «جيروزليم بوست» العبرية الضوء على جانب أخر من استراتيجية الخداع بطله يحيى السنوار زعيم حركة حماس في قطاع غزة، ومحمد الضيف قائد كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري للحركة. وأكدت الصحيفة في تقرير لها اليوم نقلاً عن مصادر أمنية أن كلا الرجيلين كانا على علم بالمراقبة الوثيقة من قبل المخابرات الإسرائيلي لهم وأنهما استخدما أساليب سرية لتوصيل الرسائل. وظنت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن الضيف والسنوار تحت مراقبتها، لكن يتضح أن الرجلين عملا على نقل الرسائل سرا عبر «المحادثات وجهاً لوجه أو وسائل أخرى» لم تستطع الأجهزة الإسرائيلية اختراقها. وتشير التقارير إلى أنه في عملية «الفاكهة الاستوائية» عام 2018، عمدت فرق الجيش الإسرائيلي إلى تركيب أجهزة تنصت في معاقل حركة حماس، ورجحت الصحيفة أن حماس تمكنت بمساعدة إيرانية من أكتشاف بعض الأجهزة مما أدى لفك رموز أساليب الجيش الإسرائيلي. واعترف مسؤول أمني: «لم يفهم أحد ذلك، لا أمان (المخابرات العسكرية الإسرائيلي)، ولا الشاباك (جهاز الأمن العام الإسرائيلي)، ولا الموساد (جهاز المخابرات العامة الإسرائيلي)»، مؤكداً: «إن فشل العملية أعادت إسرائيل إلى الوراء فيما يتعلق بالمبادرة وفهم الصورة الأكبر»، واصفاً الفشل بأنه «استراتيجي».