لا أعرف إن كانت وزيرة القوى العاملة والهجرة الأستاذة عائشة عبدالهادى تصدق فعلا قولها إن الحكومة المصرية (حماها الله وقدرها علينا) «تعمل على راحة الفقراء»! فنحن هنا أمام احتمالين: إما أن الوزيرة، لا سمح الله، تكذب وهى تعرف أنها تكذب وهذه مصيبة، أو أنها تصدق هذه المقولة، وهذه مصيبة أكبر، لأنها تدل على أن الوزيرة ليس لديها أدنى فكرة على تعامل الحكومة مع الفقراء، كما أنها ليست مطلعة أيضا عن أن الفقراء الذين تتحدث عنهم ليسوا فقط «العمال والفلاحين» (الذين حاول نظام عبد الناصر الانتصار لهم) وإنما هم أيضا معظم فئات الطبقة المتوسطة المصرية بمن فيهم المدرسون وموظفو الدولة وأساتذة الجامعات، وغيرها من الفئات التى حولتها الحكومة بضربات قاصمة متتالية إلى معسكر الفقراء! وردت تلك الجملة الغريبة فى تصريحات الوزيرة خلال الجمعية العمومية للنقابة العامة للعاملين بالصناعات الغذائية، الأربعاء الماضى، أما الجملة الأغرب فقد جاء فيها أن الحكومة تعرف أن الجائع والمحتاج لا ينشغلان بالسياسة لأنهما يفكران فقط فى لقمة العيش، ومن هذا المنطلق أكدت الأستاذة عائشة عبد الهادى أن الحكومة تضع مشاكل الفقراء فى أولوياتها بهدف تحقيق السلام الاجتماعى فى مصر! وأضافت «لابد أن يستريح الفقراء حتى يتفرغوا للعمل السياسى»، توقفت أمام الجملة فى حالة صدمة، «يتفرغوا» حتة واحدة يا أستاذة عائشة! ألا ترين الاختيار الغريب جدا لفعل التفرغ للسياسة فى سياق الفقراء فى مصر! أتفق بلا شك مع النصف الأول من مقولة السيدة الوزيرة وهى أن الفقير والمحتاج والباحث فى الصخر عن لقمة عيش (حتى لو كانت مغموسة بمياه المجارى) لا يهتم بالسياسة، أما النصف الثانى من المقولة الذى بدأت به هذا المقال فليس فى مقدور إنسى أو جان أن يقنعنى بأن الحكومة تعمل لانتشال الفقراء من خانة الفقر، وبيننا وبين الوزيرة إحصاءات الفقر فى مصر التى تؤكد دخول معظم شرائح الطبقة المتوسطة مرغمين إلى معسكر الفقراء، فهذا تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2009 يوضح أن معدلات الفقر فى مصر تبلغ 41% من إجمالى عدد السكان، أما تقرير البنك الدولى عام 2005 فقد أوضح تضاعف عدد الفقراء فى مصر خلال السنوات الخمس (2000- 2005)، وقد كشف مسح تقييم الفقر فى مصر الذى أعده البنك الدولى بالاتفاق مع وزارة التنمية الاقتصادية أن « واحد من كل خمسة مصريين يعيش فى الفقر، وواحد آخر يعيش صراعا يوميا مع أقداره حتى لا يتحول رسميا من صفوف المستورين إلى صفوف الفقراء». هكذا كانت صورة المصريين فى بداية الألفية الثالثة، أما الآن فقد انخفض نصف عدد من كانوا على حافة الفقر إلى ما تحت خط الفقر، ويكفى أن نعلم أن عام 1950 كان فى مصر 112 ألف عاطل، أصبحوا الآن 5 ملايين وتلك نتائج طبيعية فى ظل غياب تنمية حقيقية تستوعب طاقة العمالة الهائلة فى مصر. أما فى مسألة «تفرغ» المواطن المصرى للسياسة، فقد اجتمعت الأوضاع الاقتصادية المتردية مع القبضة الأمنية وحالة الطوارئ المستديمة التى نعيشها على ضرب إحساس المواطن بالمسؤولية والانتماء إلى بلده فى مقتل، فمن الخطأ إرجاع عدم اهتمام المصرى بالمشاركة السياسية إلى الفقر فقط، وإلا كيف حققت الهند نهضة ديمقراطية تعتمد، بلا شك، على المواطن الهندى، وذلك فى غياب الرفاهة؟ يكفينا ما نحن فيه من أوجاع وسهام تأتى من كل حدب وصوب، وآخر ما نحتاجه هو تصريحات مستفزة من قبل وزراء حالهم يقول إما أنهم لا يعرفون حقيقة الأوضاع التى يحاولون علاجها أو يعرفون ويدفنون رؤوسهم فى رمال الحزب الوطنى الناعمة، لكننا سنظل نحلم بمسؤولين يقولون ما يقوله الشعب ويعملون، بحق، من أجله.